التخصُّص الفقهیّ -قراءة فی تحدید المفهوم وعرض الدوافع-

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة المصطفى (ص) العالمیَّة

المستخلص

یرتبط عنوان "التخصُّص الفقهیّ" بنزعة التحدیث فی علم الفقه وتطویر آلیَّات الاجتهاد فیه، وما زال البحث فیه مفتوحًا ضمن جدلیَّة التراث والحداثة، بین مقتنع بضرورته ونافٍ للحاجة إلیه.
وثمَّة التباسات عدیدة فی دلالة هذا المصطلح تقتضی البحث عن مدلوله؛ ولذلک تَمَّ عرضه بمعانیه الثلاثة: الأکادیمیّ، البحثیّ، والمرجعیّ.
وکی یتَّضح مدى الحاجة إلى التخصُّص الفقهیّ بالمعنیین الأخیرین، عالجنا المسألة ضمن نقاط عدیدة:
 الأولى: الجواب عن هدف الفقه الإسلامیّ ودوائره وامتداداته فی حیاة الإنسان، وهو هدف تنظیم الحیاة الإنسانیَّة بکافَّة أشکالها.
والثانیة: تتعلَّق بتحلیل معالم الحضارة البشریَّة الراهنة، فلا شکَّ فی أنَّ الخطَّ البیانیّ لنموِّ المجتمعات الإنسانیَّة یتحرَّک تصاعدیًّا، فبین الأمس والیوم تغیَّر عالمنا، تغیُّرًا معرفیًّا، وثقافیًّا، واجتماعیًّا، وتکنولوجیًّا...، على مستوى عالَمَی الأفکار والأشیاء معًا.
الثالثة: شهد التراث الفقهیّ والأصولیّ حرکة نموٍّ داخلیَّة تصاعدیَّة بوتیرة عالیة؛ إذ ساهم فتح باب الاجتهاد الإسلامیّ فی إیجاد حالةٍ من التراکم الکمِّیّ والکیفیّ فی بحث الفقه وأصوله.
الرابعة: لا شکَّ فی أنَّ المسائل الفقهیَّة فی التراث الإسلامیّ کانت منسجمة مع طبیعة حیاة إنسان ذلک الزمان فی مجالات أنشطته التجاریَّة والزراعیَّة و...، وکانت تجیب عن حاجات ذلک العصر؛ ونحن لا نجد فیها أیّ باب خاصّ بالبیئة، أو الإدارة، أو الإعلام، أو العلاقات الدولیَّة... ممَّا یحتاجه الأفراد والمجتمعات فی الحیاة لمعاصرة.
الخامسة: فردانیَّة فعل الاجتهاد، بمعنى أنَّ النزعة الفردیَّة -کانت وما زالت- تحضر بقوَّة فی عملیَّة استنباط التشریعات الإسلامیَّة؛ وهذا یعزِّز سیکولوجیًّا الأُنس بها، ویوجب الغفلة عن التخصُّص فی الفقه.
نعم، یبقى أنَّ التخصُّصیَّة الفقهیَّة بالمعنى الثالث -أی التخصُّص الاجتهادیّ بالمعنى المرجعیّ- تفرض تحدِّیات ذات طابع شرعیّ؛ بمعنى البحث فی جواز التبعیض فی التقلید أوَّلًا، وفی جواز تقلید المجتهد المتجزِّئ -على فرض کون المتخصِّص من مصادیق المجتهد المتجزِّئ- ثانیًا. وهذا ما تمَّت الإجابة عنه بطرح فَرْضیَّتین.

نقاط رئيسية

أوَّلاً: معانی التخصُّص الفقهیّ

  1. التخصُّص الفقهیّ بالمعنى الأکادیمیّ
  2. التخصُّص الفقهیّ بالمعنى البحثیّ
  3. التخصُّص الفقهیّ بالمعنى المرجعیّ

ثانیاً: ارتباط معانی التخصُّص الفقهیّ

ثالثاً: دوافع التخصُّص الفقهیّ وضروراته

  1. وظیفة التشریع الإسلامیّ قیادة الحیاة الإنسانیَّة
  2. بین الأمس والیوم تغیَّر عالمنا
  3. النموّ الداخلیّ لعلمَیِ الفقه والأصول
  4. قصور الفقه التقلیدیّ عن تغطیة حاجات الإنسان المعاصر
  5. فردانیَّة الاجتهاد الفقهیّ
  6. ضرورة التحوّل فی الذهنیَّة الفقهیَّة
  7. التحدِّیات المفروضة أمام الفقیه المعاصر
  8. ضرورة تجدید نمط الاجتهاد
  9. تجربة الإمام الخامنئی

رابعًا: التحدِّیات الشرعیَّة أمام التخصُّص الفقهیّ بالمعنى المرجعیّ

الكلمات الرئيسية


التخصُّص الفقهیّ

-قراءة فی تحدید المفهوم وعرض الدوافع-

الشیخ سامر توفیق عجمی[1]

خلاصة:

یرتبط عنوان "التخصُّص الفقهیّ" بنزعة التحدیث فی علم الفقه وتطویر آلیَّات الاجتهاد فیه، وما زال البحث فیه مفتوحًا ضمن جدلیَّة التراث والحداثة، بین مقتنع بضرورته ونافٍ للحاجة إلیه.

وثمَّة التباسات عدیدة فی دلالة هذا المصطلح تقتضی البحث عن مدلوله؛ ولذلک تَمَّ عرضه بمعانیه الثلاثة: الأکادیمیّ، البحثیّ، والمرجعیّ.

وکی یتَّضح مدى الحاجة إلى التخصُّص الفقهیّ بالمعنیین الأخیرین، عالجنا المسألة ضمن نقاط عدیدة:

 الأولى: الجواب عن هدف الفقه الإسلامیّ ودوائره وامتداداته فی حیاة الإنسان، وهو هدف تنظیم الحیاة الإنسانیَّة بکافَّة أشکالها.

والثانیة: تتعلَّق بتحلیل معالم الحضارة البشریَّة الراهنة، فلا شکَّ فی أنَّ الخطَّ البیانیّ لنموِّ المجتمعات الإنسانیَّة یتحرَّک تصاعدیًّا، فبین الأمس والیوم تغیَّر عالمنا، تغیُّرًا معرفیًّا، وثقافیًّا، واجتماعیًّا، وتکنولوجیًّا...، على مستوى عالَمَی الأفکار والأشیاء معًا.

الثالثة: شهد التراث الفقهیّ والأصولیّ حرکة نموٍّ داخلیَّة تصاعدیَّة بوتیرة عالیة؛ إذ ساهم فتح باب الاجتهاد الإسلامیّ فی إیجاد حالةٍ من التراکم الکمِّیّ والکیفیّ فی بحث الفقه وأصوله.

الرابعة: لا شکَّ فی أنَّ المسائل الفقهیَّة فی التراث الإسلامیّ کانت منسجمة مع طبیعة حیاة إنسان ذلک الزمان فی مجالات أنشطته التجاریَّة والزراعیَّة و...، وکانت تجیب عن حاجات ذلک العصر؛ ونحن لا نجد فیها أیّ باب خاصّ بالبیئة، أو الإدارة، أو الإعلام، أو العلاقات الدولیَّة... ممَّا یحتاجه الأفراد والمجتمعات فی الحیاة لمعاصرة.

الخامسة: فردانیَّة فعل الاجتهاد، بمعنى أنَّ النزعة الفردیَّة -کانت وما زالت- تحضر بقوَّة فی عملیَّة استنباط التشریعات الإسلامیَّة؛ وهذا یعزِّز سیکولوجیًّا الأُنس بها، ویوجب الغفلة عن التخصُّص فی الفقه.

نعم، یبقى أنَّ التخصُّصیَّة الفقهیَّة بالمعنى الثالث -أی التخصُّص الاجتهادیّ بالمعنى المرجعیّ- تفرض تحدِّیات ذات طابع شرعیّ؛ بمعنى البحث فی جواز التبعیض فی التقلید أوَّلًا، وفی جواز تقلید المجتهد المتجزِّئ -على فرض کون المتخصِّص من مصادیق المجتهد المتجزِّئ- ثانیًا. وهذا ما تمَّت الإجابة عنه بطرح فَرْضیَّتین.

 

کلمات مفتاحیَّة:

التخصُّص، الاجتهاد، هدف الفقه، نموّ المجتمعات، التراث الفقهیّ والأصولیّ، فردانیَّة الاجتهاد، تجدید الفقه، تطویر الاجتهاد، التخصُّصیَّة الفقهیَّة، التجزِّی فی الاجتهاد، التبعیض فی التقلید، الأعلمیَّة.

 مقدّمة:

لا تخفى على الباحث المتتبِّع رزمة العناوین المطروحة حدیثًا على بساط النقاش فی الفضاء المعرفیّ الإسلامیّ عمومًا، وفی حقل الدراسات الفقهیَّة والتشریعیَّة خصوصًا، والتی وضعت العقل الفقهیّ أمام تحدِّیاتٍ کبیرة واستفهاماتٍ عملاقة، یرجع معظمها إلى نشاط نزعة التجدید فی علم الفقه وتطویر أدوات الاجتهاد الإسلامیّ، ومن هذه العناوین ما یصطلح علیه اسم "التخصُّص الفقهیّ"، وشأنه فی بدایات الطرح والمعالجة ککلِّ العناوین المعاصرة التی تتوجَّس منها الذهنیَّة الفقهیَّة الإسلامیَّة، نتیجة عوامل عدیدة قد یکون بعضها مبرّرًا من الناحیة السیکولوجیَّة والسیسیولوجیَّة، وإن لم یکن کذلک معرفیًّا وإبستمولوجیًّا، کالسلطة الدینیَّة للفقهاء التقلیدیِّین ونزعة تقدیس آرائهم الاجتهادیَّة، والأنس بالتراث الفقهیّ الکلاسیکیّ، وبرمجة المناهج التعلیمیَّة على ضوء متونه الموروثة، والتعوُّد على نمط معیَّن من أسالیب الاستدلال والاستنباط، والخوف من التغییر والحذر من التجدید...، إلى غیر ذلک من العوامل التی تلعب دورًا رئیسًا فی إبطاء حرکة عجلات عربة التحدیث والتطویر فی میدان الدراسات الفقهیَّة.

ومازال باب هذا اللون من الموضوعات الجدیدة مفتوحاً على مصراعیه للدراسة والتحقیق ضمن جدلیَّة ثنائیَّة تتمحور حول الأصالة والمعاصرة أو التراث والحداثة. وقد وقع هذا الموضوع مورد جذبٍ ودفعٍ بین مؤیِّد له کما هو مأثور عن الشیخ عبد الکریم الحائری أو المعروف عن الشیخ مرتضى مطهری وغیرهما، وبین رافض للحاجة إلیه، کالسیِّد محمد سعید الحکیم، الذی أجاب عندما سُئل عن التخصُّص الفقهیّ: "إنَّ العلماء أفتوا، وأعطوا الحکم الشرعیّ للمسائل المستحدثة، فما هی حاجة التخصُّص الفقهیّ؟!"[2]، أو غیره من العلماء والفقهاء المعارضین للاتجاه التخصصیّ فی حقل البحث الفقهیّ.

وفی الواقع، لا نتوقَّع حسم مادة النقاش على المدى القریب فی هذا الموضوع أو غیره من الموضوعات الفقهیَّة أو المرتبطة بها، وسنحاول فی مقالتنا هذه إثارة بعض النقاط التی تضع العقل الفقهیّ أمام مجموعة من التحدِّیات التی یشهدها الواقع المعاصر، لتولید جملة أسئلة تستدعی تحریکه تجاه الإجابة البحثیَّة عن قضیَّة التخصُّص الفقهیّ؛ إذ لم یعد من المقبول بمکان أن یجاب عن هذا السؤال بنحوٍ فتوائیٍّ أیضًا، بل ینبغی تنقیح هذا الموضوع والبحث عنه للوصول إلى النتیجة المطلوبة، بغضِّ النظر عن الحاصل النظریّ الذی یتوصَّل إلیه الباحث سلبًا أم إیجابًا.

أوَّلًا: معانی التخصُّص الفقهیّ:

ومن باب تحدید المبادئ التصوُّریَّة، نشرع بتنقیح مفهوم التخصُّص الفقهیّ، لیتَّضح المعنى المقصود، ویرتفع أیّ التباس حول محل النزاع.

  1. التخصُّص الفقهیّ بالمعنى الأکادیمیّ:

قد یستخدم مصطلح "التخصُّص الفقهیّ" ویراد به اختیار الطالب لاختصاص الفقه فی الجامعات الدینیَّة والحوزات العلمیَّة من بین التخصُّصات التی تدرِّسها هذه الجامعة أو تلک، کأیِّ تخصُّصٍ أکادیمیٍّ آخر، کالطبّ أو الهندسة أو الفلسفة أو علم النفس... وعادة ما ترکِّز الجامعات الدینیَّة على جانب التخصُّص الفقهیّ فی مسارها التعلیمیّ وبرامجها الدراسیَّة، بل یمکن أن ندَّعی أنَّ غالب الجامعات الدینیَّة -خصوصاً فی الوسط الشیعیّ الإمامیّ- تتمحور عملیَّة التعلُّم والتعلیم فیها، ویدور قطب رحاها حول تخصُّص الفقه وما یرتبط به من علوم تصبّ فی خدمة أهدافه، وتحدیداً فی ما یُعرف بمرحلة البحث الخارج، حیث تکاد تنعدم أیّ دراسة من حقل معرفیّ إسلامیّ آخر، کالدراسات القرآنیَّة أو الفلسفیَّة أو العَقَدیَّة... إلخ، إلَّا فی حالات نادرة، برز فیها نشاطٌ فی العقود المتأخِّرة.

وهذا النمط من المنهج التعلیمیّ ینبغی أن یکون موضع نقاش جدّی، انطلاقًا من البحث عن وظیفة الجامعة الدینیَّة، فهل تنحصر وظیفتها فی صناعة هویَّة الباحث أو بناء شخصیَّة المجتهد فی میدان الفقه بالمعنى الأخصّ؟ أم تتَّسع هذه الوظیفة على ضوء کون الجامعة الدینیَّة مؤسَّسةً لصناعة الباحث أو المجتهد فی کافَّة حقول المعارف الإسلامیَّة؟!

  1. التخصُّص الفقهیّ بالمعنى البحثیّ:

وقد یُطلق عنوان التخصُّص الفقهیّ ویُقصد به أن یعمد المجتهد القادر على استنباط الأحکام الشرعیَّة من مصادرها المعتمدة إلى اختیار عنوانٍ أو بابٍ من أبواب الفقه والتعمُّق فیه بحثًا وتحقیقًا وتنقیبًا، والتوسُّع فی الإجابة عن الأسئلة المطروحة فیه، ومعالجة موضوعاته ومسائله من الجوانب والأبعاد المختلفة، کی یغطِّی أیّ منطقة فراغ موجودة فی المکتبة الفقهیَّة فی دراسة هذا العنوان أو ذاک، کأن یتَّخذ التربیة موضوعًا، فیکتب فی فقه التربیة معالجًا مسائلها بطریقة استدلالیَّة اجتهادیَّة معمَّقة، أو یکتب فی فقه الإعلام، أو فقه البیئة، وفقه الإدارة، وفقه الأمن والعسکر، وفقه البنوک والمصارف، وفقه الطبابة والاستشفاء، وفقه العلاقات الدولیَّة، وفقه الفنّ ... إلخ. وهناک بذور محاولات وتجارب حدیثة فی هذا المجال -بغضِّ النظر عن اختلافها البنیویّ أو الملاحظات التی یمکن تسجیلها علیها- کما هی تجربة السیِّد محمَّد باقر الصدر(رحمه الله) فی فقه: "البنک اللاربویّ فی الإسلام"، وتجربته فی فقه: "اقتصادُنَا"، وتجربة الشیخ منتظری فی فقه: "ولایة الفقیه"، وتجربة الشیخ محمَّد مهدی شمس الدین فی "فقه المرأة"، وتجربة الشیخ علی رضا أعرافی فی "فقه التربیة"... إلى غیر ذلک من التجارب المعاصرة.

  1. التخصُّص الفقهیّ بالمعنى المرجعیّ:

وقد یُطلق التخصُّص الفقهیّ ویراد به تصدِّی المجتهد -المحقّقة فیه شروط المرجعیَّة- للإفتاء وتصدیر رسالة عملیَّة فی حقل فقهیٍّ خاصّ، کی یقلِّده المکلَّفون فی هذا المیدان، فتتنوَّع حینها المرجعیَّات الفقهیَّة بتنوُّع التخصُّصات، فیکون لدى الأمَّة مرجعٌ فی فقه العبادات مثلًا، ومرجعٌ فی فقه البیئة، ومرجعٌ فی فقه الإدارة، ومرجعٌ فی فقه الأحوال الشخصیَّة... إلخ. ویرتبط هذا المعنى الثالث بمسألة یناقشها الفقهاء فی بحوثهم الاستدلالیَّة تحت عنوان: "التبعیض فی التقلید".

ثانیًا: ارتباط معانی التخصُّص الفقهیّ:

وقد نُعمِّق التخصُّص الفقهیّ بالمعنى الأوَّل لیکون مرتبطًا بالمعنیین اللاحقین، باعتباره مساهمًا فی تکوین معالمهما ورسم آفاقهما، حیث إنَّنا إذا وافقنا على المعنیین المطروحین یصبح من الطبیعیّ أن ندعو إلى التجدید فی المناهج التعلیمیَّة والتحدیث فی البرامج الدراسیَّة فی الجامعة الدینیَّة بما یتناغم مع الوصول إلى الأهداف المرسومة وتحقیق کفایاتها[3].

ثم إنَّ التجارب الفقهیَّة التخصُّصیَّة التی أشرنا إلیها فی المعنى الثانی تساهم فی تنشیط التخصُّص الفقهیّ بالمعنى الثالث، وتلعب دوراً فی تقدیم الموادّ العلمیَّة أمام الفقیه المرجع وترفده بالمعطیات الاستدلالیَّة، فتوسِّع من أفق معلوماته، وتوفِّر علیه الجهد وتختصر علیه الوقت، فتنمّی من حرکته فی الاجتهاد المرجعیّ العامّ، بنحوٍ یمکّننا أن نعتبر المتخصِّص بالمعنى الثانی أشبه بالمستشار العلمیّ للمرجع العامّ فی الأمَّة، أو المرجع التخصُّصیّ.

فالتخصُّص الفقهیّ بالمعنى الثانی لا ینافی بقاء فکرة المرجعیَّة العامَّة واستمرار حضورها وفاعلیتها فی الأمَّة، بل یعتبر عنصرًا مساهمًا فی تطویر حرکة الاجتهاد الفردیّ وتوسیع آفاقه لدى المرجعیَّة العامَّة، وفی مکان ما یؤدِّی إلى تجدُّد النظرة إلى طبیعة عملیَّة الاجتهاد عند المرجع العامّ وأدواتها، بحیث لا تبقى هذه العملیَّة فی دائرة الفردیَّة المحضة بل تطعَّم بنکهة الاجتهاد الجماعیّ والتخصُّصیّ وإن فی حدّه الاستشاریّ.

ثالثًا: دوافع التخصُّص الفقهیّ وضروراته:

بعد عرض هذه المقدِّمات التصوُّریَّة، یطرح السؤال التالی نفسه: هل نحتاج الیوم إلى التخصُّص الفقهیّ بالمعنیین الأخیرین کعملیَّة ضروریَّة فی حیاة الأمَّة الإسلامیَّة، وفی الفضاء المعرفیّ الإسلامیّ المعاصر؟ أم أنَّه یمکن الاستغناء عنهما أو عن أحدهما مثلًا؟

فی الواقع، إنّ معالجة هذه القضیَّة تنقلنا إلى ضفَّة البحث عن نقاط عدیدة ترسم بمجموعها ما ینبغی أن تکون علیه الصورة فی قضیَّة التخصُّص الفقهیّ:

  1. وظیفة التشریع الإسلامیّ قیادة الحیاة الإنسانیّة:

لا بدَّ من البحث عن وظیفة الفقه الإسلامیّ -عمومًا- جوابًا عن السؤالین الآتیین: لماذا الفقه الإسلامیّ؟ وما هی دوائره وامتداداته فی حیاة الإنسان والمکلَّفِین بالشریعة؟

یمکن تعریف الفقه بأنَّه عبارة عن "مجموع الأحکام الشرعیَّة الفرعیَّة الکلیَّة أو الوظائف المجعولة من قبل الشارع أو العقل عند عدمها"[4]، فیکون الاجتهاد الفقهی عبارة عن عملیَّة بذل أقصى الجهد والوسع لمعرفة هذه الأحکام الشرعیَّة بواسطة الدلیل والحجَّة[5]، أو استنباط الأحکام الشرعیَّة من مصادرها التی یؤمن المستنبِط بمشروعیَّة اعتمادها کأدلَّة على الحکم الشرعیّ أو الوظیفة العملیَّة. وإذا دقَّقنا النظر فی طبیعة الحکم الشرعیّ حسب تعریف الأصولیِّین، نلاحظ أنَّه عبارة عن "خطاب الشارع المتعلِّق بأفعال المکلَّفین"[6] وأضاف بعض الفقهاء قید "وذواتهم" باعتبار أنَّ بعض الأحکام الوضعیَّة تشمل ذات المکلَّف کالزوجیَّة، وإذا اخترنا التغییر الذی أحدثه بعض الأصولیِّین نقدًا على هذا التعریف للحکم الشرعیّ بسبب بعض المشکلات التی تواجهه[7]، یصبح الحکم عبارة عن "التشریع الصادر من الله -تعالى- لتنظیم حیاة الإنسان وتوجیهه"[8]، کما عرَّفه السیِّد محمَّد باقر الصدر.

وهذا الخطاب الشرعیّ أو التشریع التنظیمیّ لحیاة الإنسان یشمل –کما یصرِّح السیِّد الصدر- کافَّة أبعاد الهویَّة الإنسانیَّة (العقلیَّة، والوجدانیَّة، والسلوکیَّة...) والساحات (التربویَّة، الاجتماعیَّة، السیاسیَّة، الاقتصادیَّة، الإعلامیَّة، البیئیَّة، الصحیَّة، العسکریَّة، الفنّیَّة... إلخ) التی یتحرَّک فیها الإنسان، ولا یختَّص بمجال دون آخر، لأنَّ الإسلام -کما ثبت فی المباحث الکلامیَّة والدراسات العَقَدیَّة- رسالة الله الشاملة لکلِّ تفاصیل الحیاة البشریَّة، فهو لیس دینًا منحصرًا بخطِّ العلاقة الفردیَّة بین الإنسان وربِّه داخل مکان خاصّ بالعبادة کالمسجد، بل ینظِّم الإسلام خطَّ علاقة الإنسان بنفسه، وخطَّ علاقته بباقی أفراد نوعه وبالمجتمع والدولة والأمَّة، وخطَّ علاقته بالطبیعة والکائنات المحیطة به[9]؛ کلُّ ذلک فی ظلّ خطِّ علاقته بربِّه، وعلیه فإنَّ التشریعات الإسلامیَّة تشمل کلَّ مجالات الخطوط المذکورة.

یقول السیِّد محمَّد باقر الصدر: "بعد أن آمن الإنسان بالله والإسلام والشریعة وعرف أنَّه مسؤول بحکم کونه عبدًا لله -تعالى- عن امتثال أحکامه، یصبح ملزمًا بالتوفیق بین سلوکه فی مختلف مجالات الحیاة والشریعة الإسلامیَّة"[10].

وقد طرح الفقهاء وعلماء أصول الفقه قواعد ومسائل عدیدة یستفاد منها هذا المعنى، کقاعدة: (ما من واقعة إلا ولله فیها حکم)؛ حیث إنَّ علم الله -تعالى- بجمیع المصالح والمفاسد التی ترتبط بحیاة الإنسان یفتح باب لطفه على أن یشرِّع له ما یتناسب مع تلک المصالح والمفاسد فی شتَّى جوانب الحیاة[11]. ومسألة أنَّه یجب على المکلَّف أن یکون فی جمیع حرکاته وسکناته وتروکه وأفعاله متّبعًا للشریعة إمَّا اجتهادًا أو تقلیدًا[12]، وغیرها من المسائل التی توضح أنَّ الفقه الإسلامیّ صُمِّم لیعالج جمیع أضلاع هندسة الحیاة البشریَّة.

وبهذا یظهر أنَّ ما ذکره البعض من "أنَّ علم الفقه هو علم الحیاة بأبعادها المترامیة وآفاقها الواسعة ومجالاتها المختلفة"[13]، تعبیر لطیف وفی محلِّه.

والخلاصة: إنَّ وظیفة التشریع الإسلامیّ هی تنظیم الحیاة الإنسانیَّة بکافَّة أشکالها المتعلِّقة بالفرد والمجتمع والدولة والأمَّة أوَّلًا، وثانیًا فی مختلف أبعاد الهویَّة الإنسانیَّة والمجالات الحیاتیَّة ترکًا أو فعلًا، حرکة أو سکونًا، مهما کانت تفصیلیَّة أو صغیرة.

  1. بین الأمس والیوم تغیَّر عالمنا:

تتعلَّق هذه النقطة بتحلیل معالم الحضارة البشریَّة الراهنة وطبیعة الحیاة التی یعیشها الإنسان المعاصر، لا شکَّ فی أنَّ الخطَّ البیانیّ لنموِّ المجتمعات الإنسانیَّة یتحرَّک تصاعدیًّا بشکل لا یعرف الجمود ولا الثبات، وقد شهدت هذه المجتمعات فی العقود الأخیرة تحوُّلات جذریّةً فی معالم هویَّتها، وما زال هذا التحوُّل فی حرکة جوهریَّة سیَّالة. هذا التغیُّر لو رجعنا بالذاکرة التاریخیَّة إلى قرون مضت مثلًا، وعقدنا مقارنة سریعة بینه وبین حیاة الإنسان فی تلک الأحقاب السابقة، لوجدنا فوارق کیفیَّة وکمیَّة مثیرة للدهشة والاستغراب فی تغیُّر وتبدُّل طبیعة الحیاة أفقیًّا وعامودیًّا فی مختلف مجالاتها.

فأین طبیعة شبکة المعارف والتخصُّصات فی فروع العلوم الیوم، وأین هی بالأمس؟ إنَّ الناظر الیوم إلى دیموغرافیا العلوم وانتشار خریطتها فی خطوط الطول والعرض یعیش الجذبة تجاه ما أبدعه العقل البشریّ من حقول معرفیَّة متعدِّدة، فقد أصبح کلُّ شیء فی العالم المحیط بنا موضوعًا للدراسة والبحث عن خصائصه وصفاته، فلا نجد جزئیَّةً من الجزئیَّات إلا ویکتب حولها مئات بل آلاف الصفحات، والأهمّ فی ذلک هو توسّع العلوم التی اتَّخذت الإنسان وأنشطته وسلوکیَّاته موضوعًا للدراسة، ثم تشظَّت هذه العلوم ذاتها إلى عشرات الفروع؛ فمثلًا علم النفس أصبح عشرات التخصُّصات (کعلم النفس الدینیّ، وعلم النفس العائلیّ، وعلم نفس العمل، وعلم النفس الاجتماعیّ....)، وکذا علم الاجتماع (کعلم الاجتماع السیاسیّ، وعلم الاجتماع التربویّ، وعلم اجتماع التنمیة...)، وکذلک علم السیاسة، وعلم الاقتصاد، وعلم الأخلاق، وعلم القانون.... إلخ.

کما أنَّ الراصد لطبیعة النظُم الحضاریَّة والثقافیَّة والبنى الاجتماعیَّة للحیاة الإنسانیَّة کهویَّة الدولة وأجهزتها الحکومیَّة ومؤسَّساتها (البرلمانیَّة والقضائیَّة والعسکریَّة والأمنیَّة و...) مثلًا، وکذلک طبیعة العلاقات الدولیَّة، والمنظمات العالمیَّة، والشرکات الاقتصادیَّة الکبرى العابرة للقارّات، والمصانع العملاقة والمعامل الضخمة، ومراکز الأبحاث والدراسات، والشبکات الإعلامیَّة، والمدارس والجامعات، والمستشفیات والمراکز الطبیَّة، والبنوک والمصارف... من حقِّه أن یسأل: أین هو الأمس من الیوم؟

وکذلک الشأن فی مجال التطوُّر التقنیّ والتقدُّم التکنولوجیّ، فأین الأمس من الیوم فی الأدوات الکهربائیَّة والإلکترونیَّة التی یستخدمها الإنسان الیوم فی وسائل النقل (القطارات، الطائرات، والسیَّارات...) ووسائل الاتصال والتواصل (الهاتف، التلفزیون، الإذاعة، الإنترنت، مواقع التواصل الاجتماعیّ...)، والأدوات الطبیَّة ...؟

باختصار: بین الأمس والیوم تغیَّر عالمنا، تغیُّرًا معرفیًّا، وثقافیًّا، واجتماعیًّا، وتکنولوجیًّا...، تغیَّر على مستوى عالم الأفکار والأشیاء معًا.

  1. النمو الداخلیّ لعلمَیِ الفقه والأصول:

شهد التراث الفقهیّ والأصولیّ حرکة نموٍّ داخلیَّة تصاعدیَّة بوتیرة عالیة، إذ ساهم فتح باب الاجتهاد الإسلامیّ على ضوء مدرسة أهل البیت فی إیجاد حالة من التراکم الکمِّیّ والکیفیّ فی بحث الفقه وأصوله عزّز تقدّمهما وتطوّرهما، فأین الدرس الفقهیّ والأصولیّ الیوم منه بالأمس؟! الواقع، أنَّه لا تمکن المقارنة بینهما عمودیًّا من حیث المضمون ومنهج الاستدلال وطبیعة المعالجة، أو أفقیًّا من حیث التوسّع فی المسائل والانفلاش العرضیّ لها، أو من حیث اللغة والأسلوب والصیاغة... إلخ، فبعد أن کان فقه الشیعة فی القرن الرابع الهجریّ مثلًا یُستحقَر لقلَّته ویُستنزر ویُنسب إلى قلَّة الفروع وقلَّة المسائل[14]، ما دفع الشیخ الطوسیّ إلى تألیف کتاب المبسوط، أصبحت -الیوم- تقریرات أبحاث الخارج لفقهاء الإمامیَّة فی میدانَیِ الفقه وأصوله تتجاوز آلاف الصفحات، وهذا التطوُّر -کما أشرنا- لیس تراکمًا کمِّیًّا فی المسائل، بل هو تحوُّل نوعیٌّ فی آلیَّات ممارسة عملیَّة الاجتهاد الفقهیّ. ولعلَّ ما امتاز به مشهور فقهاء مدرسة أهل البیت من اشتراط الحیاة فی جواز تقلید المرجع وحرمة تقلید المیت ابتداءً[15] کان عنصرًا مساهمًا فی تنشیط حرکة الاجتهاد وتفعیلها، ومازالت الحاجة إلى هذه الحرکة الاجتهادیَّة تنبض بالحیاة فی واقعنا المعاصر بنسبة لا تقاس ریاضیًّا بما تقدّم من حقبات زمنیَّة.

  1. قصور الفقه التقلیدیّ عن تغطیة حاجات الإنسان المعاصر:

لا شکَّ فی أنَّ علم الفقه فی التراث الإسلامیّ عبارة عن مئات المسائل التی تمَّ تصنیفها ضمن أبواب وکتب، لکن تلک المسائل کانت منسجمة مع طبیعة حیاة إنسان ذلک الزمان فی مجالات أنشطة التجارة والزراعة والصید والإجارة والربا و...، وأجابت عن حاجات ذلک العصر ومتطلّبات تلک الحضارة والتحدِّیات والابتلاءات التی واجهها الإنسان فیها؛ لأنَّ وظیفة الفقه کما تقدّم تنظیم حیاة الإنسان، وإنَّما ینظِّم الفقه حیاة الإنسان على ضوء ما یعیشه هذا الإنسان من أنشطة وأفعال وتروک تتعلَّق بالزمکان الذی یتحرَّک فیه. ومن هذا المنظار، ینبغی مشاهدة طبیعة تبویب الموسوعات الحدیثیَّة والکتب الروائیَّة کالکتب الأربعة عند الشیعة والصحاح والمسانید عند السنَّة، لکن أین هذه الأبواب من المساحة الواسعة لأنشطة الإنسان المعاصر وأفعاله وتروکه وتحدِّیاته ومتطلّباته ومواضع ابتلائه، فلم تعد تلک الأبواب کافیة فی التعبیر عن حاجات المجتمعات البشریَّة الیوم؛ فلا نجد فی الکتب الفقهیَّة الکلاسیکیَّة أیّ باب خاصّ بالبیئة أو الإدارة أو الإعلام أو العلاقات الدولیَّة أو العیادات النفسیَّة... مثلًا، وهکذا فی عشرات الفروع والساحات الأخرى بل المئات منها، کما أنَّه فی الأبواب التقلیدیَّة ذاتها ولدت مئات المسائل الحدیثة التی قد تجدِّد طبیعةُ معالجتها تلک الأبواب وتقلبها هرمیًّا رأسًا على عقب.

وهنا من حقِّنا أن نسأل: ألا ینبغی أن یُخرِج هذا التوسُّع الأفقیّ والعمودیّ فی حیاة الإنسان ومجالات أنشطته ومیادین سلوکه الفقهاءَ من ذهنیَّة التصنیف التقلیدیّ لأبواب الفقه؟! خصوصًا أنَّهم قد صنَّفوا رسائلهم العملیَّة على ضوئها، وکأنَّهم اتخذوا الهندسة الکلاسیکیَّة لمسائل الفقه وأبوابه على أنَّها إطار ثابت وجامد، وکأنَّه قد أُنزلت فیها آیة أو روایة، ولیست من وضع البشر وتصنیفهم لتتَّسم بالمرونة والحرکیَّة والتغیُّر؟! إلى درجة أنَّه کلَّما عُرضت على الفقهاء مسألة جدیدة صنَّفوها على ضوء تلک الهندسة الموروثة، وبحثوا لها عن موضع فی التقسیم التقلیدیّ المتعارف لمسائل علم الفقه. وقد لاقت هذه المسألة اعتراضات وانتقادات من قبل بعض الفقهاء، الذین اعتبروا أنَّه لا حاجة إلى إدراج ما یتطوَّر فی حیاة الإنسان من صیغ وعقود وإیقاعات وحقوق مثلاً فی الأبواب القدیمة؛ فلتکن أبوابًا مستقلَّة برأسها، بغضِّ النظر عمَّا قد یطلق علیها من تسمیات[16]. وهذا إنَّما یکشف عن مدى قوَّة حضور التقسیم التراثیّ فی الذهنیَّة الفقهیَّة المعاصرة عند معالجة الموضوعات الحدیثة، ولا یمکن إغفال الدور الذی قد تلعبه هذه الهندسة الکلاسیکیَّة لتقسیم الأبواب الفقهیَّة فی طبیعة الاستنباط وانعکاسها على الفهم الاجتهادیّ لجدلیَّة النصّ والواقع، وبالتالی على کیفیَّة النظر إلى مسألة التخصُّص الفقهیّ التی ستتأثَّر بطبیعة هذه الرؤیة لتصنیف المسائل فقهیًّا.

  1. فردانیَّة الاجتهاد الفقهی:

من المعروف تاریخیًّا فی التراث الإسلامیّ، فردانیَّة فعل الاجتهاد، بمعنى أنَّ النزعة الفردیَّة -کانت وما زالت- تحضر بقوَّة فی عملیَّة استنباط التشریعات الإسلامیَّة؛ حیث إنَّ فقیهًا واحدًا هو الذی ینهض بهذه العملیَّة لیعالج مختلف الأبواب الفقهیَّة بشکل شخصیّ، دون أن یکون هناک فِرَقُ عمل اجتهادیَّة من جهة، ودون أن یتقسَّم الجهد الاجتهادیّ على دراسة أبواب بعینها. فلم یُعهَد أن تکون عملیَّة الاجتهاد جماعیَّة؛ أی یقوم بها جماعة من الفقهاء بما هم جماعة، وقد غذّى هذا النمط من السلوک الاجتهادیّ تاریخیًّا ظاهرة شمولیَّة النزعة الفردیَّة فی البحث الفقهیّ للأبواب کافَّة معزِّزًا من سیکولوجیا الأنس بها، ما یُشکِّل مانعًا أو یوجب الغفلة عن الالتفات إلى حرکة التخصُّص فی الفقه.

  1. ضرورة التحوّل فی الذهنیَّة الفقهیَّة:

وفی هذا السیاق، وعطفًا على ما تقدَّم فی النقطة الرابعة، لم نلاحظ أنَّ هذا التوسُّع الأفقیّ والعامودیّ فی الحیاة البشریة قد ترک بصمته على ذهنیَّة الفقیه الفرد من حیث طبیعة معالجة المسائل الفقهیَّة؛ بمعنى أنَّ الذهنیَّة الفقهیَّة کانت مأنوسة بفقه الفرد –فاعلًا وقابلًا- وتعرَّضت أحیاناً نادرة -لا تتجاوز عدد أصابع الید الواحدة- وبشکل عرضیّ لفقه الدولة أو السلطان حتَّى بما لا یتناسب مع طبیعة ترکیبة الدولة وبنائها فی تلک الأزمنة فضلًا عن الواقع المعاصر.

وعلى کلِّ حال، من الواضح -أیضًا- أنَّه لم یکن ثمَّة بنى اجتماعیَّة وسیاسیَّة بالغة التعقید فی الدولة، کما هو الحال الیوم؛ فلم یکن هناک مؤسَّسات اقتصادیَّة متعدِّدة الجنسیَّات، وأحزاب سیاسیَّة، ومنظَّمات دولیَّة، وإمبراطوریَّات إعلامیَّة... إلخ، فی حین أنَّ معالجة القضایا الحیاتیَّة -الیوم- لا بدَّ أن تُحْدِثَ تحوُّلًا فی الذهنیَّة الفقهیَّة لیتمَّ تناول الموضوعات برؤیة دَوْلیَّة واجتماعیَّة أیضًا[17]؛ أی أن یمارس الفقیه عملیَّة استنباط الأحکام ویدوّن الفقه بذهنیَّة تتجاوز فقه الفرد –مع کونه حاجة ضروریَّة- إلى فقه الدولة والمجتمع، خصوصًا فی زمنٍ لم تعد فیه الدولة الإسلامیَّة عند الشیعة مجرَّد فکرة نظریَّة، بل أصبحت واقعًا فعلیًّا. فإنَّ قیام الجمهوریَّة الإسلامیَّة فی إیران فرض تحدِّیات ضخمة على الفقه الشیعیّ، کالعلاقة مع الشرکات الاقتصادیَّة الغربیَّة المستثمرة داخل الدولة، أو العلاقة مع البنوک والمصارف الربویَّة العالمیَّة، أو العلاقات الدولیَّة فی السلم والحرب، أو قانون العمل، أو قانون تنظیم الأحزاب، أو قانون العقوبات القضائیَّة... إلخ؛ ولذا لا نقصد بفقه المجتمع فقه الأفراد فی المجتمع، بل فقه المجتمع بما له من هویَّة اجتماعیَّة، وفقه الدولة بما لها من شخصیَّة حقوقیَّة واقعیَّة فی عالم الاعتبار. والمعلوم أنَّ سنَّ قوانین وتشریعات رائدة ومعاصرة تدخل فی فقه الدولة والمجتمع تحتاج إلى سنوات من النقاش والتمحیص والبحث للوصول إلى نتائج صالحة لإدارة المجتمع والدولة، فقانون العمل مثلاً فی إیران أخذ ما یقارب عشر سنوات من النقاشات حوله کی یبصر النور.

فهل یمکن أن تعالج قضایا فقه الدولة والمجتمع بذهنیَّة الفقیه الفرد؟ أم أنَّ معالجة موضوعات من هذه الطبیعة یحتاج إلى تضافر الجهود الجماعیَّة فی عملیَّة الاجتهاد من جهة، وإلى التخصُّصیَّة والتفرُّغ للحفر عمیقًا فی الفقه؛ لتکون التشریعات الإسلامیَّة قادرة على الحضور بقوَّة فی أنظمة الدول الإسلامیَّة وقوانینها، وعلى تلبیة حاجاتها؟

  1. التحدِّیات المفروضة أمام الفقیه المعاصر:

وعطفًا على النقطة الثانیة، ألا یقتضی التوسُّع المذکور أن یجد الفقیه نفسه أمام نوع جدید من التحدِّیات، بشأن کیفیَّة الاستفادة من تطوُّر شبکة المعارف والعلوم المعاصرة وتوظیفها فی عملیَّة فهم النصّ الدینیّ واستخراج التشریعات والأحکام؟! لقد استفاد الفقیه قدیمًا من شبکة المعارف والعلوم السائدة فی زمانه، والتی تُرجم کثیر منها من اللغات الأجنبیَّة کالیونانیَّة وغیرها... فاستفاد من علم المنطق، وعلم الفلسفة، وعلم الفلک، وباقی العلوم الطبیعیَّة[18]... وغیرها، فضلًا عن استفادته من علوم اللغة کالنحو والبلاغة وعلوم التاریخ... إلخ. وقد تطوَّرت شبکة العلوم والمعارف البشریَّة -الیوم- فی میادین کثیرة لم تشهدها حضارة الأمس (کعلوم اللغة والألسنیَّات الحدیثة، وعلوم الاجتماع، وعلوم النفس، وعلوم القانون، وعلوم الفلک، وعلوم الطب، والفلسفات المضافة ...)، فهل یستطیع الفقیه أن یغفل هذه العلوم أم ینبغی علیه أن یُوظِّف معطیاتها ونتائجها فی عملیَّة فهم النصّ الدینیّ؟؟ وهل تنفصل عملیَّة فهم النصّ الدینیّ عن تطوُّر طبیعة المعرفة البشریَّة فی مختلف الحقول المعرفیَّة؟؟ ألیس الاجتهاد عبارة عن بذل الوسع فی فهم النصّ، فهل بإقصاء تلک الشبکة من العلوم قبل الاطلاع على معطیاتها وما توصَّلت إلیه من نتائج یصدق على الفقیه أنَّه قد بذل وسعه؟!

وعلیه، ألا یفرض التوسُّع المذکور أن یکون لدى الفقیه شبکة من المستشارین الفنیِّین والمتخصِّصین فی المجالات المختلفة؟! ألا یحتاج إلى جهاز یشتغل بین یدیه لتقدیم الدراسات له فیما یتعلَّق بتشخیص الموضوعات وتحدید عناصرها المکوّنة لها؟! إذ الفقیه لیس عالمًا موسوعیًّا، فهو من أهل الذکر فی مجال محدّد، یرجع إلیه الجاهل فیما له شأن التخصُّص به، أمَّا ما هو واقع خارج دائرة تخصُّصه، فعلیه أن یلجأ هو نفسه فیه إلى أهل الخبرة والتخصُّص. ولا نبالغ إذا قلنا إنَّ هناک آلاف المسائل التی تحتاج إلى أن یستمع الفقیه إلى أهل الخبرة فی تشخیصها، فی حقول: الطبّ والصحّة، والفلک، والأمن والعسکر، والعلاقات الدولیَّة، والإعلام والاتصال، والبنوک والمعاملات المالیَّة، والبیئة، والاقتصاد، والتمثیل والإخراج... .

ولعلَّ مجموعة النقاط التی سلَّطنا الضوء علیها، تثیر تساؤلات مشروعة عن مدى قدرة فقیه واحد على التغطیة التشریعیَّة الشاملة لکافَّة أنشطة الحیاة الإنسانیَّة على مستوى الفرد والدولة وفی مختلف میادینها، فأنَّى لفقیه واحد أن یتفرَّغ لیعالج استدلالیًّا کلّ تلک الموضوعات ویجتهد فیها؟! وهل یسع عمر الفقیه أن یعالج تلک المسائل جمیعًا؟! ولو قدّر له معالجتها، فهل سیتعمَّق فیها بنفس الطریقة التی یعتمدها المتخصِّص فی میدانها؟! إنَّ هذا أشبه بالتکلیف بغیر المقدور.

  1. ضرورة تجدید نمط الاجتهاد:

إنَّ ما تقدَّم یجعلنا نشارک بعض الفقهاء والباحثین الفقهیِّین فی قناعتهم بأنَّنا نحتاج إلى تجدید أنماط الاجتهاد الفقهیّ، فمنها کانت الانطلاقة لطرح بعض الأفکار کالتخصُّصیَّة الفقهیَّة والاجتهاد القائم على أساس الجهد الجماعیّ، فمثلًا نلاحظ أنَّ المؤتمر الدولیّ الخامس عشر للوحدة الإسلامیَّة[19] قد تبنَّى فی بیانه الختامیّ فکرة الاجتهاد الجماعی والتخصُّصیَّة الفقهیَّة، ومما جاء فیه: التأکید على الاجتهاد الجماعیّ... وتشجیع التخصُّص فی الأبواب الفقهیَّة[20].

وفی هذا السیاق، قد یتمّ اعتماد آلیَّة بناء فِرَق عمل تتعاون فیما بینها على استخراج القوانین والتشریعات الإسلامیَّة فی المسائل والأبواب والساحات المتنوعة من أدلَّتها التفصیلیَّة؛ بمعنى أن یحضر العقل الجمعیّ فی عملیَّة الاستنباط نفسها، بحیث تکون العملیَّة الاجتهادیَّة تشارکیَّة وتفاعلیَّة، تعتمد تقنیَّات تقوم على أسلوب العصف الذهنیّ، بغضِّ النظر عن الآلیَّات التی قد تنظّم هذا الجهد الاجتهادیّ، وهی -أیضًا- ینبغی أن تکون موضع بحث ونقاش؛ کأن تُعقدَ مجالس خاصَّة لمناقشة المسائل الفقهیَّة والوصول إلى نتائج مشترکة فیها، أو تُقَدَّمَ ورقة بحثیَّة فی موضوع فقهیّ ویسجّلَ باقی الفقهاء ملاحظاتهم، ثم یتداولوا فیها، للوصول إلى قناعة مشترکة بالإجماع، أو یعتمدوا آلیَّة التصویت الأکثریّ مثلًا. وبغضِّ النظر عن هذا النقاش الفنیّ التنظیمیّ، تبقى هذه الصیغة فَرْضیَّة مطروحة بوصفها حلًّا لتنشیط حرکة الاجتهاد الجماعیّ[21].

وهذه الصیغة، وإن کان الظاهر منها أنَّها مختصَّة بالقضایا المعاصرة، لکنَّها یمکن أن تشمل الأبواب الفقهیَّة الکلاسیکیَّة أیضًا، بناءً على ما تقدّم شرحه من أنَّ المسائل التقلیدیَّة یمکن تحدیث النظر فیها على ضوء التطوُّرات الداخلیَّة للعقل الفقهیّ والأصولیّ، أو على ضوء التطوّرات الحضاریَّة للإنسان المعاصر أو غیرهما من الأسباب.

  1. تجربة الإمام الخامنئی:

ویمکن أن ندرج فی هذا المعنى التجربة التی حاول الإمام الخامنئی(دام ظلّه) أن یعتمدها بتأسیس مجلس فقهیّ یضمّ مجموعة من الفقهاء، حیث قال: "إنَّه من اللازم، ولأجل إکمال هذا الدور المهمّ والقیام بالرسالة الملقاة على عاتق علماء الأمّة، وتنقیح الموضوعات والأحکام الإسلامیَّة، أن تُشکَّل هیئة من أهل الرأی والفضل المعروفین فی الحوزة العلمیَّة؛ لأجل أن یبحثوا ویحقِّقوا المواضیع الحدیثة بشکل جماعیّ، ویعدّوا أصفى ما أنجزه الفقه الإمامیّ، کی یعرض على المجامع الفقهیَّة العالمیَّة.

والعمل الأساس لهذه الهیئة هو الإجابة الفقهیَّة العلمیَّة التحقیقیَّة على المسائل التی یتطلَّبها وضع العالم الحاضر، والتقدُّم العلمیّ الجدید للفرد والمجتمع الإسلامیّ الحدیث"[22].

وقد عَقدت هذه الهیئة بحضور الإمام الخامنئی لقاءات فقهیَّة عدیدة، وأصبحت تجربة حیَّة.

وهذا یؤکّد أنَّه لا یمکن الاستغناء عن التخصُّص الفقهیّ بمعناه الثانی.

فجمیع ما تقدّم إذن یؤکِّد الحاجة "إلى أن تنشأ طبقة من علماء الدرجة التالیة لتلک المرتبة المتقدِّمة تتولَّى أمر التخصُّص فی أبواب الفقه المختلفة، وتتوجَّه إلیها بشکل کامل؛ لکی تنصرف جهودهم وطاقاتهم الذهنیَّة واهتماماتهم العلمیَّة فی اتجاه مورد التخصُّص لیتمَّ الإبداع والتطویر فیه، بدلًا من أن تتشتَّت جهودهم وتتوزَّع اهتماماتهم على کلِّ هذه الأبواب المختلفة.

وبهذا یُضاف کلُّ هذه الرؤى المعمَّقة والمتعدِّدة بعضها إلى البعض الآخر، وتُشکِّل حلقاتها المتواصلة حالة کمالیَّة ناضجة لـ(علم الفقه) وبالتالی نظرة إسلامیَّة واضحة ومحدَّدة لمختلف جوانب الحیاة.

وهذه الحالة التخصُّصیَّة تجد مبرراتها الشرعیَّة أوَّلًا، وتمتلک دوافعها الحیاتیَّة ثانیًا"[23].

وهذا یترتَّب علیه مستلزمات کثیرة فیما یتعلَّق بهویَّة الحوزة العلمیَّة وطبیعة برامجها الدراسیَّة ومناهجها التعلیمیَّة... إلخ.

وخلاصة القول: إنَّ التخصُّص الفقهیّ على مستوى الدراسة والتنقیب والتحقیق من دون تصدٍ للمرجعیّة -حتَّى لو کان الباحث مرجعًا- هو حاجة ضروریَّة للمبرِّرات التی تقدّمت سابقًا.

رابعًا: التحدِّیات الشرعیَّة أمام التخصُّص الفقهیّ بالمعنى المرجعیّ:

نعم، یبقى أنَّ التخصُّصیَّة الفقهیَّة بالمعنى الأوَّل -أی التخصُّص الاجتهادیّ بالمعنى المرجعیّ- تفرض تحدِّیات ذات طابع شرعیّ؛ بمعنى البحث فی جواز التبعیض فی التقلید أوَّلًا، وفی جواز تقلید المجتهد المتجزِّی -على فرض کون المتخصِّص من مصادیق المجتهد المتجزی- ثانیًا.

ومعالجة النقطة الأولى تتمّ من خلال طرح فرضیَّتین:

1. أن یقوم الدلیل على جواز تقلید المجتهد مطلقًا بغضِّ النظر عن مسألة التجزِّی والأعلمیَّة، وحینها یجوز تقلید هذا المتخصِّص فی میدان تخصُّصه، لو فرضناه مجتهدًا متجزیًّا. وهذا الرأی یتبنَّاه علمیًّا، بل فتوائیًّا العدید من المراجع المعاصرین، فالسیِّد الخوئی -مثلًا- یصرِّح بأنَّ المجتهد المتجزِّئ "إذا عرف مقدارًا معتدًّا به من الأحکام جاز لغیره العمل بفتواه"، وحینها یجوز تقلید المجتهد المتجزِّی المتخصِّص فی أحکام الباب الذی اجتهد فیه مع کونها بمقدار معتدٍّ به، والذی هو مقتضى التخصُّص؛ إذ لا نعنی بالتخصُّص فی باب معیَّن إلَّا هذا المعنى.

وبعبارة أخرى: إنَّ المجتهد المتخصِّصَ على فرض تجزِّیه، یصدق علیه عنوان الفقیه والعالِم، و"إذا کان المدار فی جواز التقلید وعدمه هو صدق عنوان الفقیه، فهو قد یصدق على المتجزِّی... ومعه لا مسوِّغ للحکم بعدم جواز الرجوع إلى المتجزِّی مطلقًا"[24]، فالموضوع للحکم بجواز الرجوع والتقلید إنَّما هو عنوان العالم أو الفقیه أو غیرهما من العناوین التی تنطبق على من استنبط مقدارًا من المسائل وجملة معتدًّا بها منها على نحو یصدق علیه عنوان الفقیه والعالم. هذا ما تقتضیه الأدلَّة اللفظیَّة، وأوضح منها دلیل السیرة العقلائیَّة، وهی غیر مردوع عنها[25].

2. أمَّا فیما یتعلَّق بمسألة الأعلمیَّة، فهنا یمکن القول إنَّ فرض اعتبار المتخصِّص فی حقل فقهیّ معیَّن أعلمَ من غیره فی الحقول الأخرى لیس بعیدًا؛ لأنَّ التفرّغ والتعمّق فی معالجة فکرة والحفر بها عمودیًّا یجعل     -حسب الملازمة العادیَّة والعرفیّة- الباحث أکثر إحاطة على المستوى العلمیّ بمدارکها وتفاصیلها... بحیث یصبح إطلاق لفظ المتخصِّص الأعلم علیه أمرًا واقعیًّا.

وحینها لا یجوز فقط تقلید المتخصِّص، بل یمکن القول بأنَّه یتعیَّن تقلید هذا المجتهد المتخصِّص فی الباب الذی تخصَّص به؛ لأنَّ مفهوم الأعلمیَّة لیس ملکة مطلقة، بل هی قابلة للتجزئة بحسب متعلّقات الاجتهاد[26]، وحینها یصبح فرض أن یکون مرجع أعلم من مرجع آخر فی باب أمرًا واقعیًّا.

 



[1]  باحث فی الفکر الإسلامیّ، ومدیر مرکز التحدِّیات الثقافیَّة المعاصرة، من لبنان.

 [2]  المختاری، رضا: من قم إلى النجف الأشرف، مقالة على الرابط الآتی: http://www.altabliq.com/arabic/book/1/368/.

[3]  انظر: الباقری، جعفر: الحوزة العلمیَّة ثوابت ومتغیِّرات، ط1، بیروت، دار الصفوة، 1994م، ص96 وما بعدها.

[4] انظر: الحکیم، محمَّد تقی: الأصول العامَّة للفقه المقارن، تحقیق: المجمع العالمیّ لأهل البیت(ع)، ط2، قم المقدَّسة، المجمع العالمیّ لأهل البیت(ع)،  1418هـ.ق/1997م، ص36.

[5] انظر: الغرویّ، علی: التنقیح فی شرح العروة الوثقى(تقریر أبحاث السیِّد أبو القاسم الخوئی)، موسوعة الإمام الخوئی، لا ط، لا م، مؤسَّسة إحیاء آثار الإمام الخوئی، لا ت، ج1، ص9-10.

[6] مدکور، محمَّد سلام: مباحث الحکم عند الأصولیِّین، لا ط، لا م، مطبعة لجنة البیان العربی، لا ت، ج1، ص55.

[7] انظر: الحکیم، الأصول العامَّة للفقه المقارن، م.س، ص51-52.

[8] الصدر، محمَّد باقر: دروس فی علم الأصول (الحلقة الثانیة)، ط5، قم المقدَّسة، مؤسَّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرِّسین، 1418هـ.ق، ص162.

[9] انظر: الصدر، محمَّد باقر: المدرسة القرآنیَّة، ط2، لام، دار الکتاب الإسلامیّ، 1434هـ.ق/2013م، ص178؛ الیزدیّ، محمَّد تقی مصباح: النظرة القرآنیَّة للمجتمع والتاریخ، ترجمة: محمَّد عبد المنعم الخاقانی، ط1، بیروت، دار الروضة، 1416هـ.ق/1996م، ص482.

[10] الصدر، دروس فی علم الأصول (الحلقة الأولى)، م.س، ص41.

[11] م.ن، (الحلقة الثانیة)، ص165.

[12] انظر: الخوئی، أبو القاسم: منهاج الصالحین (العبادات)، ط1، بیروت، دار البلاغة، 1412هـ.ق/1992م، ج1، المسألة الأولى، ص5.

[13] الباقری، الحوزة العلمیَّة، م.س، ص99.

[14] انظر: الطوسی، محمد بن الحسن: المبسوط فی فقه الإمامیَّة، تصحیح وتعلیق: محمد تقی الکشفی، لا ط، بیروت، دار الکتاب الإسلامیّ، 1412هـ.ق/1992م، ج1، ص2-3.

[15] انظر: الغرویّ، التنقیح فی شرح العروة الوثقى، م.س، ج1، ص73 وما بعد.

[16] انظر: مغنیة، محمَّد جواد: فقه الإمام جعفر الصادق(ع) عرض واستدلال، لا ط، قم المقدَّسة، مؤسَّسة أنصاریان للطباعة، لا ت، ج3، ص14؛26؛32 وغیرها.

[17] انظر: الصدر، محمَّد باقر: البنک اللاربویّ فی الإسلام، لا ط، بیروت، دار التعارف للمطبوعات، 1414هـ.ق/1994م، ص5؛ وانظر: حوار مع العلَّامة الشیخ محمَّد مهدی شمس الدین فی: مجموعة مؤلِّفین: الاجتهاد والحیاة (حوار على الورق)، ط2، بیروت، مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیَّة، 1417هـ.ق/1997م، ص18.

[18] مثلًا ارتباط نظریَّة فیزیولوجیَّة لها علاقة بتفسیر طبیعة الإبصار عند الإنسان بمسألة فقهیَّة، وهی: حرمة النظر إلى عورة الغیر فی المرآة أو الماء الصافی، وغیرها من عشرات المسائل المنتشرة فی البحوث الفقهیَّة. (انظر: الغرویّ، التنقیح فی شرح العروة الوثقى، م.س، ج4، ص328-329).

[19] انعقد المؤتمر الدولیّ الخامس عشر للوحدة الإسلامیَّة بدعوة کریمة من قبل المجمع العالمیّ للتقریب بین المذاهب الإسلامیّة فی طهران من 14-16 ربیع الأول 1423هـ.ق/28-30 آیار 2002م.

[20] انظر: البیان الختامیّ للمؤتمر الدولیّ الخامس عشر للوحدة الإسلامیَّة، على الرابط التالی: www.taghrib.org.

[21] انظر: قبلان، عبد الأمیر: >التخصُّص فی الأبواب الفقهیَّة مدخل إلى التطویر والمعاصرة<، محاضرة ألقیت فی المؤتمر الدولیّ الخامس عشر للوحدة الإسلامیّة، أقامه المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الإسلامیة، فی الجمهوریة الإسلامیَّة الإیرانیَّة، بتاریخ 28-30 آیار 2002م. 

[22] نصٌّ صادر عن الإمام الخامنئی بتاریخ 8/10/1371ه.ش.

[23] الباقری، الحوزة العلمیَّة، م.س، ص101.

[24] الغرویّ، التنقیح فی شرح العروة الوثقى، م.س، ج1، ص195.

[25] م.ن ، ج1، ص22.

[26] الغرویّ، التنقیح فی شرح العروة الوثقى، م.س ، ج1، ص20-21.

[1]  المختاری، رضا: من قم إلى النجف الأشرف، مقالة على الرابط الآتی: http://www.altabliq.com/arabic/book/1/368/.
[1]  انظر: الباقری، جعفر: الحوزة العلمیَّة ثوابت ومتغیِّرات، ط1، بیروت، دار الصفوة، 1994م، ص96 وما بعدها.
[1] انظر: الحکیم، محمَّد تقی: الأصول العامَّة للفقه المقارن، تحقیق: المجمع العالمیّ لأهل البیت(ع)، ط2، قم المقدَّسة، المجمع العالمیّ لأهل البیت(ع)،  1418هـ.ق/1997م، ص36.
[1] انظر: الغرویّ، علی: التنقیح فی شرح العروة الوثقى(تقریر أبحاث السیِّد أبو القاسم الخوئی)، موسوعة الإمام الخوئی، لا ط، لا م، مؤسَّسة إحیاء آثار الإمام الخوئی، لا ت، ج1، ص9-10.
[1] مدکور، محمَّد سلام: مباحث الحکم عند الأصولیِّین، لا ط، لا م، مطبعة لجنة البیان العربی، لا ت، ج1، ص55.
[1] انظر: الحکیم، الأصول العامَّة للفقه المقارن، م.س، ص51-52.
[1] الصدر، محمَّد باقر: دروس فی علم الأصول (الحلقة الثانیة)، ط5، قم المقدَّسة، مؤسَّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرِّسین، 1418هـ.ق، ص162.
[1] انظر: الصدر، محمَّد باقر: المدرسة القرآنیَّة، ط2، لام، دار الکتاب الإسلامیّ، 1434هـ.ق/2013م، ص178؛ الیزدیّ، محمَّد تقی مصباح: النظرة القرآنیَّة للمجتمع والتاریخ، ترجمة: محمَّد عبد المنعم الخاقانی، ط1، بیروت، دار الروضة، 1416هـ.ق/1996م، ص482.
[1] الصدر، دروس فی علم الأصول (الحلقة الأولى)، م.س، ص41.
[1] م.ن، (الحلقة الثانیة)، ص165.
[1] انظر: الخوئی، أبو القاسم: منهاج الصالحین (العبادات)، ط1، بیروت، دار البلاغة، 1412هـ.ق/1992م، ج1، المسألة الأولى، ص5.
[1] الباقری، الحوزة العلمیَّة، م.س، ص99.
[1] انظر: الطوسی، محمد بن الحسن: المبسوط فی فقه الإمامیَّة، تصحیح وتعلیق: محمد تقی الکشفی، لا ط، بیروت، دار الکتاب الإسلامیّ، 1412هـ.ق/1992م، ج1، ص2-3.
[1] انظر: الغرویّ، التنقیح فی شرح العروة الوثقى، م.س، ج1، ص73 وما بعد.
[1] انظر: مغنیة، محمَّد جواد: فقه الإمام جعفر الصادق(ع) عرض واستدلال، لا ط، قم المقدَّسة، مؤسَّسة أنصاریان للطباعة، لا ت، ج3، ص14؛26؛32 وغیرها.
[1] انظر: الصدر، محمَّد باقر: البنک اللاربویّ فی الإسلام، لا ط، بیروت، دار التعارف للمطبوعات، 1414هـ.ق/1994م، ص5؛ وانظر: حوار مع العلَّامة الشیخ محمَّد مهدی شمس الدین فی: مجموعة مؤلِّفین: الاجتهاد والحیاة (حوار على الورق)، ط2، بیروت، مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیَّة، 1417هـ.ق/1997م، ص18.
[1] مثلًا ارتباط نظریَّة فیزیولوجیَّة لها علاقة بتفسیر طبیعة الإبصار عند الإنسان بمسألة فقهیَّة، وهی: حرمة النظر إلى عورة الغیر فی المرآة أو الماء الصافی، وغیرها من عشرات المسائل المنتشرة فی البحوث الفقهیَّة. (انظر: الغرویّ، التنقیح فی شرح العروة الوثقى، م.س، ج4، ص328-329).
[1] انعقد المؤتمر الدولیّ الخامس عشر للوحدة الإسلامیَّة بدعوة کریمة من قبل المجمع العالمیّ للتقریب بین المذاهب الإسلامیّة فی طهران من 14-16 ربیع الأول 1423هـ.ق/28-30 آیار 2002م.
[1] انظر: البیان الختامیّ للمؤتمر الدولیّ الخامس عشر للوحدة الإسلامیَّة، على الرابط التالی: www.taghrib.org.
[1] انظر: قبلان، عبد الأمیر: >التخصُّص فی الأبواب الفقهیَّة مدخل إلى التطویر والمعاصرة<، محاضرة ألقیت فی المؤتمر الدولیّ الخامس عشر للوحدة الإسلامیّة، أقامه المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الإسلامیة، فی الجمهوریة الإسلامیَّة الإیرانیَّة، بتاریخ 28-30 آیار 2002م. 
[1] نصٌّ صادر عن الإمام الخامنئی بتاریخ 8/10/1371ه.ش.
[1] الباقری، الحوزة العلمیَّة، م.س، ص101.
[1] الغرویّ، التنقیح فی شرح العروة الوثقى، م.س، ج1، ص195.
[1] م.ن ، ج1، ص22.
[1] الغرویّ، التنقیح فی شرح العروة الوثقى، م.س ، ج1، ص20-21.