نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلفون
جامعة
المستخلص
نقاط رئيسية
أولاً: تقسیمات الاجتهاد
ثانیاً: النماذج المختلفة للاجتهاد الجماعیّ
ثالثاً: حجِّیَّة الاجتهاد الجماعیّ
رابعًا: مجال الاجتهاد الجماعیّ: الأحکام أم الموضوعات؟
خامسًا: الاجتهاد الجماعیّ ومسألة التقلید
الكلمات الرئيسية
الاجتهاد الجماعیّ -مفهومه وحجِّیّته-
د.حسن مبینی؛ د.حسین ناصری مقدم[1]
ترجمة: حسنین الجمَّال
خلاصة:
الاجتهاد هو بذل الفقهاء الجهد الممنهج من أجل استنباط الأحکام الشرعیَّة. وهو بهذا المعنى له تاریخه العریق فی الإسلام. وکان الاجتهاد فی أدوار الفقه الشیعیّ وأغلب أدوار الفقه السنّیّ یعتمد على المجهود الفردیّ. وعلى الرغم من أهمّیَّة هذا الأمر وقیمته، فهو یواجه مؤخَّرًا أخطارًا جدِّیَّة بسبب توسُّع العلوم والعلاقات الإنسانیَّة وتعقیدها. ویُعدُّ تحویل الاجتهاد إلى مجهود جماعیّ حلًّا من الحلول. وقد طُرحت عدَّة تفسیرات لهذا المجهود الجماعیّ، منها: اجتماع عدد من الفقهاء الواجدین للشرائط والتوصُّل من خلال مجمع آرائهم المتضاربة إلى نتائج واحدة. وعلى الرغم من مواجهة هذا النوع من الاجتهاد إبهاماتٍ عدیدةً من الجهتین: النظریَّة والعملیَّة، لکنَّه یبقى أکثر فائدة من الاجتهاد الفردیّ.
ویشتمل هذا البحث على مسائل کثیرة، عالجت هذه المقالة مسألتین منها، هما: مفهوم الاجتهاد الجماعیّ، وحجِّیَّته.
کلمات مفتاحیَّة:
الاجتهاد، الاجتهاد الجماعیّ، الاستنباط، الفقیه، التقلید، المجتهد، الفتوى، الشورى، الحکم الشرعیّ.
مقدّمة:
الاجتهاد فی الفروع عبارة عن سعی الفقهاء الممنهج من أجل استکشاف الأحکام الشرعیَّة. وقد ظهر هذا النوع من الاجتهاد منذ بزوغ فجر الإسلام -بناءً على جواز الاجتهاد على النبیّ(ص)- أو بعده بفترة قصیرة. ولا یخفَ أنَّ الاجتهاد من أجل الوصول إلى حکم شیء معیّن هو فرع وجود ذلک الشیء، وإلَّا لکان السعی من أجله عبثیًّا. والاجتهاد فی مجال الفقه هو استنباط الحکم الشرعیّ. ولمـَّا کان الحکم الشرعیّ مبهمًا غالبًا، وجب اللجوء إلى الاجتهاد لاستکشافه. فلأجل ذلک؛ لا یکون الاجتهاد إلَّا فی مواطن الإبهام والخفاء فقط، ولا اجتهاد فی ضروریات الدین[2].
ومن جهة أخرى، تتمیَّز النصوص -بشکل عامّ، ولا سیَّما المقدَّسة منها- بقابلیَّتها للتأویل والتفسیر بأنحاء مختلفة. وتزداد هذه القابلیَّة کلَّما ازداد الفارق الزمنیّ بین هذه النصوص وبین کتّابها؛ لذا یهدف الاجتهاد إلى إیصال المجتهد إلى الفهم الصحیح للنصّ الدینیّ، فیصبح قادرًا على استکشاف الحکم الشرعیّ الذی لا یکون واضحًا ولا معلومًا بنفسه. ولکلِّ فرقة من المذاهب الإسلامیَّة -ما عدا القلیل منها کالأخباریِّین الذین لا یقبلون الاجتهاد- تفسیر مختلف لمفهوم الاجتهاد، ولکنَّهم جمیعًا متَّفقون على أنَّه أمر ضروریّ لا مفرَّ منه، سواء أقلنا بأنَّه مصدر فی عرض الکتاب والسُّنَّة (وهی النظریَّة المشهورة عند أهل السُّنَّة[3])، أم عدّیناه مجرَّد وسیلة للوصول إلى الأحکام الإلهیَّة (وهی نظریَّة الإمامیَّة[4]).
أوَّلًا: تقسیمات الاجتهاد:
ذُکِرَت للاجتهاد تقسیمات، نذکر منها:
وهنا یبرز تقسیمان:
أ- تقسیم الدکتور الدوالیبیّ: الذی ذهب إلى أنَّه یوجد ثلاث طرق لاستکشاف الحکم الشرعیّ، وهی[5]:
- الاجتهاد البیانیّ: وهو لبیان الأحکام الشرعیَّة من النصوص.
- الاجتهاد القیاسیّ: وهو لوضع الأحکام الشرعیَّة للوقائع الحادثة، ممَّا لیس فیه کتاب أو سنَّة بالقیاس على ما فی نصوص الشارع من أحکام.
- الاجتهاد الاستصلاحیّ: وهو لوضع الأحکام الشرعیِّة، ممَّا لیس فیه کتاب ولا سنَّة بالرأی المبنیّ على قاعدة الاستصلاح.
وقد نوقش هذا التعریف من جهات مختلفة[6].
ب-تقسیم السیِّد محمَّد تقی الحکیم[7]: حیث قسَّم الاجتهاد إلى قسمین: الاجتهاد العقلیّ والاجتهاد الشرعیّ.
- الاجتهاد العقلیّ: ونرید به ما کانت الطریقیَّة أو الحجِّیَّة الثابتة لمصادره عقلیَّة محضة غیر قابلة للجعل الشرعیّ. وینتظم فی هذا القسم کل ما أفاد العلم الوجدانیّ بمدلوله کالمستقلَّات العقلیَّة.
- الاجتهاد الشرعیّ: ونرید به کلَّ ما احتاج إلى جعل أو إمضاء لطریقیَّته أو حجّیَّته، ویدخل ضمن هذا القسم: الإجماع، القیاس، الاستصلاح، الاستحسان، العرف والاستصحاب، وغیرها من مباحث الحجج والأصول العملیَّة.
ینقسم الاجتهاد بلحاظ قدرة المجتهد إلى قسمین:
أ- الاجتهاد المطلق: هو ما یُقتدَرُ به على استنباط الأحکام الفعلیَّة من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلًا أو نقلًا[8]. فالمجتهد -هنا- قادر على استنباط الأحکام الشرعیَّة کلّها فی جمیع الأبواب. وقد انقسم الأصولیُّون فی مسألة إمکان الاجتهاد المطلق إلى قسمین[9].
ب-الاجتهاد المتجزِّئ: هو ما یُقتدَرُ به على استنباط بعض الأحکام. فتظهر ملکة الاجتهاد عند المجتهد فی بعض المسائل فقط. وفی هذا النوع من الاجتهاد عدَّة نظریَّات أیضًا، هی: لزوم الاجتهاد المتجزِّئ لمن یسعى إلى الاجتهاد المطلق[10]، واستحالة المتجزِّئ[11]، وإمکانه[12].
وینقسم الاجتهاد بلحاظ مراتب المجتهدین، إلى قسمین:
أ- الاجتهاد المطلق: وهو اجتهاد الفقیه فی استخراج منهاج مستقلٍّ له، یستخرج الأحکام على أساسه. ویُعبَّر عن صاحبه بالمجتهد فی الأصول وفی الفروع[13].
ب-الاجتهاد المقیَّد: وهو اجتهاد الفقیه المنتسب إلى مذهب معیَّن وفق أصول الاجتهاد التی قرَّرها إمام ذلک المذهب[14]. ویسمَّى هذا الاجتهاد بالاجتهاد فی المذهب وباجتهاد المنتسبین[15].
قام نظام الاجتهاد -عند الإمامیَّة أو السُّنَّة- على مرِّ التاریخ على الاجتهاد الفردیّ. کما أنَّ أغلب البحوث المتعلِّقة بأحکام الاجتهاد کانت ناظرة إلى الاجتهاد الفردیّ. أمَّا السبب الذی دعاهم للمیل إلى الفردیَّة فی الاجتهاد، فیحتاج إلى بحث مستقلّ.
والاجتهاد الفردیّ: هو الاجتهاد القائم على ید فقیه واحد جامع للشرائط، دون أن یشارکه فیه فرد آخر. وبعبارة أخرى: الاجتهاد الفردیّ هو کلُّ اجتهاد لم یثبت فیه اتفاق الفقهاء على رأی واحد[16].
لکن طُرحت فی السنوات الأخیرة –ولا سیَّما بین فقهاء أهل السُّنَّة- العدید من الآراء التی تُنظِّر للاجتهاد الجماعیّ؛ أدَّى إلى عقد الکثیر من المؤتمرات الفقهیَّة بین الأطیاف السنِّیَّة من أجل البحث والمناقشة، بل حصلت بعض مجالس شورى الإفتاء على طابع رسمیّ فی بعض البلدان الإسلامیَّة[17].
ثانیًا: النماذج المختلفة للاجتهاد الجماعیّ:
على الرغم من أنَّ الاجتهاد الجماعیّ یبدو للوهلة الأولى أمرًا واضحًا وغیر معقَّد، ولکنَّنا لو نظرنا فی آراء الفقهاء فی هذا الباب، لوجدنا اختلافًا واضحًا فیها، فإنَّهم جعلوا الاجتهاد الجماعیّ على قسمین:
1- اجتهاد مجموعة من الفقهاء على نحو مشترک
2- الاجتهاد الذی تکون فیه آراء الفقهاء متَّحدة فی مسألة معیَّنة.
والقسم الثانی خارج عن محلِّ بحثنا؛ لأنَّه لا یحدُث إلَّا صدفة واتفاقًا، أو کما یُعبِّر عنه علماء الاجتماع بأنَّه یحدُث على صورة حرکة movement. مع أنَّ بعض الباحثین یدَّعی أنَّ هذا الحدث الاتفاقیّ -المعروف فی الفقه بالإجماع أو الشهرة الفتوائیَّة والعملیَّة- معروف -أیضًا- بالاجتهاد الجماعیّ[18]، فمحلُّ الکلام هو القسم الأوَّل الذی یکون على شکل مؤسَّسة وتنظیم institution معیَّن.
ویمکن تقسیم هذا النوع من الاجتهاد الجماعیّ بحسب الوسائل التنفیذیَّة إلى عدَّة صور:
أ- أن یجتمع الفقهاء المطلقون (أی من کان اجتهادهم مطلقًا) دون تقسیم للمهامّ، فی جلسة شورى یتبادلون فیها الآراء، ویبحثون فی الأبواب الفقهیَّة کلِّها بنظرة واحدة کلِّیَّة.
ب- أن یجتمع الفقهاء المطلقون وتُحدَّد مهمَّة کلٍّ منهم، فیقوم کلُّ واحد بالبحث بدقَّة فی باب معیَّن من أبواب الفقه، ثم یعرضه فی جلسة الشورى کی یناقشه الآخرون ویُبدوا رأیهم فیه.
ج- تحدَّد مهمَّة کلِّ فقیه من الفقهاء المطلقین، ثمَّ یُعرض رأیه على لجنة متخصِّصة، ثمَّ تصل النوبة إلى أن یعرض رأیه فی جلسة الشورى لکی یُبحث فیه.
د- یمکن تشکیل الشورى بین المجتهدین المتجزِّئین (بناءً على إمکان الاجتهاد المتجزِّئ).
ومن غیر البعید فی هذه الصُّوَر کلِّها أن نقول بضرورة وجود متخصِّصین فی مختلف المجالات المرتبطة بالمسائل الفقهیَّة؛ لتقدیم المساعدة فی تشخیص المواضیع الشرعیَّة وما یرتبط بها بدقَّة؛ إذ لا تخفى صلة هذا الأمر باستنباط الحکم الشرعیّ. فمن أهمِّ المسائل تأثیرًا فی الاجتهاد هو تبدُّل المواضیع بنحو مستمرٍّ وظهور مفاهیم جدیدة، وهذا یستدعی وجود متخصِّصین وأصحاب خبرة فی هذه المجالات کی یُتوصَّل إلى استنباط صحیح.
وثمَّة أسئلة مهمَّة فی هذا القسم، وهی: من ینتخب أعضاء الشورى؟ فهل یصادف من تلقاء نفسه أن یجتمع عدد من المجتهدین ذوی أسلوب واحد فی التفکیر؟ أو أنَّ الحوزة العلمیَّة أو القیادة هی التی تقوم بالتخطیط والتحضیر لهذا الأمر مسبقًا؟ وهل تعدُّد الشورى أمر ممکن، أم أنَّه لا یمکن أن تکون أکثر من شورى واحدة؟ وما هی وظیفة باقی المجتهدین؟ وما طبیعة العلاقة بین الشورى وبین القیادة؟ وما هی وظیفة المقلِّدین هنا؟ بالإضافة إلى أسئلة کثیرة مرتبطة بنظریَّة الاجتهاد الجماعیّ، لکنَّها متعلِّقة بمرحلة التطبیق، وهو خارج عن محلِّ کلامنا فی هذا المقال.
ونظرًا لکثرة الصُّوَر التی ذُکرت لتوضیح مفهوم الاجتهاد الجماعیّ، فإنَّنا سنبحث هذه المسألة فی أبسط صُوَرها التی تتضمَّن کلَّ المسائل المشترکة بین الصُّوَر، من قبیل: أنَّه لو اجتمع عدد محدَّد من المجتهدین -الأعمّ من کونهم مطلقین أو متجزِّئین، والأعمّ من کونهم اجتمعوا من تلقاء أنفسهم أو کان اجتماعهم مخطَّطًا له- وبحثوا فی مسألة فقهیَّة ما ثمَ وصلوا إلى نتیجة مشترکة فیها وأفتوا على طبقها، فإنَّه لا بد أن تکون فتواهم هذه فتوى الشورى -بمعنى أن نفترض أنَّ للشورى شخصیَّة حقوقیَّة محدَّدة- ولیست فتوى صادرة عن کلِّ فردٍ منهم. وأوَّل سؤال یُطرح فی المقام هو: هل هذا النوع من الاجتهاد جائز وحجَّة؟
ثالثًا: حجِّیَّة الاجتهاد الجماعیّ:
نظرًا إلى أنَّ مباحث الاجتهاد الفردیّ لها جذور عمیقة ومتینة، لم یکن ثمَّة حاجة للبحث فی وجوبه وحجِّیَّته. أمَّا مباحث الاجتهاد الجماعیّ، فلیست کذلک، فهو من المسائل الحدیثة التی وقعت محلًّا للنقاش؛ لذا لا بدَّ من البحث بشکل جادّ عن ضرورته وحجِّیَّته. والکلام فی عدَّة مسائل:
هذا السؤال بنفسه هو بحث موضوعیّ، والهدف منه معرفة أنَّ الاجتهاد الجماعیّ -بلحاظ اللغة والاصطلاح- هل هو نوع من الاجتهاد، أم أنَّه یشترک معه فی اللفظ فقط؟ وفی مقام الجواب نقول: إنَّه لا شکَّ أنَّ الاجتهاد باللحاظ اللغویّ -وهو عبارة عن السعی المصحوب بالمشقَّة-، أو باللحاظ الاصطلاحیّ-وهو عبارة عن استفراغ الوسع-، لم تُؤخذ فیه صفة الفردیَّة، بل هی مضافة إلیه. فقد یکون فاعل الاجتهاد فردًا أو جماعة. فکما یصحّ أن یُقال: (استفرغ زید وسعه فی کذا)، کذلک یصحّ أن یقال: (استفرغ جمع وسعهم فی کذا). وبناءً علیه، لو کان ثمَّة شکّ أو تردُّد فی المسألة، فلا ینبغی أن یکون من الناحیة اللغویَّة أو الاصطلاحیَّة، بل من جهات أخرى کالحجِّیَّة والأدلَّة. والمسألة الوحیدة التی یمکن انتقادها فی الاجتهاد الجماعیّ من حیث المفهوم هی أنَّه: هل المجموعة بما هی مجموعة هی التی تمارس عملیَّة الاجتهاد، أم أنَّ الفرد الموجود فیها هو من یقوم بذلک؟ فإنْ قلنا إنَّ المجموعة -أو الشورى- هی التی تمارس الاجتهاد بحیث نفرض لها جهة حقوقیَّة معیَّنة مؤلَّفة من هؤلاء الأشخاص، کان ذلک عبارة عن الاجتهاد الجماعیّ. أمَّا لو قلنا إنَّ الأفراد –ومع الحفاظ على خصوصیَّاتهم الفردیَّة- یجتمعون فیما بینهم ویجتهدون حتى یصلوا إلى نتیجة واحدة، ففی إطلاق الاجتهاد الجماعیّ علیهم تأمُّل.
للاجتهاد نوعان من الوجوب: وجوب تخییریّ ووجوب کفائیّ. فهل الاجتهاد الجماعیّ یتنوَّع إلى هذین النوعین من الوجوب -أیضًا- أم لا؟
قد یبدو أنَّه لا معنى لهذین الوجوبین فی الاجتهاد الجماعیّ؛ لأنَّ الفقیه المـُشارِک فی الاجتهاد الجماعیّ قد بلغ سابقًا مرتبة الاجتهاد الفردیّ، فلا معنى لإیجاب الوجوب فی حقِّه. نعم، یمکن أن نسأل فی مورده أنَّه: هل یتعلَّق فی ذمَّته لزوم ثانویٌّ آخر فی المسائل التی لم یجتهد فیها فعلًا، أم لا؟ وهل هذا اللزوم الثانویّ هو على نحو الوجوب أم الاستحباب، وهل هو وجوب شرعیّ أم عقلیّ، عینیّ أم کفائیّ؟
الظاهر أنَّه لا یوجد أحد من الفقهاء الإمامیَّة یقول بوجوب الاجتهاد الجماعیّ ولزومه على المجتهدین، والشیء الوحید الذی نجده فی کلامهم هو القول برجحانه وأفضلیَّته بالنسبة إلى الاجتهاد الفردیّ، ولا سیَّما فی المسائل الاجتماعیَّة[19]. نعم، یُشعِر کلام بعض فقهاء أهل السنَّة بوجوب الاجتهاد الجماعیّ.
وأمَّا دعوى أنَّ الوجوب الأوَّلیّ للاجتهاد الجماعیّ لا معنى له، مناقشةٌ بأنَّه لا إشکال فی أن یوجب الفقهاء على المکلَّفین أحد أمور ثلاثة على نحو التخییر: الاجتهاد أو التقلید أو الاحتیاط؛ بمعنى أن یکون المکلَّف مخیَّرًا من البدایة بین أن یُحرز شرائط الاجتهاد الجماعیّ، أو یلتزم بالتقلید، أو یعمل بالاحتیاط.
وثمَّة سؤال آخر فی هذا البحث وهو: هل وجوب الاجتهاد الجماعیّ على الفقهاء عقلیٌّ أم شرعیٌّ؟
بالإمکان أن یُدَّعى أنَّ الوجوب فی هذه المسألة -على فرض ثبوته- له أدلَّة عقلیَّة وشرعیَّة أیضًا؛ فالأدلَّة الشرعیَّة هی من قبیل الآیات والروایات الدالَّة على لزوم التشاور فی أمر الاجتهاد[20]، والأدلَّة العقلیَّة هی أحکام العقل بوجوب متابعة الأمور الأقرب إلى الواقع والأقلّ خطأً.
یمکن المناقشة فی مسألة الحجِّیَّة من جهتین: من جهة حجِّیَّة اجتهاد المجتهدین على أنفسهم، ومن جهة حجِّیَّته على مقلِّدیهم.
أ- أمَّا بالنسبة إلى المجتهدین فی الشورى:
- فإمَّا أن یتوصَّل أعضاء الشورى إلى رأی واحد، بأن یکونوا مجمعین على رأی واحد؛ فتکون الفتوى مطابقة لفتوى الاجتهاد الفردیّ، غایة الأمر أنَّ الفتوى قد حصلت بشکل جماعیّ. وفی هذه الحالة، تکون أدلَّة حجِّیَّة الاجتهاد شاملة لها قطعًا. فبعد اتفاق المجتهدین فی الشورى على رأی واحد، یجب على کلِّ واحدٍ منهم العمل به ولا تجوز مخالفته، کما لو أنَّهم توصَّلوا إلیه بالاجتهاد الفردیّ.
- وإمَّا أن یتوصَّل أعضاء الشورى إلى رأیین، بأن ینقسموا إلى أقلیَّة وأکثریَّة، أو إلى فئتین متساویتین؛ فیکون رأی المجتهد مخالفًا لآراء الآخرین. فهل یجب علیه أن یعمل بما توصَّل إلیه، أم یجب أن یتّبع رأی الأکثریَّة؟ وهنا تکمن المسألة الأساس التی لا یمکن حلُّها بسهولة.
وفی مقام الجواب نقول: إنَّ هذه المسألة مبنائیَّة، بمعنى أنَّه لو قلنا بثبوت الوجوب الأوَّلیّ للاجتهاد الجماعیّ وعدم إجزاء الاجتهاد الفردیّ، فثمَّة صورتان:
فإن کان المراد الصورة الأولى، فالشرط متحقِّق هنا؛ لأنَّ الفرض هو أنَّ الاجتهاد قد حصل ضمن المجموعة، فیکون قد عمل بوظیفته، لکنّ رأیه مخالف لآراء المجموعة.
وقد یُتساءل -هنا- عن فائدة الاجتهاد الجماعی؟ فنجیب بالقول:
أوَّلًا: إنَّ أکثریَّة الشورى قد توصَّلت إلى رأی واحد.
وثانیًا: إنَّ الأقلِّیَّة قد توصَّلت إلى رأیها على ضوء المباحثة والمشاورة داخل المجموعة، وبالتالی قد استفادوا -أیضًا- من المجموعة.
أمَّا لو کان المراد الصورة الثانیة، فیمکن تصوُّر المسألة -أیضًا- من جهتین:
ب- وأمَّا بالنسبة إلى المقلِّدین، فیوجد عدَّة صُوَر:
- لو کان للشورى شخصیَّة حقوقیَّة، فإنَّه یجب على المقلِّدین الالتزام بالفتوى الصادرة عن الشورى، سواء اتفق الأعضاء کلّهم علیها أم کانت حصیلة رأی الأکثریَّة.
- لو لم تکن للشورى شخصیَّة حقوقیَّة، بل کانت مجرَّد مجلس لاجتماع الفقهاء وأهل الإفتاء لیتبادلوا الآراء -حتى لو سمّینا ذلک اجتهادًا جماعیًّا (على بعض معانیه)-، فإنَّها لا تنقض التقلید الفردیّ؛ لأنَّ المقلِّد یقلِّد مجتهدًا من أعضاء الشورى ولیس مقلِّدا لمجموعة الأعضاء بما هم مجموعة.
فالمهمُّ فی باب التقلید هو المسألة الأولى؛ أیْ فرض شخصیَّة حقوقیَّة للشورى. والسؤال هنا: هل یمکن تقلید الشورى بما هی شورى أم لا؟
وممَّا تقدَّم یتَّضح أنَّ البحث الأساس فی حجِّیَّة الاجتهاد الجماعیّ یتلخَّص فی أمرین:
الأمر الأوَّل: حجِّیَّة رأی الشورى للمجتهد الذی یُخالف رأیُه رأیَ الأکثریَّة.
الأمر الثانی: جواز تقلید الشورى بناءً على امتلاکها شخصیَّة حقوقیَّة.
أ- عند أهل السنَّة:
على الرغم من أنَّه لا وجه للبحث عن جواز الاجتهاد الجماعیّ بعد البحث عن وجوبه وحجِّیَّته، لکنَّ بعض الباحثین المعاصرین من أهل السنَّة قد أقام أدلَّة على ذلک. وقد تقدَّم -آنفًا- أنَّه إن کان المراد من الاجتهاد الجماعیّ اجتماعَ مجموعة من المجتهدین بحیث یبحثون فی بعض المسائل الفقهیَّة التی تکون محلَّ ابتلاء المجتمع، ثمَّ یتَّفقون على رأی واحد ویُعلنون عنه بعنوان أنَّه رأی الشورى، فلا إشکال فی ذلک قطعًا، بل ثمَّة فائدة کبیرة فی المشاورة والاجتماع. والأدلَّة التی ذکروها فی باب جواز الاجتهاد الجماعیّ لا تُثبت أکثر من هذا المقدار. ومن هذه الأدلَّة:
- القرآن:
لطالما خاطب القرآن الکریم جماعة المسلمین، ولا سیَّما فی الأمور المرتبطة بالاجتهاد والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فعلى سبیل المثال: {فردّوه}[21]، {تأمرون}[22]، {یأمرون}[23]، {فاعتبروا}[24]، وغیر ذلک.
- الروایات والسنَّة:
وردت روایات کثیرة فی باب جواز السعی الجماعیّ -کالاجتهاد- واستحسانه، نذکر منها:
- عن ابن عباس قال: "قلت یا رسول الله أرأیت إن عرض لنا أمر لم ینزل فیه قرآن، ولم تمض فیه سنَّة منک؟ قال(ص): تجعلونه شورى بین العابدین من المؤمنین ولا تقضونه برأی خاصة"[25].
- ورد فی حدیث أنَّ الإمام علی(ع) سأل النبی(ص) عن الأمر الذی ینزل بالناس ولم ینزل به قرآن ولم تمض به سنَّة، فقال النبی(ص): "اجمعوا له العالمین من المؤمنین فاجعلوه شورى بینکم ولا تقضوا فیه برأی واحد"[26].
- نُقل عن أبی هریرة قوله بأنَّه لم یرَ شخصًا مثل النبی(ص) یشاور أصحابه کثیرًا[27].
- عمل الصحابة والتابعین:
نُقل عن الصحابة أنَّهم کانوا کلَّما لم یجدوا جوابًا فی کتاب الله وسنَّة النبی(ص)، جمعوا الناس وعملوا بما اتفقوا علیه: "کانوا إذا نزلت بهم قضیَّة لیس فیها من رسول الله(ص) أثر، اجتمعوا لها وأجمعوا، فالحقّ فیما رأوا، فالحقّ فیما رأوا "[28].
کما یُنقل عن التابعین أنَّهم سلکوا مسلک الاجتهاد الجماعیّ فی أمورهم، فقد رُوی أنَّ عمر بن عبد العزیز کان حاکم المدینة آنذاک، فجمع عشرة من کبار الفقهاء وقال لهم: "إنَّما دعوتکم لأمر تؤجرون علیه وتکونون فیه أعوانًا على الحق، ما أرید أن أقطع أمرًا إلَّا برأیکم أو برأی من حضر منکم"[29].
ب- مناقشة الأدلَّة السابقة:
ذکرنا سابقًا أنَّ الاجتهاد فی الجماعة والمشاورة وتبادل الآراء لهو أمر حسن. لکن ثمَّة أدلَّة ذُکرت، وهی محلٌّ للنقاش:
- إنَّ استحسان العمل ببعض الأمور فی موارد معیَّنة لا یعنی تعمیم هذا الحسن إلى کلِّ الموارد. مضافًا إلى أنَّه لم یُستعمل الاجتهاد فی الأمثلة القرآنیَّة التی ذُکرت بمعناه الاصطلاحیّ. فضلًا عن أنَّ آیة النفر نفسها التی یُستدلُّ بها على الاجتهاد لا تُثبت الاجتهاد الجماعیّ، بل تأمر بالاجتهاد بصیغة الجمع، وهذا ظاهر فی التوزیع، بمعنى أن یسعى کلُّ فرد للوصول إلى الاجتهاد.
- الروایات المستشهد بها فی المقام محلُّ إشکال سندًا، فهی روایات ضعیفة ولا یصحّ الاعتماد علیها فی مقام الاستدلال.
- عمل الصحابة والتابعین لیس بحجّة بنفسه فی الفقه الإمامیّ.
- لو سلّمنا بأنَّ الأدلَّة تدلُّ على حسن الاجتهاد الجماعیّ، لکنَّ الإشکال الأهمّ هو فی کیفیَّة هذا النحو من الاجتهاد: فهل هو اجتهاد فی الجماعة أو أنَّه یُعطی الأفضلیَّة لرأی الأکثریَّة، أو له نحو ثالث؟ فالجواب عن هذه الأسئلة لا بدَّ أن یکون فی هذا الباب من البحث.
ج- الدلیل المختار:
إنَّ للاجتهاد سنخین من الوجوب: وجوبًا شخصیًّا على آحاد المکلَّفین فیکون تخییریًّا، ووجوبًا ناشئًا من حاجة المجتمع إلى المجتهدین، فیکون کفائیًّا. ولا یوجد فی أدلَّة وجوب التقلید ما یدلُّ على لزوم کونه فردیًّا أو جماعیًّا. وبالتالی، لا إشکال فی دخول الاجتهاد الجماعیّ تحت عموم هذه الأدلَّة. ومتى ما اتَّصف الاجتهاد الجماعیّ بالوجوب، فإنَّه تلقائیًّا یکتسب صفة الحجِّیَّة. وهذا نظیر الشیء الذی لا یتَّصف بالوجوب إلا بعد کونه متَّصفًا بالجواز بالمعنى الأعمّ. والحاصل أنَّ الاجتهاد الجماعیّ جائز بالمعنى الأعمّ، ثمَّ واجب، ثمَّ متَّصف بالحجِّیَّة.
تنوَّعت أسالیب البحث عن الاجتهاد الجماعیّ بین الباحثین فی علم الفقه، ولا سیَّما فی الفقه الشیعیّ، فبحث بعضهم عن مفهومه، وبحث آخرون عن وجوبه، ومنعه بعضٌ، وأنکر إمکانیَّة تحقُّقه وأورد علیه إشکالات متعدِّدة. ونحن نعرض فیما یلی أهمّ هذه الإشکالات مع الإجابة علیها:
أ- الاجتهاد الجماعیّ غیر قابل للتحقُّق؛ لأنَّ الاجتهاد یتمُّ بصورة فردیَّة، والحکم الشرعیّ لا یکون بالتصویت.
وفی مقام الجواب نقول:
إن کان المراد عدمَ انطباق الاجتهاد بمعناه اللغویّ أو الاصطلاحیّ على الاجتهاد الجماعی، فهذه دعوى بلا دلیل؛ فما المانع من أن یمارس الشخص عملیَّة الاجتهاد لاستنباط الحکم الشرعیّ ضمن مجموعة من الفقهاء والنخب تتبادل الآراء ووجهات النظر، کما یفعل ذلک وَحْدَه؟
وإن کان المراد عدمَ تحقُّق الاجتهاد الجماعیّ إلى هذا الزمن، فهو قول سدید، لکن لا یُعتمد علیه کدلیل لنفی موضوع الاجتهاد الجماعیّ.
ب- لا یمکن أن یتحقَّق اتفاق تامٌّ فی الاجتهاد الجماعیّ إلا فی مجموعة صغیرة من المسائل الفقهیَّة. وبالتالی، یبقى النزاع قائمًا فی أغلب المسائل الفقهیَّة، وتکون أقوال الفقهاء متعدِّدة لا محالة[30].
لکن یبدو أنَّ هذا الإشکال غیر وارد أیضًا، بل هو محض ادعاء. فمن المحتمل جدًا أن یصل الفقهاء إلى نقاط مشترکة حتى فی المسائل المختلف فیها. أَوَلیس الهدف من الاجتهاد الجماعیّ هو تقلیل مساحة الاختلاف بین الفقهاء؟
ج- لو قبلنا وجوب الاجتهاد الجماعیّ، فإنَّ لازمه تضییق فضاء الاجتهاد؛ لأنَّه یعسر اتفاق الجمیع على رأی معیَّن، کما أنَّه لا دلیل على وجوب الأخذ برأی الأکثریَّة[31].
وفی مقام الجواب نقول:
إنَّه لا دلیل على أنَّ اتفاق الجمیع غیر قابل للتحقُّق. مضافًا إلى أنَّه یمکن توجیه حجِّیَّة رأی الأکثریَّة، کما لو فرضنا ثبوت شخصیَّة حقوقیَّة للشورى، فلا حاجة عندها لاتفاق الجمیع.
وقد ذُکرت إشکالات أخرى فی المقام، لکنَّها ذات طابع تنفیذیٍّ إجرائیٍّ؛ لذا نُعرض عن ذکرها فی هذا المقال. وعلى أیِّ حال، فإنَّ من الطبیعی أن یرفض الفقهاء بحثًا جدیدًا کهذا طالما لم تتنقَّح بعدُ مفاهیمه وهیکلیَّته بنحو دقیق؛ لذا یجب استبدال الخطابات الحادَّة بکتابات توضّح أرکان هذا النوع من الاجتهاد. وهذه الطریقة قد تغیِّر موقف الرافضین له إلى موقف المؤیِّدین والمناصرین.
عندما یدور الحدیث فی الاجتهاد الجماعیّ عن الحجِّیَّة أو عدم الحجِّیَّة ، یکون النظر منصبًّا على دائرة الأحکام، بمعنى تحصیل الأحکام الشرعیَّة عن طریق الاجتهاد الجماعیّ. لکن فی المقابل، خصَّ بعض علماء الفقه المعاصرین الاجتهاد الجماعیّ وشورى الإفتاء بقسم الموضوعات، ولا سیَّما إذا کان المناط فی ترجیح بعض الآراء هو الأکثریَّة؛ فهم یعتقدون أنّ الأکثریَّة لیست حجَّة شرعیَّة استنادًا إلى بعض الآیات القرآنیَّة[32]، کما أنَّها لا تستطیع أن تغیِّر حکم الباری -عزّ وجلّ-، وذهبوا إلى أنَّ مباحث الحجِّیَّة هی بالأصل مرتبطة بالأحکام، وأمَّا مبحث الأکثریَّة، فیستفاد منه فقط فی مجال الموضوعات، بل إنَّ الآیات والروایات التی تحدَّثت عن الشورى خاصَّةٌ بالموضوعات دون الأحکام[33].
ویمکن القول: إنَّه بناءً على ثبوت اختصاص الاجتهاد الجماعیّ بالموضوعات، فإنَّ أهمِّیَّة هذا البحث سوف تصبح قلیلة؛ لأنَّ الخلاف الأساس بین الفقهاء هو فی باب الأحکام لا الموضوعات. لکن مع ذلک، یبقى للموضوعات أهمِّیَّة أیضًا فی ظلّ تعارض الآراء. أمَّا إذا أردنا القول بحجِّیَّة الاجتهاد الجماعیّ، فعلینا أن نجعله شاملًا لدائرتَیِ الأحکام والموضوعات معًا، کما هو حال الاجتهاد الفردیّ الذی یعمّ کلا القسمین.
وقد اتَّضح ممَّا تقدَّم أنَّ للمسألة اتجاهین متقابلین: فبعضهم حصر النزاع فی دائرة الموضوعات، فکانت نظرتهم للمسألة نظرة موضوعاتیَّة، فاصطدموا بمشاکل أقلّ من غیرهم، وبعضهم حاکموا المسألة على أساس شمولیّتها أیضًا لدائرة الأحکام.
وقد قدَّم المدافعون عن نظریَّة الأکثریَّة فی شورى الإفتاء عدَّة أدلَّة، أبرزها:
- لم یذمّ القرآن الکریم الأکثریَّة فی جمیع الموارد، بل ذمَّها فی الموارد التی انحرفت فیها عن المسار الإلهیّ. أمَّا فی الموارد التی تواضعت الأکثریَّة فیها وانحنت للمسار الإلهیّ، فقد استحقَّت مدح الباری -عزَّ وجلَّ-: {... وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ ...}[34].
- یُعدُّ مبدأ الأکثریَّة من لوازم الشورى ولا معنى للشورى دونه. بل إنَّه تحقَّق فی سیرة النبی الأکرم(ص) والأئمَّة(علیهم السلام)، فنرى أنَّهم عندما عملوا بالشورى واحتکموا إلى رأی الأکثریَّة.
- مبدأ الأکثریَّة ضروریّ وعقلانیّ فی آنٍ واحد؛ لأنَّه لا یمکن تهمیش کلا الرأیین (الأکثریَّة والأقلِّیَّة)، ولا یمکن أیضًا قبولهما معًا، کما أنَّه لا یمکن الاحتکام إلى رأی أحدهما فی بعض الموارد دون بعض؛ لأنَّه لا تبقى ضابطة یمکن العمل على أساسها؛ لذا نحن أمام أحد احتمالین: إمَّا العمل برأی الأکثریَّة، وإمَّا العمل برأی الأقلیَّة. والعقل بدوره حاکم بقبول رأی الأکثریَّة؛ لأنَّ نسبة احتمال إصابتها للواقع أکثر[35].
ومن خلال ما تقدَّم، یظهر أنَّ الاجتهاد الجماعیّ إنَّما یکون منتجًا وبنّاءً عندما یکون شاملًا للأحکام والموضوعات معًا. ولکنَّه لا دلیل على هذا الشمول؛ فإنَّه ولو ثبت العمل برأی الأکثریَّة فی باب الموضوعات –کما حصل مع النبی الأکرم(ص) فی معرکة أحد عندما عمل برأی الأکثریَّة فی مسألة الخروج من المدینة مقابل رأی الأقلِّیَّة التی فضَّلت البقاء فیها- إلا أنَّ إثباته فی باب الأحکام الشرعیَّة یحتاج إلى جُهد جهید، علمًا أنَّه لم یُعثر فی أوساط الفقهاء الإمامیِّین على رأی یقبل بتحکیم الأکثریَّة فی الحجج الشرعیَّة والأحکام الإلهیَّة. وقد منعوا من تسریة حکم الأکثریَّة إلى دائرة الأحکام الشرعیَّة بالأدلَّة التالیة:
- لو حکمت الأقلِّیَّة بحلِّیَّة عمل ما، وحکمت الأکثریَّة بحرمته، فإنَّ الأقلِّیَّة ترى أنَّ لازم العمل بقول الأکثریَّة هو تحریم الحلال وتحلیل الحرام. وعلى أیِّ حال، فإنَّ من الصعب جدًا إلزام الأقلِّیَّة برفع یدهم عن الحجَّة الشرعیَّة التی أوصلتهم إلى رأیهم.
- لم یتَّصف رأی الأکثریَّة فی مورد من الموارد بالحجِّیَّة الشرعیَّة. ففی باب الإجماع والشهرة -أیضًا-، حیث تُطرح مسألة الأکثریَّة والتعداد الکمِّیّ، لا یصحّ الاعتماد على رأی الأکثریَّة، بل الحجِّیَّة هی للحُجَّة الأقوى، وهی قول المعصوم(ع).
- ذکروا فی مباحث الحجِّیَّة أنَّ العلم حجِّیَّته ذاتیَّة، وبالتالی لا تنال ید الجعل هذه الحجِّیَّة نفیًا ولا إثباتًا؛ لذا یتحتَّم على کل عالِم -ولا سیَّما من کان رأیه من الأقلیَّة- أن یعمل بعلمه وقطعه الذی حصل عنده ولا یجوز له مخالفته.
ویرى الباحثون أنَّه لا أهمِّیَّة کبیرة فی الشورى لقبول الأقلِّیَّة رأیَ الأکثریَّة وعدم قبولهم لها، بل المهمّ هو الدور الذی تؤدِّیه الشورى فی المجتمع وبین الناس، مع فرض أنّ الناس –کما سیأتی فی الحدیث عن التقلید- مکلَّفون بقبول النظریَّة الصادرة عن رأی الأکثریَّة فی الشورى. نعم، یحقّ للأقلِّیَّة –طبقًا لوظیفتهم الدینیَّة والعقلیَّة- أن یبقوا أوفیاء لنظریَّاتهم وآرائهم الشخصیَّة، ولکن لا یحقّ لهم إشاعة آرائهم وتشویش الناس بها. وکذلک الأمر فی المسائل ذات الطابع الحکومیّ أو المسائل واسعةِ الانتشار، فإنَّه یجب فیها أن تتبع الأقلّیةُ الأکثریةَ حتى لو علموا بأنَّها تتعارض مع مبانیهم الفقهیَّة والعلمیَّة.
یمکن القول إنَّ الأفضل أن نجعل محور البحث هو مسألة تقلید مجموعة من المجتهدین، بدلًا من أن یکون المحور هو أحکام الاجتهاد الجماعّی -من حیث الوجوب، والجواز، والحجِّیَّة، وأمثال ذلک-؛ وذلک لأنَّ حجِّیَّة الاجتهاد ومنفعته الاجتماعیَّة وُلدت فی أحضان مسألة التقلید. ولعلَّه لأجل ذلک أکثَرَ الفقهاء من الحدیث فی أحکام التقلید والفروع المرتبطة به. والسؤال الأساس هنا هو: هل یحقُّ للمقلِّدین أن یرجعوا إلى شورى الإفتاء -بدلًا من رجوعهم إلى مجتهد واحد- أم لا؟
وفی مقام الجواب نقول: إنَّه لو رجع المقلِّد إلى أحد أفراد المجتهدین فی شورى الإفتاء، فإنَّه یکون قد قلَّد فردًا، ولا إشکال فی ذلک. لکنَّ محلَّ البحث هو فی جواز تقلید مجتهدی شورى الإفتاء من حیث هم مجموعة لا من حیث هم أفراد. وبالتالی لو سئل العامِّی عمَّن یقلِّد، لأجاب بأنَّه: یقلِّد شورى الإفتاء. فهل لهذا الشکل من التقلید -بغضّ النظر عن بحث شورى الاجتهاد- حجَّة شرعیَّة أم لا؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال، نرى أنَّه من المناسب التعرّض لمسألة تقلید الأعلم التی لها دور أساس فی بحث الاجتهاد الجماعیّ:
أ- تقلید الأعلم:
إنَّ المعرِّفین للتقلید على طائفتین: إحداهما: جعلت التقلید أمرًا سابقًا على العمل بفتوى المفتی، والثانیة: جعلت التقلید نفس العمل، وهو الصواب؛ فإنَّ الأولى خلطت بین التقلید وبعض مقدِّماته[36].
ولیس یخفى على أحد أنَّ المجتهدین غیر متساوین فی المرتبة العلمیَّة والخبرة والمهارة. وقد طُرح منذ القدم السؤال التالی: هل یجب على العوامّ تقلید الأعلم من المجتهدین، أم یجوز لهم الرجوع إلى المجتهد غیر الأعلم؟ ولهذا السؤال أهمِّیَّة کبیرة فی بحثنا الحالیّ من حیث تأثیرُه المباشر على مسألة تقلید شورى الإفتاء. وقد اختلفت آراء فقهاء الإمامیَّة فی مسألة تقلید الأعلم: فذهب بعض إلى وجوبها، بینما نفى ذلک بعض آخر. وتجدر الإشارة إلى أنَّ البحث فی تقلید الأعلم –حال اختلاف فتواه مع فتوى بقیَّة المجتهدین- فرع إمکان الرجوع إلیه، وإلَّا فقد اتفق الفقهاء على جواز الرجوع إلى غیره[37]. وبالتالی، یمکن صیاغة سؤال البحث على الشکل التالی: هل تتَّصف فتوى غیر الأعلم بالحجِّیَّة فی ظلِّ وجود الأعلم، أم لا؟
أمَّا من قال بوجوب تقلید الأعلم، فتمسَّک بعدَّة أدلَّة، نذکر منها: سیرة العقلاء[38]، وأنَّ قول الأعلم أقرب إلى الواقع[39]، وأنَّ درجة الاطمئنان لقول الأعلم أکبر[40].
کما أنَّهم استندوا إلى بعض الروایات کمقبولة عمر بن حنظلة التی ورد فیها: "الحکم ما حکم به أعدلهما وأفقههما..."[41].
أو أمر الإمام علی(ع) فی قوله: "اختر للحکم أفضل رعیّتک"[42].
لکنَّ هذه الأدلَّة کلَّها لم تسلم من النقد والإشکال[43].
وفی المقابل، اعتمد القائلون بالتخییر -بین الأعلم وغیرالأعلم- على أدلَّة، منها:
- إطلاقات الأدلَّة اللفظیَّة للتقلید[44].
- وعموم قوله(ع): "فاصمدا فی دینکما على کلّ مسنّ فی حبّنا وکلّ کثیر القدم فی أمرنا، فإنّهما کافوکما إن شاء الله"[45].
- وما روی عن الإمام الصادق(ع) أنَّه قال: "بشّر المخبتین بالجنّة: برید بن معاویة العجلیّ، وأبو بصیر لیث بن البختری المرادی، ومحمّد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء، اُمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست"[46].
- وکذلک روایات أخرى أُرجع فیها إلى هؤلاء الرواة[47].
- وعموم التعلیلات الواردة فی الروایات التی تُرجع الناس فی أمورهم إلى أصحاب الأئمَّة(علیهم السلام)، وإرجاع الأئمَّة الناس فی کلِّ منطقة إلى أقرب فقیه إلیهم[48].
- وسیرة المتشرِّعة منذ زمن الأئمَّة المعصومین(علیهم السلام) إلى الآن، وهی منعقدة على رجوع الناس فی الفتوى إلى أقرب الفقهاء إلیهم مکانًا مع احتمالهم لأعلمیَّة الفقیه الأبعد مکانًا عنه. وغیرذلک من الأدلَّة.
وقد تعرَّضت هذه الأدلَّة أیضًا للمناقشة والأخذ والردّ، لکنَّنا لسنا فی صدد التحقیق وبیان الحقّ فی المسألة، بل جلّ ما یهمّنا هو بیان المبانی النظریَّة التی یعتمد علیها البحث لتتَّضح معالم بحث الاجتهاد الجماعیّ.
ب- تقلید الأعلم والاجتهاد الجماعیّ:
بعدما تبیَّن وجود نظریَّتین رئیستَیْن، فإنَّه یجدر بنا البحث عن تأثیر کلٍّ منهما على مسألة الاجتهاد الجماعیّ.
- بناءً على نظریَّة وجوب تقلید الأعلم:
بناءً على نظریّة وجوب تقلید الأعلم، هل یستطیع المقلِّد تقلید شورى الإفتاء، أم لا؟
وفی مقام الجواب نمیِّز بین صورتین: فإمَّا أن یکون الأعلم عضوًا فی الشورى وإمَّا لا.
وفی الواقع، إنَّ أکثر الأدلَّة على وجوب تقلید الأعلم شاملة لشورى الإفتاء أیضًا. فلو غضضنا النظر عن الإجماع -مع العلم بأنَّ تحقُّق الإجماع فی هذه المسألة أمر بعید[49]- لوجدنا الأدلَّة العقلیَّة على وجوب تقلید الأعلم -مثل بناء العقلاء أو الاطمئنان لقول الأعلم-، والأدلَّة النقلیَّة -مثل مقبولة حنظلة وأمرالإمام علی(ع)-، فی صدد بیان أنَّ قول الأعلم هو الأقلّ خطأً والأکثر صوابًا. وهذا عادة ما یتحقَّق فی رأی الأعلم. وبناءً علیه، یمکن أن تتحقَّق هذه الأوصاف والخصائص فی شورى الإفتاء –المؤلَّف من جماعة من المجتهدین- التی تفترق عن شخص الأعلم بأنَّها شخصیَّة حقوقیَّة. کما أنَّ النظریَّات والآراء الصادرة عن مجموعة من النخب والمفکِّرین فی تخصّص معیَّن هی أکثر اعتمادًا ووثوقًا عند العقلاء ممَّا یکون صادرًا عن فرد واحد –حتَّى لو کان الأکثر تمیّزًا فی اختصاصه-. هذا مضافًا إلى أنَّ الروایات الواردة فی المقام لا تُثبت أکثر من أنّ رأی الأعلم أقرب إلى الواقع من غیره، ولیس فیها جمود على شخص الأعلم، بل یمکن أن تشمل أیّ مجموعة تتَّصف بوصف الأعلمیَّة أیضًا.
- بناءً على نظریَّة عدم وجوب تقلید الأعلم:
بناءً على نظریَّة عدم وجوب تقلید الأعلم، یصبح من الواضح بأنَّ للعوام الحقّ فی تقلید شورى الإفتاء؛ فحتَّى لو لم یکن الأعلم عضوًا فی الشورى، ولم نقل -أیضًا- بأعلمیَّة مجموعة الشورى، یبقى تقلید الشورى جائزًا.
بغضّ النظر عن بحث تقلید الأعلم وعن اتصاف شورى الإفتاء بالأعلمیَّة، یمکن طرح السؤال التالی: هل یجوز تقلید شخصیَّة حقوقیَّة أم لا؟ فما ورد فی فقهنا على مرّ التاریخ هو تقلید الناس لآحاد المجتهدین، لکن هل یجوز الرجوع إلى مجموعة من المجتهدین -مع فرض أنَّهم اتفقوا کلّهم أو أکثرهم على رأی واحد- بدلًا من الرجوع إلى مجتهد واحد؟
یبدو ممَّا سبق أنَّ الأدلَّة التی تثبت جواز تقلید الأعلم أو وجوبه لا ترقى للردع عن تقلید مجموعة المجتهدین بما هم مجموعة. وممَّا یستدلّ به على جواز تقلید الأعلم:
أ- سیرة العقلاء: لا یخفى على من طالع سیرة العقلاء أنَّه یجدهم یرجعون إلى أهل الخبرة والمتخصِّصین فی المجال الذی یحتاجونهم فیه، فیعملون على طبق آرائهم وإرشاداتهم. وهذا أعمّ من أن یکون هذا الرجوع فی أمور المعاش والحیاة الیومیَّة أو فی أمور المعاد والحیاة الأخرویَّة. کما أنَّه لا فرق عندهم فی هذا الرجوع بین أن یکون رجوعًا إلى فرد متخصِّص أو إلى مجموعة من المتخصِّصین. بل لعلَّ اعتمادهم على مجموعة المتخصِّصین بما هم مجموعة هو أکثر من اعتمادهم على متخصِّص واحد. ولعلَّه -لأجل ذلک- نرى أنَّه عندما یُعرض ملف المریض ذی المرض الخطیر على لجنة أطباء متخصِّصین، فإنَّه یشعر براحة واطمئنان أکبر. أمَّا على الصعید الفقهیّ، فلمَّا کانت أرضیَّة هذا الرجوع غیر مهیَّأة بنحو کامل، کانت سیرة العقلاء جاریة فیه بنحو ضعیف.
ب-انسداد باب العلم: یشترک دلیل الانسداد مع سیرة العقلاء فی عدم منعه من تقلید شورى الإفتاء؛ فإنَّه لمـَّا لم یستطع المقلِّدون فی زمن الغیبة أن یرجعوا إلى إمامهم(ع)، ولم یکن باستطاعتهم أن یصلوا إلى مرحلة الاجتهاد، وکان الاحتیاط التامّ موجبًا للعسر والحرج، وکان العلم الإجمالیّ منجِّزًا فی حقِّهم تکالیف إلزامیِّة، تعیَّن علیهم تقلید المجتهد[50]. ومن الواضح أنَّ هذا الدلیل لا یُثبت کون الاجتهاد فردیًّا فی باب التقلید، بل یُعیِّن التقلید فقط على المکلَّف غیر القادر على الاحتیاط والاجتهاد. وبالتالی، یمکن أن یکون التقلید لمجموعة من الفقهاء.
ج- الآیات: من قبیل آیة النفر وآیة السؤال. واللافت أنَّ هاتین الآیتین لا تُشکِّلان مانعًا من حجِّیَّة تقلید الشورى، بل یمکن -وبنظرة بَدْویَّة- أن تَصلُحا دلیلًا على صحَّة هذا النوع من التقلید؛ فقد ورد فی آیة النفر التعبیر بـ: {وَلِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ}[51] الظاهر الدلالة على الاجتهاد الجماعیّ، وورد فی آیة السؤال التعبیر بـ: {أَهْلَ الذِّکْرِ}[52] المُستعمل فیه صیغة الجمع. وقد فهم المحقِّقون من المفسِّرین والفقهاء أنَّ صیغة الجمع هنا تدلّ على التوزیع؛ بمعنى أنَّه لا یُشترط أن تکون الآراء المتَّخذة من أهل الذکر بشکل جمعیّ[53]. وعلى أیِّ حال، فإن لم یمکن الاستدلال بهاتین الآیتین على المطلوب، فلا أقلّ من عدم دلالتهما على المنع من هذا النوع من التقلید.
د- الروایات: الروایات التی استدلُّوا بها فی باب جواز التقلید، لا تُثبت -بنظرنا- إلَّا جواز التقلید الفردیّ، من قبیل: "اجلس فی المدینة وأفتِ الناس"[54]، وغیرها من روایات الشیعة التی تُرجع المکلَّفین إلى آحاد الأفراد من الصحابة[55]. لکن یمکن الاستنتاج -بأدنى تأمُّل فی الجوّ السائد فی تلک الحقبة الزمنیَّة- أنَّ تلک الأحداث مبنیَّة على خصوصیَّات موارد معیَّنة، وبالتالی لا یُفهم منها الانحصار والعلِّیَّة؛ فالمطالع لتلک الفترة الزمنیَّة یجد أنَّ المسائل الشرعیَّة الابتلائیَّة کانت محدودة وقلیلة، وکان الاجتهاد سهلًا وقلیل المؤونة؛ ولأجل ذلک کان أصحاب الأئمَّة(علیهم السلام) یجیبون بکلِّ قوَّة عن أسئلة المراجعین، وکان من الطبیعی أن یُرجع الإمام(ع) شیعته فی ذلک الزمان إلى أصحابه، لا إلى مجموعة أصحابه بما هم مجموعة.
وقد ورد فی بعض الروایات تعابیر بصیغة المثنى والجمع بحیث یمکن الاستفادة منها فی مسألة تقلید الشورى، من قبیل: "العمریُّ وابنه ثقتان، فما أدَّیَا إلیک فعنِّی یؤدِّیان، وما قالا لک فعنِّی یقولان، فاسمع لهما وأطعهما..."[56]، و"أمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلى رواة أحادیثنا..."[57].
خاتمة:
تتَّضح ممَّا تقدَّم الأمورُ الآتیة:
[1] باحثان فی الفکر الإسلامیّ، من إیران.
[2] الآذریّ القمِّیّ، أحمد: التحقیق فی الاجتهاد والتقلید، ط1، قم المقدَّسة، مؤسَّسة انتشارات دار العلم، 1414هـ.ق، ج1، ص80.
[3] الصدر، رضا: الاجتهاد والتقلید، لا ط، قم المقدَّسة، مرکز انتشارات دفتر تبلیغات اسلامى قم، 1378هـ.ش، ص25-26.
[4] م.ن، ص25-26.
[5] الدوالیبیّ، محمَّد معروف: المدخل إلى علم أصول الفقه، لا ط، لا م، جامعة دمشق، 1378هـ.ق، ص389.
[6] بحر العلوم، محمَّد: الاجتهاد أصوله وأحکامه، لا ط، بیروت، دار الزهراء(علیها السلام) للطباعة والنشر، 1412هـ.ق، ص128.
[7] الحکیم، محمَّد تقی: الأصول العامَّة للفقه المقارن، ط2، لا م، مؤسَّسة آل البیت(علیهم السلام) للطباعة والنشر، 1979م، ص571.
[8] الآخوند الخراسانیّ، محمد کاظم: کفایة الأصول، تحقیق: سامی الخفاجیّ، ط1، قم المقدَّسة، نشر: دانش، 1417هـ.ق، ج5، ص277.
[9] م.ن؛ الشوکانی الزبیدیّ، محمد: إرشاد الفحول إلى تحقیق الحقّ من علم الأصول، ط1، مصر، لا ن، 1356هـ.ق/1937م، ص255.
[10] الآخوند، کفایة الأصول، م.س، ج5، ص290.
[11] الشوکانیّ، إرشاد الفحول، م.س، ص255
[12] الآخوند، کفایة الأصول، م.س، ج5، ص289.
[13] انظر: الحکیم، الأصول العامَّة للفقه المقارن، م.س، ص589.
[14] م.ن، ص591.
[15] أبو زهرة، محمد: أصول الفقه، لا ط، بیروت، دار الثقافة العربیة للطباعة، 1377هـ.ق، ص375-382.
[16] محمَّد إسماعیل، شعبان: الاجتهاد الجماعیّ ودور المجامع الفقهیَّة فی تطبیقه، ط1، بیروت، دار البشائر الإسلامیَّة؛ حلب، دار الصابونی، 1418هـ.ق/1998م، ص20.
[17] لقد دُوّن على الأقل کتابان مستقلَّان تحت عنوان "الاجتهاد الجماعیّ": أحدهما لشعبان محمَّد إسماعیل، والآخر لعبد المجید السوسوة الشرفیّ. کما بحث أفراد آخرون فی هذه المسألة، من قبیل: یوسف حنَّاوی، محمد هشام أیّوبیّ، الشیخ حمد محمَّد شاکر، زکریا البریّ، محمَّد سوقی، علی حسب الله مراد، وغیر ذلک (انظر: إسماعیل، الاجتهاد الجماعیّ ودور المجامیع الفقهیَّة فی تطبیقه، م.س.؛ سانو، قطب مصطفى: أدوات النظر الاجتهادیّ المنشود، بیروت، دار الفکر المعاصر)، کما یوجد أکثر من کتاب عند الإمامیَّة بعنوان: شورى الفقهاء.
کما ظهرت فی الآونة الأخیر حرکة فکریَّة فی هذا المجال عند الفقهاء والباحثین الإمامیَّة، من قبیل ما کتبه: الشهید الصدر، الشهید مطهَّری، السیّد رضا الصدر، الشیخ ناصر مکارم الشیرازیّ، یحیى النوریّ، آصف المحسنی، محمد نقوی، السید مرتضى الشیرازی وغیر ذلک، لکنَّه إلى الآن لم یُعمل بالاجتهاد الجماعیِّ عند الشیعة. (انظر: الأسدی، ناصر حسین: شورى الفقهاء).
[18] الأسدی، ناصر حسین: شورى الفقهاء، لا ط، بیروت، دار صادق، 1419هـ.ق، ص185.
[19] بحر العلوم، الاجتهاد أصوله وأحکامه، م.س، ص167.
[20] سنأتی على ذکر هذه الآیات والروایات، عند بحث أدلَّة جواز الاجتهاد الجماعیّ بنظر أهل السنَّة.
[21] سورة النساء، الآیة 59: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الآَخِرِ ذَلِکَ خَیْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِیلاً}.
[22] سورة آل عمران، الآیة 110: {کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْکِتَابِ لَکَانَ خَیْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَکْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}.
[23] سورة آل عمران، الآیة 104: {وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَى الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُولَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
[24] سورة الحشر، الآیة 2: {هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ مِنْ دِیَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ یَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ یُخْرِبُونَ بُیُوتَهُمْ بِأَیْدِیهِمْ وَأَیْدِی الْمُؤْمِنِینَ فَاعْتَبِرُوا یَا أُولِی الأبْصَارِ}.
[25] الهیثمی، علی بن أبی بکر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لا ط، بیروت، دار الکتب العلمیَّة، 1408هـ.ق/1988م، ج1، ص178.
[26] الحسنی، هاشم معروف: تاریخ الفقه الجعفری، تقدیم: محمد جواد مغنیة ، لا ط، لا م، دار النشر للجامعیِّین، لا ت، ص114.
[27] الشافعی، محمَّد بن إدریس: کتاب الأم، ط2، لام، دار الفکر للطباعة، 1403هـ.ق/1983م، ج7، ص100.
[28] الدارمی، عبد الله بن الرحمن: سنن الدرامی، لا ط، دمشق، مطبعة الاعتدال، 1349هـ.ق، ج1، ص49.
[29] الطبری، محمد بن جریر: تاریخ الطبری، لا ط، بیروت، مؤسَّسة الأعلمی للمطبوعات، لا ت، ج5، ص217.
[30] بحر العلوم، الاجتهاد أصوله وأحکامه، م.س، ص167.
[31] بحر العلوم، الاجتهاد أصوله وأحکامه، م.س، ص167.
[32] {وَإِنْ تُطِعْ أَکْثَرَ مَنْ فِی الأرْضِ یُضِلُّوکَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلاَ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَ یَخْرُصُونَ} (سورة الأنعام، الآیة 116)؛ {لَقَدْ جِئْنَاکُمْ بِالْحَقِّ وَلَکِنَّ أَکْثَرَکُمْ لِلْحَقِّ کَارِهُونَ} (سورة الزخرف، الآیة 78).
[33] الأسدی، شورى الفقهاء، م.س، ص93.
[34] سورة النساء، الآیة 115.
[35] انظر: الأسدی، شورى الفقهاء، م.س، ص89-100.
[36] انظر: الصدر، الاجتهاد والتقلید، م.س، ص74-75.
[37] انظر: م.ن، ص163.
[38] الحکیم، محسن: مستمسک العروة الوثقى، لا ط، بیروت، دار إحیاء لتراث العربی، لا ت، ج1، ص28.
[39] م.ن، ص179.
[40] م.ن، ص180.
[41] الحرّ العاملیّ، محمَّد بن الحسن: وسائل الشیعة، تحقیق: مؤسَّسة آل البیت(ع) لإحیاء التراث، ط2، بیروت، مؤسَّسة آل البیت(ع) لإحیاء التراث، 1429هـ.ق/2008م، ج27، کتاب القضاء والشهادات، باب9، ح1، ص106.
[42] م.ن، ج27، کتاب القضاء والشهادات، باب12، ح18، ص159.
[43] الصدر، الاجتهاد والتقلید، م.س، ص183.
[44] م.ن، ص184.
[45] الحرّ العاملیّ، وسائل الشیعة، م.س، ج27، کتاب القضاء والشهادات، باب11، ح45، ص151.
[46] م.ن، ج27، کتاب القضاء والشهادات، باب11، ح14، ص142.
[47] م.ن، ج27، کتاب القضاء والشهادات، باب11، ص142-144.
[48] الصدر، الاجتهاد والتقلید، م.س، ص193.
[49] الصدر، الاجتهاد والتقلید، م.س، ص170.
[50] الغروی، علی: التنقیح فی شرح العروة الوثقى (تقریر أبحاث السیِّد أبو القاسم الخوئی)، لا ط، لا م، مؤسَّسة إحیاء آثار الإمام الخوئی، لا ت، موسوعة الإمام الخوئی، ج1، ص63.
[51] سورة التوبة، الآیة 122.
[52] سورة النحل، الآیة 43.
[53] انظر: الأنصاری، مرتضى: مطارح الأنظار، ط1، لا م، لا ن، لا ت، ص300؛ وانظر: الآشتیانی، محمد حسن: بحر الفوائد فی شرح الفرائد، لا ط، لا م، لا ن، لا ت، ج1، ص159.
[54] الأمین، حسن: مستدرکات أعیان الشیعة، لا ط، بیروت، دار التعارف، 1409هـ.ق/1989م، ج7، ص284.
[55] انظر: الحرّ العاملیّ، وسائل الشیعة، م.س، ج27، ص142-144؛ وانظر: الصدر، الاجتهاد والتقلید، م.س، ص88-95.
[56] الحرّ العاملیّ، وسائل الشیعة، م.س، ج27، باب11، ح4، ص138.
[57] م.ن، ج27، باب11، ح9، ص140.