نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
جامعة
نقاط رئيسية
أولاً: الثابت والمتغیِّر
ثانیاً: ولایة الفقیه والحکم الإسلامیّ
ثالثاً: إدارة الدولة وتکریس الاستقلالیَّة وعدم التبعیَّة
رابعاً: قضایا وطروحات فی فکر الإمام الخمینیّ(قده)
خامساً: الإمام الخامنئی(دام ظلّه) امتداد لخطّ الإمام الخمینیّ(قده)
سادساً: تقویم الکتاب
الكلمات الرئيسية
قراءة علمیّة فی کتاب
الشیخ الأسعد بن علی قیدارة[1]
بطاقة الکتاب:
- اسم الکتاب: الإمام الخمینی (قده) الأصالة والتجدید
- اسم المؤلّف: الشیخ نعیم قاسم
- بیانات النشر: ط3، بیروت، دار المحجّة البیضاء، 1434هـ.ق/ 2013م.
مقدّمة:
یعدّ الإمام الخمینی (قده) من الشخصیات الفذّة التی قلّما یجود بها الغیب، وتتفتّق عنها حجب التاریخ البشری فی مطالع القرون ومطاوی العصور.
ولقد أضحت شخصیّته وفکره محور اهتمام الباحثین والدارسین فی مشارق الأرض ومغاربها.
والکتاب الذی بین أیدینا "الإمام الخمینی الأصالة والتجدید" دراسة تحلیلیّة لفکر الإمام، ومحاولة جادّة لتلمّس معالم خطّ الإمام فی الجانبین النظریّ والتطبیقیّ معاً. یقول المؤلّف فی مقدّمة الکتاب: "تناولت معالم خطّ الإمام الخمینیّ (قده) من خلال أقواله ومواقفه؛ مبیّناً الأصالة والتجدید فیهما، فنثرت ما یساعد على تنسیق الأفکار...".
فهی دراسة تحلیلیة لفکر الإمام، بقصد إبراز أصالة هذا الفکر وتجذّره فی منظومة النصّ المقدّس، وکذلک تجّدد هذا الفکر وقدرته على مواکبة العصر. ومن هنا کان العنوان: "الإمام الخمینیّ الأصالة والتجدید". وممّا یرفع سقف توقّعات القارئ من الکتاب أنّ مؤلّفه (الشیخ نعیم قاسم) من الرموز المشهورة التی نهلت من معین هذه المدرسة، وتشرَّبت من عذب ماء هذا الفکر، واندکّت فی مساراته التاریخیّة العملیّة.
ویقع الکتاب فی أربعمائة وثمان صفحات من الحجم المتوسط، قسّمه المؤلّف إلى مقدّمة وسبعة فصول، عالج فیها تباعاً الموضوعات الآتیة:
- الثابت والمتغیّر.
- ولایة الفقیه والحکم الإسلامیّ.
- الاستقلال ورفض التبعیة.
- إدارة الدولة.
- قضایا ومواقف.
- طروحات جدیدة.
- الإمام الخامنئیّ وخطّ الإمام الخمینیّ.
والقراءة العمیقة لهذه الفصول تقودنا فی النهایة إلى خمسة محاور أساس حام حولها الکتاب، سنستعرض تفاصیلها فی هذه القراءة.
أولاً: الثابت والمتغیّر:
من الثنائیّات التی أثّرت على مسار الفکر الإسلامیّ عموماً هی: ثنائیّة "الأصالة والتجدید"، وثنائیة "الثابت والمتغیّر". وقد قادت هذه الثنائیّات الأفهام القاصرة إلى سقوط مروع فی التسیّب والانحراف عن جوهر الدین وثوابته باسم التجدید، وسقطت فئات أخرى فی التحجّر والتزمُّتِ باسم الأصالة.
وفی الکتاب محاولة لتأکید توازن مدرسة الإمام الخمینی (قده) ونجاحها فی التوفیق بین الثابت والمتغیّر، بین قداسة النصّ ومواکبة العصر ومتطلّباته وتقدیم الحلول للمستجدّات؛ فمدرسة الإمام تؤمن بشمولیّة الإسلام وبناء الإنسان الذی هو محور رسالات الأنبیاء (عله)، و"لا یوجد نظام فی العالم یهتمّ بالإنسان من قبل انعقاد نطفته إلا الإسلام الذی یواکب توجیهه ورعایته بالأحکام الشرعیّة والتفصیلیّة فی کامل مراحل حیاته إلى موته"[2].
هذا التمسّک بشمولیّة الإسلام -إلى جانب التمسّک بالنصّ القرآنیّ وروایات النبی (ص) والأئمّة (عله)- هو من تجلّیات الأصالة عند الإمام الخمینیّ[3].
ویعمّق الإمام الشمولیّة من خلال حدیثه عن الوظیفتین الرئیستین للأنبیاء (عله)؛ وهما: تنمیة معنویات الناس واستعداداتهم، وإنقاذ المستضعفین من نیر الظالمین.
ولأجل ذلک کان موضوع تزکیة النفس وتهذیبها من العناوین البارزة فی فکر الإمام، بل لعلّه من أجلى مظاهر شخصیّته؛ بوصفه من أبرز عرفاء عصره. وکان -أیضاً- عنوان التلازم بین العبادة والسیاسة من المقولات المهمّة فی فکره "الإسلام عبادته سیاسة وسیاسته عبادة"[4].
ودفاعاً عن فرادة المشروع الإسلامیّ المتأصّل فی بیئته، طرح الإمام شعار "لا شرقیّة ولا غربیّة"، فلا یمکن أن یکون فکرٌ ما أصیلاً وهو یتّبع أحد المعسکرین الشرقیّ والغربیّ، ولذلک یرى الإمام الخمینیّ الشعب الإیرانیّ المتمسّک بالإسلام الأصیل ومشروعه السیاسیّ شعباً استثنائیّاً، حیث یقول "إنّ الشعب الإیرانیّ یمثّل الیوم -والحمد لله- ظاهرة استثنائیّة وشعباً استثنائیّاً لا نظیر له، فأنتم الیوم لا یمکنکم أن تجدوا جمیع شعاراته تتلخّص فی شعار "لا شرقیّة ولا غربیّة""[5].
ویمکن عدّ مبحث الاجتهاد والتجدید من أهمّ مباحث الفصل الأوّل من الکتاب؛ لأنّه یحلّل الرؤیة الاجتهادیّة للإمام. وبالتالی، یشرح الأساس النظریّ العلمیّ لأطروحة الأصالة والتجدید عنده، والتی یدور حولها جمیع بحوث الکتاب. وقد بیّن المؤلف، ضمن هذا العنوان، کیف جمع الإمام بین الالتزام بمبانی الاستدلال والاستنباط الفقهیّ التی تراکمت عبر السنین والتی یعبّر عنها "بالفقه الجواهری" وبین متطلّبات الزمان والمکان؛ فالإمام الخمینیّ من جهة یقول: "ألتمس من الشعوب الإسلامیّة عدم الخروج قید أنملة عن الفقه التقلیدی الذی یمثّل هویّة مدرسة الرسالة والإمامة والضامن لترشید الشعوب وإعزازها؛ سواء فی ذلک الأحکام الأوّلیّة أم الأحکام الثانویّة"[6]، ومن جهة ثانیة یقول: "إنّ إحدى القضایا المهمّة للغایة فی عالمنا المعاصر الصاخب تتمثّل فی دور الزمان والمکان فی الاجتهاد ونوعیّة القرارات... یجب أن تحرصوا على ألا یتّهم الإسلام -لا سمح الله- بعدم القدرة على إدارة العالم؛ بما فیه من تعقیدات اقتصادیّة وعسکریّة واجتماعیّة وسیاسیّة"[7]. بل یدعو الإمام إلى الاستعداد لمشاکل المستقبل والتنبّؤ بقضایا الغد وإشکالاته: "إنّ الحوزات العلمیة وعلماء الدین مطالبون دائماً باستیعاب حرکة المجتمع والتنبّؤ بمتطلّباته واحتیاجاته المستقبلیة... فمن الممکن أن تتغیّر الأسالیب الرائجة لإدارة أمور المجتمع فی السنوات القادمة وتجد المجتمعات البشریة نفسها بحاجة إلى أفکار إسلامیة جدیدة؛ لإیجاد حلول لمشکلاتها. ولهذا ینبغی على علماء الإسلام الکبار أن یفکّروا بذلک من الآن"[8].
فی ضوء هذه النظریّة الاجتهادیّة یدعو الإمام إلى التجدید من بوابة الاجتهاد الشامل، وعدم التعقّد والاستیحاش من التنوّع الاجتهادیّ واختلاف آراء المجتهدین، ویحذّر من السقوط فی التبعیّة للغرب تحت عنوان التجدید، کما یحذّر بشدّة من الجمود والتحجّر فی أکثر من مورد؛ من ذلک ما جاء فی رساته إلى السیّد قدیری الذی عاتب الإمام على فتواه بحلّیّة لعبة الشطرنج وفتاوى أخرى[9].
ثانیاً: ولایة الفقیه والحکم الإسلامیّ:
هذا عنوان الفصل الثانی من الکتاب، وقد جُعِلَ محوراً ثانیاً من محاور هذه القراءة. فولایة الفقیه أهمّ نظریة فی الفکر السیاسیّ الإسلامیّ على الإطلاق، ولها جذورها فی تاریخ الفقه الجعفریّ خاصّة، وقد شهدت على ید الإمام الخمینیّ (قده) نقلة على مستوى التنظیر وتطویر الاستدلال والإثبات؛ کما تحوّلت معه إلى مشروع دولة ونظام سیاسیّ قائم یدیر شؤون الناس، ویعالج قضایا الاجتماع والسیاسة والاقتصاد والسلم والحرب والقضاء والتعلیم... على قاعدة الفقه الإسلامیّ وإشراف الولیّ الفقیه.
ولذلک یمکن عدّ نظریّة الإمام الاجتهادیّة التی تحدّثنا عنها فی الفقرة الأولى ونظریّته فی ولایة الفقیه الرکنین الأساسین لمشروع الإمام التأصیلیّ التجدیدیّ. ومن هنا، کان المؤلّف موفّقاً فی عنونة الفصل الأوّل والثانی وفی تقدیمهما على ما سواهما من فصول الکتاب؛ فالتسلسل المنطقی یقتضی ذلک.
وفی التفاصیل یستعرض المؤلّف الأساس العقدی لولایة الفقیه، والتی تبتنی على الإیمان بأنّ الولایة بالأصل هی لله -سبحانه-، وأنّ الله منح هذه الولایة للنبی (ص)، ویمثّل الإیمان بالإمامة امتداداً لهذه الولایة فی أشخاص المعصومین (عله). ومع غیبة الإمام الثانی عشر تنتقل هذه الولایة إلى الفقیه العادل "فلا بدّ من وجود ولیّ یقود الأمّة ویوجّهها؛ جماعة وأفراداً"[10].
هذا القدر المتیقّن متّفق علیه تقریباً بین جمیع الفقهاء، ولکنّ الاختلاف الحاصل هو فی سعة هذا الدور المنوط بعهدة الفقهاء العدول وضیقه؛ فمنهم من اختزل هذا الدور فی الأمور الحسبیّة؛ کالولایة على أموال الأیتام والغائب والأوقاف والأموال مجهولة المالک...، ومن الفقهاء من قال بالولایة العامة للفقهاء العدول؛ أی أقروا بالأدوار السابقة إلى جانب إدارة شؤون المسلمین على مستوى الأمّة وقیادة الدولة؛ بمعنى أن تکون للفقیه -من حیث المبدأ- جمیع صلاحیّات الإمام المعصوم (ع).
وقد شرح المؤلّف أدلّة الإمام الخمینی (قده) على الولایة العامّة؛ من نصوص، وضرورات العقل، ورأى فی ذلک معنى للأصالة التی تجسّدت فی الإمام؛ وذلک لأنّه استعاد بنظریة الولایة العامّة للفقیه معنى القیادة النبویّة بأبعادها المختلفة، واسترجع دورها.
لقد بحث الإمام موضوع الحکومة الاسلامیّة فی دروسه على طلابه فی النجف الأشرف، ولمّا نجح فی ثورته دعا إلى تجسید النظریّة، فکانت أطروحة الجمهوریة الإسلامیّة هی التجسید العملی لمشروع الحکومة الإسلامیّة.
وفی هذه الأطروحة -أیضاً- یبرز بعدا الأصالة والتجدید: فعنوان الجمهوریّة فیه انفتاح على أشکال الحکم المعاصرة؛ لأنّ الشکل فی هذا المجال لا یعدّ منزّلاً من عند الله، بل هو من جملة النظم الإداریّة والهیکلیّة التی یمکن الاستفادة فیها من تراکم خبرات العقلاء وتجارب البشریّة، والجزء الآخر "الإسلامیّة" فیه تأکید على أصالة الدولة؛ وأنّها تحکم بالإسلام، وتستند إلى أصوله العقدیة وثوابته التشریعیة؛ کما جاء فی المادة الثانیة من دستور الجمهوریة الإسلامیة.
وفی التمسّک بالعنوان الإسلامیّ، یؤکّد الإمام الخمینی (قده) رفضه لمقولات غریبة تثار فی هذا المجال؛ کالدیمقراطیّة المطلقة، وإنْ کان الإمام لا یرى بأساً بالدیمقراطیّة، لکن مع تقییدها بتعالیم الإسلام. ففصول دستور الجمهوریّة الإسلامیّة تعکس هذا التوجّه الشعبیّ لمّا أقرّت بتساوی الجمیع فی الحقوق وأمام القانون وتمتّع الجمیع بالحقوق الإنسانیّة والسیاسیّة والاقتصادیّة والثقافیّة مع مراعاة المعاییر الإسلامیّة[11].
وأصرّ الإمام على أن تکون الجمهوریّة الإسلامیّة خیاراً للشعب، لا یفرض علیهم من فوق، فتمّ استفتاء الشعب الذی أعطى الموافقة بنسبة 98,2%، وبناءً علیه تمّ الإعلان الرسمی عن إقامة الجمهوریّة الإسلامیّة الإیرانیّة فی الأوّل من نیسان 1979م.
ویمنح الدستور الذی استفتی علیه الشعب -أیضاً- حقّ الحسم فی القضایا الکبرى؛ فهو الذی یحسم مسألة شکل الحکم، وینتخب أعضاء مجلس الشورى، وینتخب رئیس الجمهوریّة، کما ینتخب أعضاء مجلس الخبراء الذین من جملة مهامهم تعیین القائد. وهکذا نرى للشعب سلطته حتى فی تعیین الولیّ الفقیه وإنْ بشکل غیر مباشر، فهل نجد هذه الصلاحیّات حتّى فی أکثر الدیمقراطیّات الغربیّة تطوّراً؟!
جاء فی المادّة السادسة من دستور الجمهوریّة الإسلامیّة: الشعب هو مصدر السلطات یمارسها عن طریق الانتخابات، انتخاب رئیس الجمهوریّة وأعضاء مجلس الشورى الإسلامیّ والمجالس المحلّیّة الإسلامیّة وما شابه، أو عن طریق الاستفتاء العامّ بالنسبة إلى الحالات التی ینصّ علیها الدستور فی بقیّة موادّه[12].
وکما کان خطر الخروج من ثوابت الدین وأصوله قائماً بإعطاء مجلس الشورى حقّ التقنین، استحدث الدستور الإیرانیّ آلیّة للمراقبة والتصویت تتمثّل فی مجلس صیانة الدستور؛ من أجل ضمان مطابقة تشریعات مجلس الشورى للأحکام الإسلامیّة بقیام الجمهورّیة الإسلامیّة فی إیران التی تجمع فی بنیتها القانونیّة ومسارها السیاسیّ من ثوابت النصّ الدینیّ وسلطة الشعب وحقّه فی إدارة شؤونه. وهذا ما ینسجم تماماً مع ما یطرحه الإمام الخامنئی (دام ظلّه) فی أدبیّاته لمفهوم السلطة الدینیّة الشعبیّة.
ثالثاً: إدارة الدولة وتکریس الاستقلالیة وعدم التبعیة:
هذا المحور الثالث للقراءة؛ وهو یجمع بین الفصلین الثالث والرابع من الکتاب؛ وذلک روماً للاختصار من جهة، ومراعاة للوحدة الموضوعیّة بین الفصلین.
إنّ الاستقلال رکن أساس فی رؤیة الإمام لإدارة الدولة، فلا دولة حقیقیة بدون استقلال، ولا حریة حقّة للشعب إنْ کان یتبع هذا المعسکر أو ذاک.
واستناداً إلى هذه الروح الاستقلالیّة، انطلقت حرکة الإمام الخمینی (قده) فی مواجهة الشاه، فما دام الطغاة یحکمون بلاد المسلمین، فلا استقلال لهم؛ لأنّ أولئک الطغاة رهنوا مصیر بلادهم وشعوبهم بالاستکبار. ومن هنا، استعرض المؤلّف مفاصل مهمّة من صراع الإمام مع الشاه ومعرکته الطویلة من أجل إسقاطه واستعادة استقلال الشعب الإیرانیّ، وانطلق الإمام فی حرکة تغییر الأفکار، ورسّخ فی الأذهان أنّ الثورة الإسلامیّة کفیلة بتحقیق الاستقلال والحرّیّة، وأنّ جوهر الاستقلال هو الاستقلال الفکری والمعنوی.
فی الفصل الثالث استعرض المؤلّف مواقف عدیدة واجهتها الثورة الإسلامیّة فی إیران، حرص الإمام فی کلّ محطّة منها على أن یعزّز توجّه الجماهیر نحو الاستقلال وعدم التبعیّة والخضوع لإملاءات الشرق والغرب؛ کحادثة صحراء طبس والتدخّل الغیبی، والحرب العراقیّة الإیرانیّة، والحصار الاقتصادیّ... وهو فی کلّ ذلک یعزّز إیمان الشعب بکرامته، ویقوّی ارتباطه بالله -عزّ وجلّ-، ویصعّد من روح الصبر والثبات عنده؛ مستلهماً من ثورة الإمام الحسین (ع) ومن عاطفة عاشوراء وفکرها کلّ طاقات التعبئة والتحفیز.
وفی الفصل الرابع استعرض المؤلّف بعض الأحداث التی وقعت فی مسار الثورة؛ لیؤکّد على منهج الإمام الاستقلالیّ الأصیل فی إدارة الدولة. ومن هذه الأحداث:
- تأسیس حرس الثورة الإسلامیّة، وتأیید الإمام الشدید لهؤلاء الشباب وشعاره "لیتنی کنت أحد أفراد الحرس".
- مراعاة حقوق الطوائف والأقلّیّات الدینیّة فی إیران، ومنها الطائفة الیهودیّة.
- حقّ الاختلاف وقبول الاجتهادات المختلفة والأفهام المتنوّعة للأحکام ما دامت هذه الاجتهادات لا تخضع للأهواء والاستنسابیّة.
- اغتیالات الرموز الدینیّة والسیاسیّة وطرق مواجهتها.
- إقالة بنی صدر.
- إقالة الشیخ منتظری.
- قبول القرار 598 بإیقاف الحرب مع العراق.
وفی مواجهة کلّ هذه الوقائع والتحدّیات لم یغفل الإمام الخمینیّ (قده) عن تذکیر الشعب الإیرانیّ بأنّ تضحیاته ونجاحه فی المحافظة على الجمهوریّة الإسلامیّة من العناصر المهمّة للتمهید لظهور الإمام المهدیّ (عج)، وأنّ الجمهوریة هی دولة الحجّة (عج) التی لن یهدأ لها بال، ولن یستقرّ لها قرار؛ حتى ترتفع رایة العدل العالمیّة خفّاقةً تبشّر بمجتمع العدل العالمیّ.
رابعاً: قضایا وطروحات فی فکر الإمام الخمینی (قده):
فی هذا المحور من القراءة جرى المزج بین الفصلین الخامس والسادس من الکتاب؛ للسببین السابقین فی المحور الثالث، بل هنا تتجلّى الوحدة الموضوعیّة بین الفصلین بشکل أوضح. وقد حلّل المؤلّف فی هذین الفصلین قضایا فی ضوء آراء الإمام؛ وهی:
1. الوحدة الإسلامیة:
فالإمام الخمینیّ (قده) من روّاد هذه الوحدة، ولطالما نادى بنبذ الفرقة، ودعا إلى تجسید الوحدة عملیّاً، معتبراً أنّ الذین یثیرون النعرات المذهبیّة هم أعداء للدین، وأنّ الوحدة تکلیف المسلمین ومسؤولیّتهم الشرعیّة؛ حیث یقول: "إنّنا الیوم مکلّفون أیّاً کان الذی نرتدیه أو العمل الذی نمارسه؛ بتجنّب اختلاف الکلمة، والحرص على الوحدة الإسلامیّة التی یوصی بها الکتاب والسنّة على الدوام، وأن نجعل کلمة الحقّ هی العلیا، وکلمة الباطل هی السفلى"[13].
وأکد الإمام على أنّ الأعداء الحقیقیّین للأمّة هم القوى العظمى، وخصوصاً الولایات المتحدة الأمریکیة المتحدة وربیبتها إسرائیل.
2. المرأة ومکانتها:
حیث استعرض المؤلّف بعض مواقف الإمام وأقواله فی موضوع المرأة، وکیف جسّد فی ذلک کلّه نظرة الإسلام الأصیل.
3. الشباب ومنطق التغییر:
عرض المؤلّف موقف الإمام الإیجابیّ من تحفّز الشباب المؤمن واندفاعاته فی بناء الثورة والدولة، وحرصه على ترشید هؤلاء الشباب وتوجیههم أخلاقیاً وتربویاً نحو تزکیة النفس وتهذیبها والسموّ بها نحو الکمال.
4. فلسطین والقدس:
بیّن المؤلّف مواقف الإمام المبدئیّة من قضیة المسلمین الأولى "فلسطین"؛ ومنها وقوفه موقفاً شدیداً من المتعاملین مع إسرائیل، ورفضه لإتفاقیة کامب دیفید، واعتباره أنّه لا یوجد أمر أکثر وجوباً على المسلمین من الجهاد والدفاع لاستعادة فلسطین، وإعلانه یوم القدس العالمی یوماً عالمیّاً فی المواجهة بین المستضعَفِین والمستکبرین، وتأکیده الدائم على أنّ القضیة الفلسطینیة هی القضیة المرکزیّة، وأنّها البوصلة التی تؤشّر على اتّجاه الصراع.
5. الحج وبراءة المشرکین:
حیث یؤکّد الإمام على الأبعاد السیاسیّة لفریضة الحج، وضرورة التبرّی من المشرکین والطُّغَاة والظالمین، وأنّ الحج دون براءة حجّ بلا روح.
6. الحوزة والجامعة:
من خلال التأکید على ضرورة تحقیق التکامل المفقود بین العلم والتزکیة، بین المعرفة والأخلاق، وبالتالی تهیئة المجتمع لنهضة حقیقیّة.
7. الاستضعاف والاستکبار:
وهی من العناوین والثنائیات التی رکّز علیها الإمام الخمینی (قده) کثیراً، واعتبر أنّ الصراع عبر التاریخ تحکمه هذه الثنائیة.
8. عناوین تعبویة:
استعرض المؤلّف عدّة تسمیات استخدمها الإمام قاصداً منها التعبئة:
- الشیطان الأکبر: لقب للولایات المتحدة الأمریکیة.
- تسمیة یوم القدس العالمیّ (آخر جمعة من شهر رمضان) .
- یوم الحرس (ولادة الإمام الحسن (ع)).
- یوم المستضعفین (ولادة الإمام الحجّة (عج)).
- یوم المرأة المسلمة (ولادة السیدة الزهراء (ع) ).
- أسبوع الوحدة الإسلامیّة (أسبوع ولادة النبی(ص)).
خامساً: الإمام الخامنئی (دام ظلّه) امتداد لخطّ الإمام الخمینی (قده):
وُفِّق المؤلّف فی تخصیص الفصل الأخیر من الکتاب لبحث متابعة امتداد مدرسة الإمام الخمینی (قده) وتجلّیاتها فی واقعنا المعاصر والمعیش، فتحدّث عن هذا الامتداد وبرّره قائلاً: یشکّل الإمام الخامنئی (دام ظلّه) الامتداد الطبیعیّ للإمام الخمینیّ (قده)؛ فهو الذی نهل من نعیمه وتولّى المواقع الأولى فی قیادة الثورة والدولة، وکان محلّ تقدیر الإمام الخمینیّ (قده) وثقته، وهو الذی عبّر عن رأیه فیه مرّات عدیدة[14].
ومن جهته، یرى الإمام الخامنئیّ (دام ظلّه) أنّ الإمام هو المعلّم الفذّ فی عصرنا الحاضر، وأنّه أفضل شاخص وقدوة لنا؛ وهو استحقّ هذه المکانة (الامتداد الطبیعیّ لخطّ الإمام (قده)) من استیعابه الشامل وفهمه العمیق لهذه المدرسة. ویستعرض الکاتب أصول هذا الخطّ فی منظور الإمام الخامنئی ویلخّصها فی أحد عشر بنداً:
- الصمود فی مواجهة نفوذ القوى الأجنبیّة.
- الاهتمام بالتعبّد والعمل الفردیّ.
- إعطاء الأهمّیّة لقدرات الشعب.
- الإصرار على وحدة المسلمین.
- الإصرار على إیجاد علاقات الصداقة مع الدول.
- الإصرار على تحطیم حاجزَیِ التحجّر والالتقاط فی الفهم والعمل الإسلامیّ.
- اعتبار إنقاذ المحرومین وتأمین العدالة الاجتماعیّة أمراً محوریّاً.
- التوجّه الخاصّ للصراع مع الکیان الغاصب للقدس وفلسطین، ومع النظام الصهیونیّ.
- حفظ الوحدة الوطنیّة.
- الحفاظ على شعبیّة الحکومة، وإیجاد الرابطة مع الشعب، والمحافظة علیها.
- التأکید على إعادة إعمار البلاد.
ویتمسّک الإمام الخامنئیّ (دام ظلّه) فی قیادته للثورة على ثنائیّة أکّد علیها الإمام الخمینیّ (قده)؛ وهی: أصوات الشعب من جهة، واحترام القوانین من جهة أخرى.
تقویم الکتاب:
فی خاتمة هذه القراءة للکتاب، لا بدّ من الإشادة بجهود المؤلّف فی بلورة رؤیة متکاملة لخطّ الإمام الخمینی (قده) ومسارات هذا الخطّ؛ نظریّاً وعملیّاً بین حدَّیِ الأصالة والتجدید، ولکن هذا العمل -مثل أیّ جهد بشریٍّ- لا یخلو من نقائص. وفی هذا السیاق یمکن إیراد التوصیات الآتیة:
1. غلب على الکتاب المادّة المقمّشة، خصوصاً من أقوال الإمام وخطاباته؛ بما قّلص مادّة التحلیل العلمیّ، وانحسرت مهمّة المؤلّف فی أغلب الأحیان واقتصرت على الربط بین الأقوال والشواهد، وقد أثّر هذا على عمق الطرح.
2. غطّى الکتاب موضوعات کثیرة وعناوین عدیدة یحتاج کلّ منها إلى بحث مستقلّ؛ ما منح الدراسة انتشاراً أفقیّاً واسعاً وتفرّعاً إلى تفاصیل کثیرة یصعب على القارئ أن یمسک بها، أو أن یلامس معها الوحدة الموضوعیة، وکان ذلک على حساب الانتشار العمودیّ؛ أی العمق وقوّة الاستدلال والنقاش.
3. من الفصل الثالث إلى الفصل السادس یشعر القارئ بتحوّل فی توجّه المؤلّف، فکأنّ همّه غدا دراسة بعض القضایا فی فکر الإمام دون الإلحاح على ثنائیة الأصالة والتجدید.
4. فی الفصل السابع لم یعمّق المؤلّف البحث لتأکید الامتداد لخطّ الإمام فی شخص الإمام الخامنئیّ (دام ظلّه)، وکانت المعالجة عابرة والاستنتاجات سریعة.
5. لم یکتب المؤلّف خاتمة لکتابه یورد فیها استخلاصات البحث ونتائجه النهائیة، ولکن إذا تنازلنا واعتبرنا الفصل السابع خاتمة؛ یکون ذلک على خلاف شکلیّات الکتابة العلمیّة وقواعد منهجیّة کتابة البحث العلمیّ.
إنّ هذه التوصیات لا تنقص من قیمة الکتاب، فلعلّ النزعة الخطابیة التعبویّة لسماحة الشیخ نعیم قاسم قد تغلّبت على نزعته الأکادیمیة العلمیّة.
ویبقى خطّ الإمام -عموماً- وإشکالیة الأصالة والتجدید فی فکره -خصوصاً- بحاجة إلى بحوث ودراسات متجدّدة.
[1] باحث فی الفکر الإسلامیّ، من تونس.
[2] قاسم، نعیم: الإمام الخمینی (الأصالة والتجدید)، ط3، بیروت، دار المحجّة البیضاء، 1434هـ.ق/ 2013م، ص29.
[3] انظر: قاسم، الإمام الخمینی (الأصالة والتجدید)، م.س.، ص31.
[4] م.ن.، ص82.
[5] م.ن، ص42.
[6] م.ن.، ص50.
[7] م.ن، ص57.
[8] م.ن، ص58.
[9] انظر: م.ن، ص67.
[10] قاسم، الإمام الخمینی (الأصالة والتجدید)، م.س، ص93.
[11] انظر: قاسم، الإمام الخمینیّ (الأصالة والتجدید)، م.س، ص130.
[12] م.ن، ص141.
[13] قاسم، الإمام الخمینیّ (الأصالة والتجدید)، م.س، ص303.
[14] انظر: قاسم، الإمام الخمینی (الأصالة والتجدید)، م.س، ص379.