الإسلام والأقلِّیَّات -قراءة فقهیَّة وحقوقیَّة مقارنة-

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة

المستخلص

تتناول هذه المقالة حقوق الأقلّیّات غیر المسلمة فی النظام الحقوقیّ الإسلامیّ فی کنف الدولة الإسلامیّة، وما یتمیّز به الإسلام فی هذا الصدد عن غیره من المنظومات الحقوقیّة الأخرى على مستوى الرؤیة والتطبیق، ولاسیّما فی ظلّ حکومة الرسول الأکرم (ص) وحکومة الإمام علی (ع) اللتین جسّدتا أسمى صور عدالة الإسلام وتعایشه السلمی مع الآخر واحترامه للإنسان.
لقد سبق الإسلام الغرب بمئات السنین فی فقهه السیاسیّ وذهابه إلى ضرورة خلق علاقات وحقوق سیاسیّة، وتأطیرها، وتناول أدقّ تفاصیل شکل العلاقة بین المسلمین والأقلّیّات غیر المسلمة وفقَ معادلةٍ دقیقةٍ تحافظ على التعایش السلمیّ بین الطرفَین وتصون سیادة الإسلام، فی الوقت الذی کان فیه علماء الاجتماع الغربیّون یجهلون أبجدیّات التواصل والاتّصال.
کما تعرض هذه المقالة قراءة تحلیلیّة لحقوق الأقلّیّات التی وردت فی دستور الجمهوریّة الإسلامیّة الإیرانیّة وتطبیقاتها فی الواقع المعاصر.

نقاط رئيسية

أولاً : نظرة إلى المنظومات الحقوقیَّة الدینیَّة والإلهیَّة

  1. منظومة الیهود الحقوقیَّة (حقوق التلمود)
  2. المنظومة الحقوقیَّة المسیحیَّة والکنسیَّة
  3. المنظومة الحقوقیَّة الإسلامیَّة

ثانیاً: حقوق الأقلِّیَّات فی النظام الحقوقیّ الإسلامیّ

  1. واقع الأقلِّیَّات ومکانتهم فی الاجتماع السیاسیّ
  2. واقع الأقلِّیَّات ومکانتهم فی النظام الحقوقیّ الإسلامیّ

ثالثاً: خصائص الرؤیة الحقوقیَّة الإسلامیَّة فی العلاقة مع غیر المسلمین

رابعاً: حکومة الأقلِّیَّات فی النظام الحقوقیّ الإسلامیّ بین الرؤیة والتطبیق

  1. حکومة الرسول الأکرم(ص)
  2. حکومة الإمام علی (ع)

خامساً: دستور الجمهوریَّة الإسلامیَّة فی إیران والأقلّیَّات غیر المسلمة

  1. حقوق ممیّزة للأقلِّیَّات الدینیَّة فی الدستور
  2. رؤیة الإمام الخمینیّ(قده) فی مکانة الأقلِّیَّات الدینیَّة فی المجتمع الإسلامیّ

الكلمات الرئيسية


الإسلام والأقلّیّات –قراءة فقهیّة وحقوقیّة مقارنة-

الدکتور محمد جواد حسینی تبار[1]

خلاصة:

تتناول هذه المقالة حقوق الأقلّیّات غیر المسلمة فی النظام الحقوقیّ الإسلامیّ فی کنف الدولة الإسلامیّة، وما یتمیّز به الإسلام فی هذا الصدد عن غیره من المنظومات الحقوقیّة الأخرى على مستوى الرؤیة والتطبیق، ولاسیّما فی ظلّ حکومة الرسول الأکرم (ص) وحکومة الإمام علی (ع) اللتین جسّدتا أسمى صور عدالة الإسلام وتعایشه السلمی مع الآخر واحترامه للإنسان.

لقد سبق الإسلام الغرب بمئات السنین فی فقهه السیاسیّ وذهابه إلى ضرورة خلق علاقات وحقوق سیاسیّة، وتأطیرها، وتناول أدقّ تفاصیل شکل العلاقة بین المسلمین والأقلّیّات غیر المسلمة وفقَ معادلةٍ دقیقةٍ تحافظ على التعایش السلمیّ بین الطرفَین وتصون سیادة الإسلام، فی الوقت الذی کان فیه علماء الاجتماع الغربیّون یجهلون أبجدیّات التواصل والاتّصال.

کما تعرض هذه المقالة قراءة تحلیلیّة لحقوق الأقلّیّات التی وردت فی دستور الجمهوریّة الإسلامیّة الإیرانیّة وتطبیقاتها فی الواقع المعاصر.

 

مصطلحات مفتاحیّة:

          الحقوق، الأقلّیّات، الفقه السیاسیّ، النظام، القانون، الدستور، الإسلام، الیهودیّة، المسیحیّة، الغرب، التعایش السلمیّ...

 

مقدّمة:

لطالما أثار موضوع کیفیّة التعامل مع الأقلّیّات غیر المسلمة کثیراً من الجدل فی فقه الإسلام السیاسیّ والحکومة الإسلامیّة، ولا یعود السبب فی ذلک إلى تعقیدات المسألة؛ بل إلى عاملین أساسین؛ هما:

1. الجهل بالتعالیم الإسلامیّة فی هذا الخصوص، والغرق فی مستنقع العصبیّات.

2. حملات الأعداء الإعلامیّة المغرضة لإبعاد أتباعهم عن الدین الإسلامیّ، مع علمهم بمدى جاذبیّة تعالیم الإسلام التی لو أُتیحَ لأتباع الأدیان الأخرى الاقتراب منها لوقعوا تحت تأثیرها قطعاً، الأمر الذی یدفعهم إلى تحذیر أتباعهم من ذلک الدین؛ بوصمه زوراً بالعنف! مع أنّه یتعامل مع أتباع الأدیان الأخرى على أساسٍ من المحبّة والوئام، داعیاً إلى التعایش السلمیّ؛ ففی سورة الممتحنة، وبعد أن حذّر الله -تعالى- المسلمین من مدّ ید الصداقة إلى أعدائه، مذکّراً بأحقادهم تجاهَ الرسول (ص) والمسلمین، والتی تجسّدت بتعریض المسلمین الأبریاء لشتّى صنوف الأذى الجسدیّ واللّفظیّ، یقول -تعالى-: {لا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُم مِّن دِیَارِکُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ}[2]؛ ثمّ یضیف مؤکّداً على ضرورة تمییز المحاربین عن غیرهم: {إِنَّمَا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ قَاتَلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَأَخْرَجُوکُم مِّن دِیَارِکُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِکُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن یَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[3].  

وبالنظر فی شأن نزول هاتَین الآیتَین والآیات السابقة لهما فی سورة الممتحنة، فضلاً عن ملاحظة القرائن الموجودة فی الآیتین أنفسهما، یتّضح تماماً أنّ الآیات ناظرة إلى المشرکین وعبدة الأوثان، فهی تقسّمهم إلى مجموعتَین: مجموعة قاتلت المؤمنین وآذتهم ولم تنثنِ عن کلّ مخالفةٍ وممارسةٍ عدائیّةٍ ضدّهم، ومجموعة أخرى کانت مستعدّةً للعیش معهم بسلام.

ففی هذه الآیات نجد حالةً من الرفض تجاهَ التعامل مع المجموعة الأولى، مع السماح بالتعامل مع المجموعة الثانیة، وعدّت الذین یرتبطون بالمجموعة الأولى من الظالمین، فیما اعتبرت الآیة الشریفة المتعاملین مع المجموعة الثانیة من أنصار العدالة.

وإذا کان الحکم الإلهیّ فی مورد المشرکین وعَبَدة الأوثان على هذا النحو، فهو فی مورد الکفّار من أهل الکتاب أولى[4].

کما وردت أحادیث کثیرة ذات معانٍ عمیقةٍ فی مراعاة حقوق الأقلّیّات غیر المسلمة؛ منها:

- عن الرسول الأکرم (ص): "من ظلم معاهداً أو انتقصه حقّاً أو کلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شیئاً بغیر طیب نفس منه، فأنا حجیجه یوم القیامة"[5].

- عن الإمام علیّ بن أبی طالب (ع) فی عهده إلى مالک الأشتر: "وأَشْعِرْ قَلْبَکَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِیَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ. ولا تَکُونَنَّ عَلَیْهِمْ سَبُعاً ضَارِیاً، تَغْتَنِمُ أَکْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَکَ فِی الدِّینِ، وإِمَّا نَظِیرٌ لَکَ فِی الْخَلْقِ"[6].

ولن نجد تعبیراً أبلغ من کلام أمیر المؤمنین (ع) فی التعایش السلمیّ على أساس المودّة مع غیر المسلمین؛ إذ إنّ تکلیفه (ع) رأسَ الدولة الإسلامیّة بالتزام تلک المحبّة والانفتاح والرحمة والوئام فی سیاساته، یُغنی باقی أفراد المجتمع عن تبیین وظائفهم فی التعامل فی ما بینهم.

- فی خطبة الجهاد لأمیر المؤمنین (ع): "وَلَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ کَانَ یَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَیَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِینَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ کَلْمٌ، وَلَا أُرِیقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا کَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ کَانَ بِهِ عِنْدِی جَدِیراً"[7].

لقد جعل الإمام (ع) النساء المعاهدات غیر المسلمات صنواً لنظیراتهنّ المسلمات فی وجوب الدفاع عنهنّ؛ حتّى بلغ به التأثّر من تعرّض أموالهنّ للنهب مبلغاً دعاه إلى تهوین الموت أسفاً أمام ذلک الخطب الجلل.

لذا، مع بزوغ فجر الإسلام وتبلور کیان المسلمین، وُجِدَت مجموعات لم تعتنق الإسلام ومع ذلک رفضت فکرة الرحیل عن دار الإسلام، فاختارت العیش بسلام فی أوساط المسلمین، مع أنّ السلطة التی کان یتمتّع بها الرسول الأکرم (ص) واتّساع نفوذ حکمه، کانت لتسمح له بفرض الإسلام علیها بالقوّة، ولکنّ تعالیم الإسلام -التی صرّحت بها آیاتٌ من القرآن الکریم- الدالّة على عدم جدوى الإیمان بالقهر والغلبة من جهةٍ، وما أشارت إلیه آیات سورة الممتحنة من جهةٍ أخرى، لم تحُل دونَ تورّط المسلمین فی أیّ شکلٍ من أشکال التوتّر والاشتباک فحسب؛ بل ألزمتهم بمراعاة حقوق الأقلّیّات غیر المسلمة، الأمر الذی استقطب کثیرین للدخول فی الدین الحنیف.

ومع اتّساع رقعة الإسلام، اعتنقت عدّةٌ من الأقلّیّات غیر المسلمة الدین الإسلامیّ مع مرور الزمن، بینما بقی آخرون على معتقداتهم متعایشین مع جیرانهم المسلمین، دون أن یشهد التاریخ الإسلامیّ -إلا فی بعض الحالات النادرة، والتی نشأت بتحریکٍ من تیّاراتٍ ومنظوماتٍ سیاسیّةٍ معیّنةٍ- انتفاض تلک الأقلّیّات غیر المسلمة تحت عناوین إحقاق الحقوق والمطالبة بالحرّیّات، ما یسلّط الضوء على مدى التزام المسلمین بالتوجیهات الإلهیّة فی الاهتمام بتلک الأقلّیّات التی لم ترَ حاجةً لإثارة تلک المطالب.

لقد أدّت حالة تعامل المسلمین السلمیّ مع الأقلّیّات غیر المسلمة وأتباع باقی الأدیان والمحافظة على خصوصیّتها الدینیّة إلى تمهید الأرضیّة لتعزیز التنوّع بین المذاهب والأدیان، الأمر الذی أفرز مسائل متشعّبة فی حقل نمط تعامل المسلمین وأدائهم فی هذا الخصوص.

 

أولاً: نظرة إلى المنظومات الحقوقیّة الدینیّة والإلهیّة:

إنّ تناول حقوق الأقلّیّات غیر المسلمة من الناحیة السیاسیّة فی ضوء الفقه السیاسیّ والمنظومة الحقوقیّة الإسلامیّة، یستدعی مقاربةً عابرةً للمنظومات الحقوقیّة الدینیّة والإلهیّة للکشف عن مزایا منظومة الإسلام الحقوقیّة بالمقارنة مع نظائرها من المنظومات الأخرى.

1. منظومة الیهود الحقوقیّة (حقوق التلمود):

رافق ظهور الدین الیهودیّ احتواء النصّ الأوّلیّ للتوراة على الشریعة والضوابط الاجتماعیّة، فی حین أنّ ما هو متداول فی أیّامنا هذه -بوصفه حقوقاً یهودیّة- لیس سوى "منظومة التلمود الحقوقیّة"، والتی صاغها علماء الیهود على أساس فهمهم للتوراة؛ إذ کان علماء الحقوق لدى الیهود یرون ضرورة استخراج کافّة الشؤون الاجتماعیّة من الوحی، لکنّهم اصطدموا بعدم شمولیّة أحکام التوراة لکافّة الأمور، الأمر الذی لا یلبّی حاجة المقنّن، ما مهّد الطریق عملیّاً لرجال الدین الیهود حتى یغیّروا نصّ التوراة ویفسّروه برأیهم. ومن هنا، أضیف إلى نصّ التوراة قوانین مستمدّة من التأویل والتفسیر[8].

2. المنظومة الحقوقیّة المسیحیّة والکنسیّة:

بناءً على ما أورده التاریخ وأیّده القرآن،لم یأتِ المسیح (ع) بمنظومة حقوقیّة جدیدة[9]؛ بل أمضى إلى حدٍّ کبیرٍ شریعة موسى (ع)، فلم یغیّر کثیراً من أحکام الیهود الدینیّة والاجتماعیّة مقتصراً على نسخ ذلک الجزء الذی حُرّم علیهم عقاباً لهم، وقد ورد ذِکْر هذا الأمر فی القرآن الکریم[10].

إذاً، یمکن القول إنّ المسیحیّة لم یکن لها منظومة حقوقیّة غیر تلک التی کانت لدى الیهود، ولکنّ عداوة الیهود تجاهَ أتباع المسیح (ع) من ناحیة، والتصوّر المسیحیّ القائم على أساس قتل المسیح بید الیهود من ناحیة أخرى- فضلاً عن عوامل أخرى[11]- ساهمت بمجموعها فی خلق التباین بین الطرفَین طوالَ التاریخ، ما دفع علماء المسیحیّة إلى تبنّی آراء مستقلّة فی میدان الحقوق والأحکام[12].

3. المنظومة الحقوقیّة الإسلامیّة:

وهی أکمل منظومة حقوقیّة دینیّة وإلهیّة، انبثقت من الکتاب والسنّة والعقل، ولاقت احتراماً من جمیع الأمم؛ لما تمتّعت به من مزایا بالمقارنة مع سائر المنظومات الأخرى؛ وهی الآتیة:

- "أنّها منظومة إلهیّة دینیّة منبثقة من الوحی"؛ لأنّ مرسلها رسول إلهیّ، خلافاً لسائر المنظومات الحقوقیّة التی تستقی فی أغلب قوانینها من نصّ الدین الإسلامیّ وتتماهى معه. وهذه حقیقة ثابتة حتى لدى الحقوقیّین الغربیّین، ویکتب "رینیه دافید" فی هذا الخصوص: "لا یمکن لأیّ باحث فی الشأن الإسلامیّ التغاضی عن منظومة الحقوق الإسلامیّة، فالإسلام فی جوهره -کالدین الیهودیّ- دین قانون، والحقوق الإسلامیّة، کما یقول "برغ إستراسر"، تمثّل خلاصة روح المسلم الحقیقیّ، وهی أجلى مظاهر الفکر الإسلامیّ والنواة الأصلیّة للإسلام"[13].

کما إنّ انبثاقها من الوحی یعنی وضع قواعدها الحقوقیّة من قبل الله -تعالى- ورسوله (ص) وجعلها فی نصّ الوحی القرآنیّ وغیره، دون أن یکون للمسلمین دور فی ذلک، وبما أنّ المقنّن الحقیقیّ للمنظومة الحقوقیّة فی الإسلام هو الله -تعالى- العالم بکافّة أبعاد الإنسان الوجودیّة ومساره التکاملیّ وعلاقته بالکون، فإنّ قواعدها الحقوقیّة قائمة على أسسٍ واقعیّةٍ راسخةٍ.

- "أنّها متعدّدة الأبعاد، شمولیّة ومتکاملة" (نتیجة واقعیّتها)، فلم یحُل اهتمام المنظومة الحقوقیّة الإسلامیّة بتنظیم علاقات البشر الحقوقیّة، دون تناول سائر الأبعاد الفردیّة والجسدیّة والروحیّة، واضعةً القوانین الحقوقیّة برؤیةٍ جامعةٍ لکافّة جوانب الإنسان الوجودیّة.

- تجلّی "السماحة والسهولة" فی المنظومة الحقوقیّة الإسلامیّة؛ فقد نُظِّمت الواجبات والتکالیف على قدر وُسع الأفراد وإمکاناتهم، کما جُعِل عدم التجسّس الأصل الأوّلیّ فی إثبات المخالفات[14]، وتطبیق "أصالة الصحّة" على سلوکیّات البشر، وبشکلٍ عامٍّ تشیر قواعد کثیرة إلى سماحة القوانین الإسلامیّة ویسرها؛ من قبیل: "لا حرج"، و"لا ضرر"، و"قاعدة الید"، و"سوق المسلمین"، و"أصالة البراءة"، و"حمل فعل المؤمن على الصحّة"، وغیرها، فضلاً عن أدلّةٍ عدیدةٍ أخرى على تلکما المیزتَین، منها قول الرسول الأکرم (ص): "لم یرسلنی الله -تعالى- بالرهبانیّة، ولکن بعثنی بالحنیفیّة السهلة السمحة"[15].

- "الأصالة والاستقلال وعدم الاقتباس"؛ فالأحکام والقوانین الحقوقیّة فی الإسلام مستمَدّة من الوحی وبلّغها الرسل للناس، الأمر الذی صان تشریع أحکامها وقوانینها من أیّ اقتباس من سائر المنظومات الحقوقیّة الأخرى، فقامت على أساس تأمین المنافع والمصالح ودرء المفاسد، دون أن یعنی ذلک عدم تطابق بعض تلک القوانین مع باقی الضوابط الحقوقیّة؛ إذ لعلّ البشر قد اکتشفوا قسماً من المصالح والمفاسد فی ضوء استنادهم إلى العقل السلیم، فوضعوا لها القوانین والضوابط، فعلى سبیل المثال: ثمّة بعض المخالفات والجرائم التی قبّحها العقل وذمّها، ورفضتها الشرائع الإلهیّة والقوانین البشریّة، ولکنّ وجود مثل تلک المشترکات فی کلتا المنظومتَین الحقوقیَّتَین لا یعنی تأثیرها فی الإسلام والأدیان الإلهیّة؛ بل هو تأکید على تقبّل منظومات المجتمعات البشریّة الحقوقیّة لتعالیم الأنبیاء السابقین[16].

 

ثانیاً: حقوق الأقلّیّات فی النظام الحقوقی الإسلامی:

1. واقع الأقلیّات ومکانتهم فی الاجتماع السیاسی:

فی الماضی کان یُنظَر إلى الأقلّیّات بوصفهم غرباء، وتختلف تحدیدات هذه النظرة؛ تَبَعاً لاختلاف الأنظمة والرؤیة السیاسیّة لکلّ دولة؛ ففی الأقالیم التی تحکمها الأنظمة العنصریّة یُعتبَر الغرباء کلّ من لا یتمثّل مع الحاکم أو الأکثریّة الحاکمة؛ دماً ولغةً، ولا یشارکهم فی سائر الخصائص العرقیّة الأخرى، أمّا فی الدول القائمة على السیاسات المذهبیّة، فیُطلَق "الغریب" على کلّ من لا یتّبع مذهب الحاکم أو أکثریّة الشعب.

وفی عصرنا الحاضر -حیث دُشِّنَت تبلورات انتماء کلّ دولة على أساس عناصر وطنیّةٍ معیّنةٍ- فیُعَدّ الأفراد الذین لا تنطبق علیهم الخصائص المذکورة غرباء وزمراً دخیلةً.

وقد وُسِمَ مفهوم "الغریب" فی الماضی بالانحطاط، دون أن یختلف فی عصرنا الحاضر، اللهمّ إلا أنّ تحدید مصداقه لدى الحکومات الغابرة کان یعود فی الماضی إلى رأی الحاکم الشخصیّ أو الهیئة الحاکمة، بینما أوکِل الأمر حالیّاً إلى قانونٍ تُقرّه الأکثریّة، وفی کلتا الحالتَین لا تتعدّى الأقلّیّة کونها مجموعةً دخیلةً، بل إنّها فی الحقیقة زمرة غریبة عن العنصر البشریّ المکوّن للدولة، ولا یربطها بالأکثریّة الشعبیّة أیّ وحدةٍ وطنیّةٍ؛ بل إنّ تلک الوحدة لا تتحقّق إلا من خلال تغییر الأقلّیّة لانتمائها.

وفی المقابل، لیس لمفهوم "الغریب أو الدخیل" أیّ مکانة فی منظومة الحقوق الإسلامیّة، وعلى الرغم من أنّ الانتماء فیها قائم على أساس الدین، فیمکن لأیّ فرد أو مجموعة دینیّة الالتحاق بالأمّة الإسلامیّة من خلال عقد معاهدةٍ "ذمّة"، الأمر الذی یؤدّی إلى تشکیل أمّة واحدة من مجموعات مختلفة متحالفة ذات انتماءات متعدّدة[17].

2. واقع الأقلّیّات ومکانتهم فی النظام الحقوقی الإسلامی:

لم یحمل الدین الإسلامیّ، الذی بزغ من شبه الجزیرة العربیّة وانتشر فی ربوع الأرض بالتدریج، السنن الحسنة التی کانت سائدةً قبل الإسلام فی حقل القوانین الدولیّة فحسب؛ بل أکّد على أرقى الأفکار الرائجة فی عصرنا الحاضر والتی تتبنّاها المجتمعات المتطوّرة، من خلال تقدیمها بأجمل الصور الممکنة فی منظومته الحقوقیّة، مع فارق أنّ تلک الضوابط الدولیّة التی کانت سائدةً فی الیونان أو الجزیرة العربیّة وغیرهما تمّ تقدیمها بوصفها أعرافاً وسلوکیّاتٍ بشریّة؛ لعدم اتّکائها على الدین والقیم الإلهیّة؛ ما حرمها من خصوصیّة الضمانة التنفیذیّة. ویمکن القول إنّ تلک الضوابط والقیم الإنسانیّة إنما حظیت بطابعها الدینیّ المستدام غیر القابل للتنصّل لأوّل مرّة بواسطة الإسلام.

لقد طرح الإسلام منذ بدایاته فکرة التعایش السلمیّ مع أتباع الأدیان الإلهیّة بإعلان عالمیّ؛ یقول -تعالى-: {قُلْ یَا أَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى کَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَلا یَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُون}[18].

وکان الرسول (ص) یزیّن بتلک الآیة أغلب رسائله التی کان یرسلها إلى ملوک العالم ممّن یؤمنون بالله.

وحظی الإسلام بالسبق فی الالتزام بالمعاهدات؛ فلا یمکن العثور على حالة نقضٍ واحدةٍ لمعاهدةٍ أُبرِمت بین المسلمین وأعدائهم طوالَ عصر الرسول (ص) وحتى فی عصر الخلفاء من بعده.

وأدان الإسلام بشدّةٍ شنّ الحروب لأغراض التوسّع أو نهب الثروات[19]، ولم یشرّع سوى الحروب التی تکون: {فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْیَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنکَ وَلِیّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنکَ نَصِیرً}[20].

وسَرَت سیرة الرسول (ص) العملیّة فی هذا المجال واقتفاء المسلمین والحکومات الإسلامیّة لها، فی أوساط أتباع الأدیان الإلهیّة الأخرى؛ لتترسّخ فکرة التعایش السلمیّ فیها، ولاسیّما لدى المسیحیّین الذین کانوا یرزحون تحت ضغط الکنیسة الشدید فی مجال حرّیّة الاعتقاد، التی کانوا محرومین منها حتى فی إطار الدین المسیحیّ نفسه، الأمر الذی تحوّل إلى رغبةٍ عارمةٍ فی صیاغة حقوق دولیّة، ولعلّ أبرز شاهدٍ على ذلک ما اعترف به علماء أوروبا خلال القرنَین السادس عشر والسابع عشر؛ من أمثال: جان جاک روسو، وولتر، وشوبنهاور، وغیرهم ممّن عکسوا تلک الحقیقة فی کتاباتهم[21].

 

ثالثاً: خصائص الرؤیة الحقوقیّة الإسلامیّة فی العلاقة مع غیر المسلمین:

نلاحظ -فی ضوء الفکر الإسلامیّ- أنّ الهدف الأساس والمحوریّ للحقوق الإسلامیّة یتمثّل فی إقامة العدل فی المجتمع البشریّ؛ وهو المبدأ الوحید المطروح بصورةٍ مطلقةٍ من دون أدنى قیدٍ أو شرطٍ، وتقوم علیه باقی المبادئ؛ کالحرّیّة والمساواة وغیرهما؛ فالحرّیّة فی الإسلام محترمة ما لم تخالف مبدأ العدالة، وعند تعارض أیّ أصلٍ مع أصل العدالة تقدّم الأخیرة علیها، من دون أیّ انتقاصٍ من أصل المحبّة والأخوّة بین المسلمین ودوره فی حلّ المشاکل الاجتماعیّة؛ لأنّ المحبّة أصلٌ أخلاقیٌّ لا یمکن للحکومة الإسلامیّة إجبار الناس علیه، خلافاً للعدالة التی تُعدّ أصلاً حقوقیّاً تطبّقه الحکومة الإسلامیّة فی تنظیم علاقاتها الداخلیّة والخارجیّة؛ کما ورد عن الإمام علی (ع): "العدل سائس عام والجود عارض خاص"[22].

لذا، تقوم علاقات المجتمع الإسلامیّ الداخلیّة والخارجیّة على أساس العدالة ورفض الظلم؛ یقول -تعالى- فی ما یخصّ الشقّ الأوّل: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَکُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِکُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[23]. وفی العلاقات الخارجیّة، یقول تعالى: {لا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُم مِّن دِیَارِکُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ}[24]. وقد أضاف الرسول (ص) فی معاهدته مع نصارى نجران العبارة الآتیة: "... من سأل منهم حقّاً فبینهم النصَف غیر ظالمین ولا مظلومین، على أن لا یأکلوا الربا، وعلیهم الجهد والنصح فی ما استقبلوا غیر مظلومین، ولا معنوف علیهم ولا یؤخذ منهم رجل بظلم آخر، ولهم على ما فی هذه الصحیفة جوار الله، وذمّة محمّد أبداً حتى یأتی أمر الله ما نصحوا وأصلحوا فی ما علیهم غیر مکلَّفین شیئاً بظلم"[25].

وعلیه، تنشأ کافّة الاختلافات النظریّة والعملیّة بین مدرسة الإسلام الحقوقیّة وباقی المدارس الحقوقیّة الأخرى من الرؤیة للعدالة التی تنبثق وفقَها حقوق الأفراد فی الحیاة الاجتماعیّة.

وفی المقابل، تتّخذ أنظمةٌ أخرى -کالرأسمالیّة والإمبریالیّة- التفوّق الطبیعیّ معیاراً للحقّ، فالساحة الدولیّة -کحیاة الأفراد- میدانٌ للصراع، وکلّ من یتمتّع بقدراتٍ أکبر لانتزاع حقوقه یحظى بالمقدار نفسه من الحقّ، والعکس بالعکس، والأمر الوحید الذی ینبغی مراعاته فی المشهد الدولیّ احتواء الصراعات والنزاعات الدولیَّة؛ منعاً لانهیار الأمن العالمیّ وانسداد أفق التعاون بین الأفراد والمجتمعات، وهو ما نشهده من خلال تصریحات بعض سیاسیّی القوى الکبرى التی ترکّز على المساواة بین الشعوب والحقوق، لکنّهم یلجؤون إلى استخدام حقّ النقض؛ خلافاً لادّعاءاتهم، ولعلّ أبرز مثالٍ على ذلک ما أثارته الولایات المتّحدة والدول الغربیّة (5+1) من جدلٍ طوالَ العقد الأخیر حول البرنامج النوویّ الإیرانیّ السلمیّ، واللافت أنّ الولایات المتّحدة مدفوعةً بجنون العظمة والغطرسة، ترى من حقّها الطبیعیّ وحقّ حلفائها -کإنجلترا وإسرائیل- امتلاک أسلحة الدمار الشامل واستخدامها، ناهیک عن تاریخها الأسود فی دعمها للعراق إبّان الحرب المفروضة على إیران وتزویده بمختلف أنواع الأسلحة، ما خلّف آلاف الضحایا الأبریاء الذین قضوا بالأسلحة الکیمیائیّة، وفی المقابل تقیم الدنیا ولا تقعدها؛ منعاً لسعی الشعب الإیرانیّ المسلم للحصول على التقنیة النوویّة؛ وذلک لاعتبارها السلطة والغلبة حقّاً بدیهیّاً لها، وعدم تحمّلها قبول أیّ حقّ فی الحیاة أو الاستقلال للشعوب الأخرى!

وأمّا الإسلام فیمتاز برؤیةٍ خاصّةٍ تقوم على نشوء الحقّ من علاقةٍ بین الشیء والشخص، تقوم على العناصر الآتیة:

- العلاقة الفاعلیّة: بمعنى العمل والجهد الذی یبذله الفرد من منطلق المسؤولیّة الاجتماعیّة فی إدارة المجتمع أو إنتاج شیءٍ ما (تلازم الحقّ والتکلیف).

- العلاقة الغائیّة: وهی الصلة التی تنشأ بمقتضى الخلق بین الشیء والفرد؛ بمعنى أنّ بارئ الکون ذرأ الثروات الطبیعیّة بهدف تلبیة حاجات الإنسان؛ ما یعنی تمتّع الجمیع بحقٍّ إلهیٍّ تجاهَ تلک الثروات، ما عدا الحالات التی یُحرَم فیها الفرد من بعضها؛ طبقاً للقانون الإلهیّ، وإلا فلا یحقّ لأیّ شخصٍ أو جهةٍ التفریط بحقوق الأفراد الآخرین.

وعلیه، تنتج الرؤیة الإسلامیّة للحقوق تمایزاتٍ مهمّة بین الحقوق الإلهیّة والحقوق الإنسانیّة؛ منها: تعامل الإسلام مع الأفراد الذین فقدوا القدرة والطاقة للسعی وبذل الجهد والعمل نتیجة تعرّضهم لإصاباتٍ طبیعیّةٍ؛ إذ تنظر إلیهم بعض المدارس الحقوقیّة نظرةً دونیّةً بوصفهم عالةً على المجتمع، حارمةً إیّاهم من حقوقهم القانونیّة والاجتماعیّة، دون الامتناع عن القضاء علیهم فی حال عدم وجود حالةٍ تطوّعیّةٍ لمساعدتهم ودعمهم، بینما یقرّر لهم الإسلام حقوقاً قانونیّةً بمقتضى العلاقة الغائیّة المنبثقة من طبیعة الخلق؛ کما یقول -تعالى-: {وَالَّذِینَ فِی أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[26].

ونستنتج ممّا سبق أنّ العدالة هی المعیار الأساس فی العلاقات الاجتماعیّة بشقَّیها الداخلیّ والخارجیّ مع المسلمین وغیرهم[27].

 

رابعاً: حقوق الأقلّیّات فی النظام الحقوقیّ الإسلامیّ بین الرؤیة والتطبیق:

          إنّ الرؤیة الإسلامیّة فی مجال الحقوق، ولاسیما حقوق الأقلّیّات قد تجسّدت بأکمل صورها وتطبیقاتها الواقعیّة فی حکومة الرسول الأکرم (ص) وحکومة الإمام علی (ع) من بعده (ص) التی هی امتداد واستمداد من الحکومة النبویّة المبارکة. وسوف نشیر إلى بعض النماذج من تطبیقاتحقوق الأقلّیّات فی هاتین المرحلتین من تاریخ الدولة الإسلامیّة.

1. حکومة الرسول الأکرم (ص):

أ. وثیقة المدینة أوّل معاهدة دولیّة فی الإسلام:

وهی أهمّ وأشمل معاهدةٍ عُقِدَت بین الرسول (ص) بصفته قائداً وحاکماً للمجتمع الإسلامیّ من جهةٍ، والمجموعات الأخرى من أهل الکتاب والمشرکین من جهةٍ أخرى. وقد صیغَت هذه المعاهدة عند بدء دخوله (ص) المدینة، بهدف حفظ الأمن الداخلیّ والخارجیّ لکافّة المجموعات التی کانت تعیش فی تلک المدینة، ما جعلها طافحةً بالکنوز المعرفیّة من نواحی الشمول والإتقان والمواکبة للمبادئ الإنسانیّة.

وبما أنّ المعاهدة تحوی بعض الضوابط الداخلیّة الخاصّة بالمسلمین، فقد صرفنا النظر عنها مکتفین بما یلائم بحثنا، من خلال تناول الحقوق السیاسیّة للأقلّیّات غیر المسلمة[28]:

- یشکّل الموقّعون على الوثیقة أمّةً واحدةً یسعى بعضهم فی سعادة الآخر[29].

- المهَاجِرُون من قُرَیْش عَلَى رِبْعَتِهِمْ یَتَعَاقَلُونَ، وکُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِی عَانِیَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَیْنَ الْمُؤْمِنِینَ[30].

- وَإِنّ الْمُؤْمِنِینَ لَا یَتْرُکُونَ مُفْرَحاً بَیْنَهُمْ أَنْ یُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِی فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ.

- وَإِنّ ذِمّةَ اللّهِ وَاحِدَةٌ یُجِیرُ عَلَیْهِمْ أَدْنَاهُمْ.

- وَإِنّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنْ یَهُودَ فَإِنّ لَهُ النّصْرَ وَالْأُسْوَةَ غَیْرَ مَظْلُومِینَ وَلَا مُتَنَاصَرِینَ عَلَیْهِمْ.

- وَإِنّهُ لَا یَحِلّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرّ بِمَا فِی هَذِهِ الصّحِیفَةِ وَآمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ أَنْ یَنْصُرَ مُحْدِثاً وَلَا یُؤْوِیهِ وَإِنّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنّ عَلَیْهِ لَعْنَةَ اللّهِ وَغَضَبَهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ. ولَا یُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ[31].وَلَا یَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِناً فِی کَافِرٍ وَلَا یَنْصُرُ کَافِراً عَلَى مُؤْمِنٍ.

- وَإِنّکُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِیهِ مِنْ شَیْءٍ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ[32].

- لِلْیَهُودِ دِینُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَیْنِ دِینُهُمْ.

- وَإِنّهُ لَا یُنْحَجَزُ عَلَى ثَأْرٍ جُرْحٌ وَإِنّهُ مَنْ فَتَکَ فَبِنَفْسِهِ فَتَکَ وَأَهْلِ بَیْتِهِ إلّا مَنْ ظَلَمَ، وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَبَرّ هَذَا. وَإِنّهُ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِناً قَتْلاً عَنْ بَیّنَةٍ فَإِنّهُ قَوَدٌ بِهِ إلّا أَنْ یَرْضَى وَلِیّ الْمَقْتُولِ، وَإِنّ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ کَافّةً وَلَا یَحِلّ لَهُمْ إلّا قِیَامٌ عَلَیْهِ[33].

- وَإِنّ الْیَهُودَ یُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِینَ مَا دَامُوا مُحَارَبِینَ.

- وَإِنّ الْمُؤْمِنِینَ الْمُتّقِینَ عَلَى أَحْسَنِ هُدًى وَأَقْوَمِهِ.

- وَإِنّهُ لَمْ یَأْثَمْ امْرُؤٌ بِحَلِیفِهِ وَإِنّ النّصْرَ لِلْمَظْلُومِ.

- وَإِنّ یَهُودَ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِینَ مَوَالِیهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا یُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَیْتِهِ.

- وَإِنّ عَلَى الْیَهُودِ نَفَقَتَهُمْ وَالنّصِیحَةَ وَالْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ.

- وَإِنّ یَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِیفَةِ.

- وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِی هَذِهِ الصّحِیفَةِ وَأَبَرّهِ.

- وَإِنّهُ لَا تُجَارُ قُرَیْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا[34].

- وَإِنّ بَیْنَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ یَثْرِبَ، وَإِذَا دُعُوا إلَى صُلْحٍ یُصَالِحُونَهُ وَیَلْبَسُونَهُ فَإِنّهُمْ یُصَالِحُونَهُ وَیَلْبَسُونَهُ، وَإِنّهُمْ إذَا دُعُوا إلَى مِثْلِ ذَلِکَ فَإِنّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ إلّا مَنْ حَارَبَ فِی الدّینِ[35].

- وَإِنّ اللّهَ جَارٌ لِمَنْ بَرّ وَاتّقَى.

- وَإِنّهُ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌ بِالْمَدِینَةِ، إلّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ.

- وَإِنّهُ لَا یَحُولُ هَذَا الْکِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَآثِم.

- وَإِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ لَا یَکْسِبُ کَاسِبٌ إلّا عَلَى نَفْسِهِ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِی هَذِهِ الصّحِیفَةِ وَأَبَرّهِ.

ب. معاهدة الصلح الدائم مع نصارى نجران:

من معاهدات الرسول (ص) الدولیّة الأخرى، ما عقده مع نصارى نجران؛ فقد جرت مباحثات کثیرة بین الطرفَین حول أحقّیّة الإسلام، لتصل إلى طریق مسدود؛ ما دفعهما إلى اللجوء للمباهلة والرضى بالحکم الإلهیّ، الأمر الذی عنى تعرّض أحدهما للفناء، إلا أنّ خشیة أحبار النصارى من المصیر المظلم الذی کان ینتظرهم، ردعهم عن القیام بمراسم المباهلة، حیث خاطبهم أسقفهم قائلاً لهم: "إنّی لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن یزیل جبلاً من مکانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلکوا، ولا یبقى على وجه الأرض نصرانیّ إلى یوم القیامة، وقال النبی (ص): والذی نفسی بیده لو لاعنونی لمسخوا قردة وخنازیر، ولاضطرم الوادی علیهم ناراً، ولما حال الحول على النصارى حتى هلکوا کلّهم"[36].

لقد دفع الذعر من الاستئصال نصارى نجران إلى الامتناع عن المباهلة والرضوخ إلى التسویة من خلال القبول بمعاهدةٍ تعهّدوا فیها بدفع الجزیة ضرائبَ للدولة الإسلامیّة، وفی المقابل التزم الرسول (ص) بتحمّل مسؤولیّة الدفاع عنهم ومنع إلحاق أیّ ظلمٍ تجاهَهم من المسلمین، والسماح لهم بأداء شعائرهم الدینیّة بحرّیّة، وغیرها[37].

وبناءً على ما تقدّم، یمکن ردّ ادّعاءات بعض الکتّاب بأنّ الحقوق الدولیّة ظاهرة غربیّة تعود بجذورها إلى معاهدات فرسای[38] وباقی المعاهدات التی عقدتها کلٌّ من إنجلترا وفرنسا[39]، والثورات التی قامت فی تلک الدول (أو هی فی حدّها الأدنى مستمدّة من قوانین روما القدیمة)! لأنّ هذه الدعاوى تفتقر إلى دلیل ولا تنسجم مع الوقائع؛ إذ لا یعنی امتلاء ذاکرة التاریخ بالمآسی والجرائم الفردیّة والجماعیّة عدم اعتراف المجتمعات البشریّة -ولاسیّما عامّة الناس- بالحقوق الدولیّة؛ بل تشهد دراسة التاریخ باهتمام البشر منذ القدم بتلک الحقوق، حتى إنّ ثمّة دلائل تشیر إلى إبرام قوى السلطة معاهداتٍ لتنفیذ تلک الحقوق.

فضلاً عن أنّ صیاغة الحقوق الدولیّة بشکلها الحالیّ جاءت نتیجةَ نموّ الحضارة وتطوّر العلوم وضرورات العصر، ولکنّ مرتکزاتها ومبادئها کانت راسخةً فی المجتمعات المختلفة حول العالم؛ لأنّ کافّة ألوان الجرائم وأنواع الجور تمثّل حرکةً مخالفةً لفطرة العدالة التی جُبِل علیها الطبع البشریّ، وفاقاً لقول الإمام علیّ (ع): "فبَعَثَ فِیهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَیْهِمْ أَنْبِیاءَهُ، لِیَسْتَأْدُوهُمْ مِیثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَیُذَکِّرُوهُمْ مَنْسِیَّ نِعْمَتِهِ"[40].

فلم یزل تحقیق العدل والقسط هو الغایة من إرسال الرسل[41]- کما عبّر القرآن الکریم- الذین کانوا یتوخّون إجراء العدالة وتحقیق القیم الفردیّة والاجتماعیّة من خلال التذکیر بمواثیق الفطرة وإحیاء دوافعها، حتى إنّ القوانین الدولیّة السائدة فی عصرنا الحاضر استمدّت عناصر وجودها واستمراریّتها من وثیقة المدینة، على الرغم من الاختلاف الکمّیّ والکیفیّ معها، وهو أمر طبیعیّ نتیجةَ الفاصل الزمنیّ الشاسع بین تاریخَی ظهور تلک القوانین والقانون الإسلامیّ.

وقد شرّع الإسلام قانونه فی ظروفٍ لم یکن فیها أثرٌ أو خبرٌ عن شیء اسمه قانون أو معاهدة دولیّة مکتوبة -ولو بصورةٍ بدائیّة- فلم یکن قد طرق سمع البشر نظیرٌ للقانون الإسلامیّ، حتى إنّ أجیالاً متمادیة مرّت دون أن تکون آباؤها نقلت إلیها شیئاً بهذا الاسم؛ ما یشیر إلى أنّ قانون الإسلام کان فذّاً ومبتکراً لم یسبقه ما یشبهه، فلم یقتبس من أیّ قانونٍ آخر.

وفی المقابل، لم تظهر القوانین والحقوق الدولیّة فی الغرب بصورتها المکتوبة؛ إلا بعد قرونٍ من ظهور القانون الإسلامیّ وانتشاره فی أجزاء واسعة من المجتمعات البشریّة وفی أوساط ملایین البشر، توارثها الأبناء عن آبائهم.

وقد أثبت علم الاجتماع أنّ ظهور أمرٍ إلى حیّز الوجود واستقراره وثباته یشکّل أهمّ عاملٍ مساعدٍ لظهور ما یشابهه؛ إذ کلّ سُنّةٍ اجتماعیّةٍ سابقةٍ تمثّل تربةً فکریّةً ملائمةً للسُنَن الشبیهة اللّاحقة؛ بل إنّ الثانیة ما هی إلا شکلٌ متحوّلٌ للأولى؛ الأمر الذی یحول دون إنکار أیّ عالم اجتماع حقیقة أنّ القوانین الحدیثة المدوّنة فی حقل العلاقات الدولیّة قد استعانت بقانون الإسلام المکتوب؛ بل قد تکوّن ذلک القانون نفسه مع بعض التغییرات الصوریّة والظاهریّة (التی قد تکون صحیحةً أحیاناً وخاطئةً فی أحیانٍ أخرى)[42].

لذا فإنّ من المستغرب القول إنّ القوانین الحدیثة هی من بنات أفکار الغرب وابتکاراته، دون أن تکون استمدّت مادّتها من أیّ مکانٍ آخر، أو اقتبستها من قوانین روما القدیمة، علماً أنّ قانون الإسلام یقع وسطاً بین القانونَین المذکورَین (قانون روما القدیمة والقانون الغربیّ الحدیث) من ناحیتَی النشوء والسریان العملیّ، ورسّخت جذورها فی أوساط الملایین، إن لم نقل مئات الملایین من البشر، الأمر الذی یجعل من المستحیل تصوّر انعدام تأثیر مثل ذلک القانون فی أفکار المقنّنین الغربیّین، وهو ما نلاحظه فی کثیرٍ من الموارد؛ کقوانین الإرث، والوصیّة، وغیرهما[43].   

2. حکومة الإمام علی (ع):

لا یفصل الإسلام بین الجوانب الاعتقادیّة ونظائرها العلمیّة والعملیّة؛ إذ یدفع الإیمان بالصفات الإلهیّة الفرد لیرنوَ بعین القلب عمیقاً نحو نقطة الکمال المطلق فی سیرورته الباطنیّة والظاهریّة نحوها؛ ما ینعکس تمثّلاً بالأخلاق الإلهیّة فی سلوکیّاته وعمله.

ویُعدّ أصل "العدل" من المبادئ التی أکّد علیها القرآن الکریم کثیراً حتى صار فی عداد الأصول العقدیّة لدى الإمامیّة، وحین تترسّخ هذه العقیدة فی قلب کلّ مسلمٍ ومجتمعٍ إسلامیٍّ، یتیسّر أمر تطبیقه فی شتّى جوانب الحیاة؛ ما یوجّه المسلمین نحو الإدارة السلیمة فی الأعمال، ونشر لواء العدل والقسط على مستوى العالم کلّه، لا على مستوى الدول الإسلامیّة فحسب.

فقضیّة العدالة من الأهمّیّة بمکان؛ حیث لا یمکن لأیّ عاملٍ الحؤول دون تحقیقها؛ فلا مکان للعداوات والصداقات، والقرابات والصلات جمیعاً فی تحدیدها أو التأثیر فیها، وکلّ انحرافٍ عنها بمنزلة اتّباعٍ لهوى النفس، کما یقول تعالى: {یَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ بِمَا نَسُوا یَوْمَ الْحِسَابِ}[44].

وقد نهت آیات کثیرة من القرآن الکریم عن الظلم والتعدّی حتى بحقّ الأعداء الشخصیّین أو الدینیّین، وأکّدت على الاقتصار على الردّ بالمثل على المشرکین ومن یحاربون المسلمین[45]، یقول -تعالى-: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوَّامِینَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[46]؛ حیث تتضمّن الآیة المفاهیم الآتیة:

- تطبیق العدل سبیل بلوغ التقوى.

- الالتزام بالعدل والإنصاف فی السلوک حتى فی العداوة مع الآخرین.

- الالتزام بتقوى الله فی القول والفعل واستشعار حضور الباری فی کلّ حالٍ.

- مراعاة العدل والإنصاف مع العدوّ[47].

وقد أکّد الأئمّة المعصومون (عله) على هذا الأمر، فقد رُوِی عن الإمام علی (ع) أنّه قال: "العدل أساسٌ به قِوامُ العالَم"[48]، "إنّ العدلَ میزان الله سبحانه الذی وضعه فی الخلق ونصبه لإقامة الحقّ، فلا تخالفه فی میزانه ولا تعارضه فی سلطانه"[49].

فالعاقل یهتمّ بتطبیق العدل، ولمّا سُئل علیّ (ع): "صِف لنا العاقل"، قال: "هو الذی یضع الشیء مواضعه"، فقیل فصِف لنا الجاهل فقال: "قد فعلت". فالجاهل یثیر المتاعب ویخلق الفوضى؛ بسبب مخالفته للعدل والعقل فی سلوکیّاته[50].

إنّ نطاق العدل واسعٌ یشمل حقوق الأقلّیات الدینیّة، فقد روى یاسر الخادم: "کُتِب من نیسابور إلى المأمون: أنّ رجلاً من المجوس أوصى عند موته بمالٍ جلیلٍ یُفَرَّق فی المساکین والفقراء، ففرَّقه قاضی نیسابور فی فقراء المسلمین، فقال المأمون للرضا (ع): ما تقول فی ذلک؟ فقال الرضا (ع): إنّ المجوس لا یتصدّقون على فقراء المسلمین، فاکتب إلیه أن یُخرِج بقدر ذلک من صدقات المسلمین فیتصدَّقَ به على فقراء المجوس"[51].

ومن مظاهر تحقّق تلک العدالة، ما نُقِل من موقف أمیر المؤمنین (ع) أثناء خلافته تجاهَ الغارة التی شنّها البغاة من أصحاب معاویة وانتزاعهم خلخالاً من رجل امرأةٍ یهودیّةٍ؛ حیث عبّر (ع) عن أساه واستنکاره بالقول: "وَلَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ کَانَ یَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالْأُخْرَى المُعَاهَدَةِ، فیَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرِعَاثَهَا، ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالْإِسْتِرْجَاعِ وَالْإِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِینَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ کَلْمٌ، وَلاَ أُرِیقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا کَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ کَانَ بِهِ عِنْدِی جَدِیراً"[52].

ولیس أدلّ من تلک العبارات على مکانة العدل فی الإسلام حتى تدفع تلک الحادثة خلیفة المسلمین یرى جدارة الموت أسفاً على انتزاع الحلیّ من ید امرأةٍ یهودیّةٍ ورِجلها.

إذاً، یمکننا القول إنّ صون العدالة فی المجتمع وصون مصالحه مقدَّمٌ على المصالح الشخصیّة عند التزاحم بینهما، وعلى المسلمین والمؤمنین بذل ما بوسعهم للأخذ بید حاملی رایة الله ورسوله (ص) والصالحین من عباده لتحقیق العدالة فی المجتمع الإسلامیّ؛ تطبیقاً لأهداف الرسل الإلهیّین.

ومن النماذج الأخرى للسلوک العادل والمنصف تجاهَ الأقلّیات الدینیّة فی عصر علیّ (ع): "مرّ شیخٌ مکفوفٌ کبیرٌ یسأل، فقال أمیر المؤمنین (ع): ما هذا؟ قالوا: یا أمیر المؤمنین! نصرانیّ، فقال أمیر المؤمنین (ع): استعملتموه حتى إذا کبر وعجز منعتموه؟ أنفِقوا علیه من بیت المال"[53].

إذاً، یوجّه رأس الحکومة الإسلامیّة -باعتباره أسوةً للمسلمین کافّةً- الحکومة وعامّة المسلمین إلى تحمّل مسؤولیّة تأمین سبل العیش لغیر المسلمین الذین یعیشون فی ظلّ الحکومة الإسلامیة، وتخصیص دعمٍ لهم من بیت المال.

وتشیر آیاتٌ من القرآن الکریم إلى محوریّة العدل والقسط فی تشریع الأحکام الإسلامیّة، حتى بلغت حدّاً یوجب السعی إلى الحیلولة دون إلحاق أیّ ضررٍ بالجمیع -حتى الکفّار- فی حالات الکوارث الطبیعیّة[54].

وتعدّ تلک الأحکام الإسلامیّة -بحقٍّ- نوعاً من الإعجاز وآیةً على أحقّیّة دعوة الرسول (ص) الذی بذل أقصى ما یمکن لإحقاق الحقّ؛ وهو الذی نشأ وترعرع فی بیئةٍ لم تکن تحترم مال الآخر أو دمه، الأمر الذی جعل من هذا الأصل حجر الأساس فی الفقه السیاسی الذی یقارب برامج المجتمع الإسلامیّ الاجتماعیّة والسیاسیّة والعسکریّة والاقتصادیّة، ما ینبغی جعله أصلاً أساساً ناظماً للعلاقات المتبادلة بین المسلمین وغیرهم؛ لأنّ المجتمع المتطوّر والمتفوّق والعزیز والقویّ هو ذلک المجتمع الذی یعتمد على نفسه ویقف على رجلَیه دون الاعتماد على أیّ أحدٍ آخر، کما وصف الباری عزّ وجلّ فی الآیة 29 من سورة الفتح: {فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ}[55]؛ فمَثَل ذلک المجتمع کَمَثَل النبتة الخضراء التی تستند على ساقها ولا تحتاج إلى أیّ عاملٍ مساعدٍ آخر فی استمراریّتها ونموّها؛ فالمجتمع الإسلامیّ یعقد علاقاته مع الآخرین على أساس احترام العدل والمصالح المشترکة؛ استلهاماً من قوله تعالى: {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[56].

    

خامساً: دستور الجمهوریّة الإسلامیّة فی إیران والأقلّیات غیر المسلمة:

وُضِع دستور الجمهوریّة الإسلامیّة فی إیران من قبل أساطین علماء المسلمین وفقهاء الشیعة فی القرن العشرین، وأقرّه الولیّ الفقیه الجامع للشرائط؛ الأمر الذی یجعل من مقاربته لموضوع الأقلّیّات انعکاساً لرؤیة الإسلام بواقعیّةٍ وعملیّةٍ.

إنّ إلقاء نظرة على الکتابات الحقوقیّة ومواثیق حقوق الإنسان تبیّن تعاملها مع الأقلّیّات تحت عناوین عرقیّة وقومیّة ولغویّة، فیما تحاشى دستور الجمهوریّة الإسلامیّة استعمال مصطلح الأقلّیّات فی الإشارة إلى المکوّنات الإیرانیّة التی تتمیّز بخصائص عرقیّة وقومیّة ولغویّة مختلفة عن سائر المواطنین، ولعلّ الحکمة من ذلک عدم اعتبار تلک العناصر معاییر للتمییز من المنظور الإسلامیّ؛ إذ إنّ معیار الأفضلیّة، فی ضوء الأصول الإسلامیّة، التقوى[57] والعلم[58].

لقد اعترف الدستور بالأدیان الزرادشتیّة والیهودیّة والمسیحیّة بشکلٍ رسمیٍّ؛ باعتبارها الأقلّیّات الدینیّة الوحیدة المعتبرة؛ لأنّها أدیان توحیدیّة وصف القرآن الکریم أتباعها بأهل الکتاب، وحظیت باحترامٍ خاصٍّ منذ صدر الإسلام؛ فعقائد أتباع تلک الأدیان الثلاثة التی تملک کتباً سماویّةً -وإن فقد بعضها فیما بعد- محترمة؛ لأنّ القیم فی المجتمع الإسلامیّ قائمة على المرتکزات العقدیّة، لا على الخصائص الطبقیّة والعرقیّة وأمثالها، کما إنّ احترام الإسلام لأتباع تلک الأدیان ناتج عن احترامه لأنبیائها ورسلها.

ولا یتبنّى الإسلام القول بتمتّع الأدیان السابقة بالخلود؛ بل بتعرّضها للنسخ على الترتیب، حتى بلغت مرحلة التکامل فی أجلى صورها عبر الإسلام، ومع ذلک کلّه فقد تعامل الإسلام مع الأقلّیّات الدینیّة؛ بوصفها حلیفةً فی مواجهة المشرکین، ووضع الأحکام الإسلامیّة على أسس التعایش السلمیّ مع أهل الکتاب فی إطار عهد الذمّة، ولم یعتبرهم دخلاء أبداً[59].

1. حقوق ممیّزة للأقلّیّات الدینیّة فی الدستور:

حدّد دستور الجمهوریّة الإسلامیّة فی إیران -المنبثق من القواعد الأساس للفقه الشیعیّ- حقوقاً خاصّةً للأقلّیات الدینیّة فی المجتمع الإسلامیّ، فقد أکّدت المادّة الثالثة من الدستور على تمتّع المواطنین بحقوقٍ متساویة، مبیّنةً الآلیّات اللّازمة لتحقیق ذلک من خلال:

- محو أیّ مظهر من مظاهر الاستبداد والدیکتاتوریة واحتکار السلطة (الفقرة 6).

- ضمان الحرّیّات السیاسیّة والاجتماعیّة فـی حدود القانون (الفقرة 7).

- إسهام عامّة الناس فـی تقریر مصیرهم السیاسیّ والاقتصادیّ والاجتماعیّ والثقافیّ (الفقرة 8).

- رفع التمییز غیر العادل، وإتاحة تکافؤ الفرص للجمیع فـی المجالات المادّیّة والمعنویّة کلّها (الفقرة 9).

- ضمان الحقوق الشاملة للجمیع؛ نساء ورجالاً، وإیجاد الضمانات القضائیّة العادلة لهم، ومساواتهم أمام القانون (الفقرة 14).

- الإیرانیّون الزرادشت والیهود والمسیحیّون هم وحدهم الأقلّیّات الدینیّة المعترف بها، وتتمتّع بالحرّیّة فـی أداء مراسمها الدینیّة ضمن نطاق القانون. ولها أن تعمل وفق قواعدها فـی الأحوال الشخصیّة والتعالیم الدینیةّ (المادة الثالثة عشرة).

- على حکومة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وعلى المسلمین أن یعاملوا الأشخاص غیر المسلمین بالأخلاق الحسنة والقسط والعدل الإسلامیّ، وأن یراعوا حقوقهم الإنسانیّة. تسری هذه المادة على الذین لا یتآمرون ولا یقومون بأیّ عمل ضدّ الإسلام أو ضدّ الجمهوریّة الإسلامیّة الإیرانیّة (المادّة الرابعة عشرة).

- حمایة القانون تشمل جمیع أفراد الشعب -نساء ورجالاً- بصورة متساویة، وهم یتمتّعون بجمیع الحقوق الإنسانیّة والسیاسیّة والاقتصادیّة والاجتماعیّة والثقافیّة ضمن الموازین الإسلامیة (المادّة العشرون).

- شخصیة الأفراد وأرواحهم وأموالهم وحقوقهم ومساکنهم ومهنهم مصونة من التعرّض؛ إلا فـی الحالات التی یجیزها القانون (المادّة الثانیة والعشرون).

- تمنع محاسبة الناس على عقائدهم، ولا یجوز التعرّض لأحد أو مؤاخذته لمجرّد اعتناقه عقیدة معیّنة (المادة الثالثة والعشرون).

- الأحزاب، والجمعیّات، والهیئات السیاسیّة، والاتّحادات المهنیّة، والهیئات الإسلامیّة، والأقلّیّات الدینیّة المعترف بها، تتمتّع بالحرّیّة؛ بشرط ألا تناقض أسس الاستقلال، والحرّیّة، والوحدة الوطنیة، والقیم الإسلامیة، وأساس الجمهوریة الإسلامیة، کما لا یمکن منع أیّ شخص من الاشتراک فیها، أو إجباره على الاشتراک فـی أحدها (المادة السادسة والعشرون).

وعلیه، "إنّ النصّ على مذهب الشیعة مذهباً رسمیّاً فی إیران لم یقلّل من مستوى الاحترام تجاهَ الأقلّیات الدینیّة فی الجمهوریّة الإسلامیّة، فهی تتمتّع بحقوق المواطنة کاملةً، ولا تواجه أیّ مشاکل داخلَ الوطن. لقد منح الدستور الشرعیّة للأقلّیات الدینیّة؛ کالیهود والنصارى والزرادشتیّین مستنداً إلى حمایة الإسلام لتلک الأدیان منذ أوائل ظهوره، کما أطلقت علیهم کتبنا الفقهیّة اسم "أهل الکتاب".

وفی المقابل، حالَ المجلس دونَ الاعتراف ببعض المذاهب المصطنعة من قبل الاستعمار؛ رافضاً کلّ المحاولات الداخلیّة والخارجیّة فی هذا الخصوص، بینما أتاح المجال لأتباع سائر المذاهب الإسلامیّة والأدیان من أهل الکتاب أن یتمتّعوا بحقوق المواطنة وحرّیّة إقامة شعائرهم ومراسیمهم وأحوالهم الشخصیّة (کالزواج والطلاق). وأمّا فی حقل الحقوق العامّة المتعلّقة بالمجتمع ککلٍّ، فمن الطبیعیّ التزام الجمیع بقانونٍ جامعٍ وشاملٍ"[60].

2. رؤیة الإمام الخمینیّ (قده) فی مکانة الأقلّیّات الدینیّة فی المجتمع الإسلامیّ:

قبل انتصار الثورة الإسلامیّة المبارکة، صرّح مؤسّس الجمهوریّة الإسلامیّة الإمام الخمینیّ (قده) فی کلمةٍ له تعرّض من خلالها لموضوع حقوق الأقلّیّات غیر المسلمة فی إیران بالآتی: "لقد أطلقوا حملةً إعلامیّةً فی ما یخصّ الأقلّیّات زاعمین أنّ قیام حکومةٍ إسلامیّةٍ یعنی إساءة معاملة الیهود والمسیحیّین والزرادشتیّین وارتکاب المجازر بحقّهم! وهذا الکلام فی منتهى الخطأ؛ لأنّنا عند قیام حکومةٍ إسلامیّةٍ -إن شاء الله- سندعو أولئک الیهود (الإیرانیّین)، الذین هجروا دیارهم وتوجّهوا إلى إسرائیل، ویعانون الأمرَّین هناک، للعودة إلى بلادهم؛ حیث سیلقون أفضل معاملةٍ"[61].

وفی إحدى المقابلات، سئل الإمام (قده): "کما تعلمون، فقد عاش أهل الکتاب لسنین طویلة إلى جانب المسلمین فی ظلّ احترام متبادل، والآن ونحن نشهد الحرب اللّبنانیّة ونتائجها، ما رأی سماحتکم فی هذا الخصوص؟"

فأجاب (قده) قائلاً: "کلّ من لدیه أدنى اطّلاعٍ على الإسلام، یعلم أنّ الإسلام لم ینظر إلى الأقلّیّات الدینیّة وأتباع سائر المذاهب الأخرى بریبةٍ؛ بل لطالما تعامل معهم على أساس الاحترام، وکلّ الحملات الدعائیّة التی تدّعی خلاف ذلک یقف وراءها أعداء الإسلام"[62].

وسنکتفی بذکر أنموذجَین عملیَّین لوفاء الإمام الخمینیّ (قده) بوعوده التی أطلقها قبل انتصار الثورة؛ مصداقاً للآیتَین الکریمتَین: {الَّذِینَ إِنْ مَکَّنَّاهُمْ فِی الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّکَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْکَرِ}[63] و{والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عاهدوا}[64].

أ. تصریح نائب الیهود الإیرانیّین فی مجلس الشورى الإسلامیّ:

"تشترک الأقلّیّة الیهودیّة مع کافّة أتباع الأدیان والقومیّات الأخرى فی هواجسها وتطلّعاتها المتمثّلة بالحفاظ على سیادة البلاد، وصون کرامة المواطن، واحترام حقوقه، والسیر باتّجاه التنمیة المتوخّاة، وتحقیق عزّة الشعب الإیرانیّ، وترسیخ هویّته الوطنیّة على المستوى الدولیّ. أمّا فی ما یتعلّق ببعض المشکلات التی تواجهنا فهناک شواهد طیّبة نحو إیجاد حلولٍ لها، فی ظلّ توجیهات سماحة السیّد القائد (الخامنئی)، ومتابعة رؤساء السلطات الثلاث"[65].

ب. الدکتور سلیم جریصاتی (وزیر العمل اللبنانی الأسبق وأستاذ کلّیّة الحقوق والعلوم السیاسیّة بالجامعة اللّبنانیّة):"لقد تشرّفنا بزیارة الجمهوریّة الإسلامیّة فی إیران برفقة فخامة الرئیس ]السابق[ للدولة اللّبنانیّة العماد إمیل لحّود؛ بناءً على دعوةٍ کریمةٍ من سیادة رئیس الجمهوریّة الإسلامیّة الإیرانیّة الدکتور أحمدی نجاد، وتسنّى لنا مشارکة الرئیس لحّود فی برنامجٍ مکثّفٍ من اللّقاءات مع کبار المسؤولین فی الدولة، والزیارات لأبرز مدنها ومناطقها، والالتفات إلى أوضاع المسیحیّین فیها، ولاسیّما الأرمن منهم فی العاصمة طهران، حیث التقینا سیادة المطران سیبوه سرکیسیان (مطران طائفة الأرمن الأرثوذکس فی طهران وشمال إیران) الذی أکّد لنا أنّ أرمن إیران هم إیرانیّون من أصلٍ أرمنیٍّ، وقد تعایشوا مع إخوانهم فی المواطنة منذ قرون، فحافظوا على تقالیدهم ومعتقداتهم وإیمانهم وقومیّتهم، معتبرین أنّ وجودهم هو بحدّ ذاته کنزٌ للمجتمع الإیرانیّ، وشرح المطران أنّ للأرمن فی إیران ثلاث أبرشیّات فی طهران وأصفهان وتبریز؛ حیث تتواصل العائلات بعضها مع بعض"[66].

 

خاتمة:

بالاستناد إلى ما تقدّم فی هذه المقالة یمکننا استنتاج الآتی:

1. لقد بزغ فجر الإسلام فی عصرٍ لم تضرب فیه الرذائل الأخلاقیّة والانحرافات العقدیّة والفساد بأطنابها فی الجزیرة العربیّة فحسب؛ بل شملت العالم کلّه، لیُرخی الظلم والجور بظلالهما على العلاقات الإنسانیّة، فوضع الإسلام أسس أرقى الضوابط الناظمة للعلاقات الإنسانیّة.

2. إنّ ما یتمیّز به الإسلام من سعة أفق واحترام لحقوق الإنسان ودرجة الإنسانیّة، دعاه إلى اتّخاذ القیم الروحیّة والإنسانیّة وحدها معیاراً لإقامة العلاقات السلیمة بین المسلمین وأتباع باقی الأدیان والملل الأخرى، قاطعاً الطریق أمام تدخّل عوامل أخرى فی تکوین تلک العلاقات؛ کالعرق واللّغة واللّون والقومیّة والمصالح الفئویّة الأخرى.

3. فی ضوء محوریّة أصل التوحید ومکانة القیم الروحیّة والأخلاقیّة، عدّ القرآن الکریم، بوصفه المصدر الأساس لفقه الإسلام السیاسیّ، کلّاً من الإیمان والعمل الصالح الضمانة الوحیدة لسعادة البشر، جاعلاً منهما المعیار لتمییز المؤمنین عن غیرهم، وفی ضوء تلک الرؤیة یعدّ أصل حفظ عزّة الإسلام وسیادته والاحترام المتبادل وعدم الرضوخ للغیر شرطاً أساساً لإقامة العلاقات واستمراریّتها.

4. فی فقه الإسلام السیاسیّ، نُظِّمت العلاقات الاجتماعیّة بین المسلمین والأقلّیّات وأهل الکتاب طوالَ تاریخ الإسلام على أساس تعامل المسلمین حکوماتٍ وأفراداً من منطلق الرأفة والرحمة والانفتاح، الأمر الذی دفع تلک الأقلّیّات، کما ینقل التاریخ، إلى تفضیل الحکم الإسلامیّ على غیره من الأنظمة ولو کانت منهم، وهو ما یشهد به التاریخ؛ حین کان جیش الفتح الإسلامیّ یلقى استقبالاً حافلاً من سکّان البلاد الأصلیّین الذین کانوا یتقبّلون فکرة سیادة المسلمین بکلّ ترحابٍ، فضلاً عن مواقف علمائهم المنصفین الذین أشادوا بتسامح المسلمین وانفتاحهم وتعایشهم السلمیّ.

5. إنّ احترام الإسلام لسائر أتباع الملل والأدیان لا یعنی الذوبان والتنازل عن المبادئ والأصول، فقد أطّر العواطف الاجتماعیّة على أساس الإیمان والتقوى والدین الإلهیّ، مانعاً من تجاوز تلک الحدود، ومتعاملاً بشدّةٍ مع العواطف والصداقات خارجَ إطار المعاییر التی حدّدها؛ فقد حذّر القرآن الکریم من إقامة مثل تلک العلاقات القائمة على الولاء لغیرهم والصداقة معهم، لا رفضاً لمبدأ الصداقة والتحالف مع الآخرین، بل لسببَین:

- إنّ الاختلاف فی العقیدة والدین مع الطرف الآخر موجب لعدم الثقة؛ نتیجةَ رفضه لمبدأَی التوحید والرسالة، ما یجعل العلاقة ظاهریّةً وصوریّةً، مع الاحتفاظ بموقفه المبدئیّ فی الباطن، لذا ینبغی عدم الاغترار بتظاهر العدوّ بالصداقة والثقة به.

- على علاقات الودّ والصداقة القائمة بین المسلمین وغیرهم أن تکون منسجمةً مع وحدة الأمّة الإسلامیّة واستقلالها، وأن لا تنجرّ وراء المواقف المتظاهرة بالصداقة والودّ، وأن لا تفسح المجال للعدوّ بالنفوذ إلى جسد الأمّة والطعن من الظهر؛ إذ إنّ تاریخنا ملیء بمثل تلک التجارب المرّة، وقد بیّن الفقه السیاسیّ الإسلامیّ وکتب الفقهاء المستفادة من إطلاقات الآیات الکریمة وسِیَر المعصومین (عله) عدم تعارض هذا الأصل مع الإحسان إلى غیر المسلمین.       



[1]  باحث فی الفکر الإسلامی، من إیران.

 [2] سورة الممتحنة، الآیة 8.

[3]  سورة الممتحنة، الآیة 9.

 [4] الشیرازی، ناصر مکارم: نفحات القرآن، ط1، قم المقدّسة، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، 1426هـ.ق، ج10، ص308.

 [5] البلاذری، أحمد بن یحیى بن جابر: فتوح البلدان، القاهرة، مکتبة النهضة المصریة، 1379هـ.ق، ص167.

[6]  الشریف الرضی، محمد بن الحسین العلویّ: نهج البلاغة (الجامع لخطب أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب (ع) ورسائله وحکمه)، شرح: محمد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر، 1370 هـ.ش/ 1412 هـ. ق، ج3، الخطبة53، ص84.

[7]  م.ن.، ج1، الخطبة27، ص69.

[8]  انظر: خسرو شاهی، قدرة الله؛ دانش بجوه، مصطفى: فلسفة الحقوق، ط4، قم المقدّسة، مؤسسة الإمام الخمینی للتعلیم والدراسات، 1379هـ.ش، ص83-84.

[9]  سورة آل عمران، الآیتان 49 -50

[10]  انظر: سورة آل عمران، الآیتان 49-50؛ سورة الأنعام، الآیة 46.

 [11] کروح العنصریة والفوقیة لدى الیهود من جهة، وغلبة المسیحیین ودعم الإمبراطوریات وقوى السلطة لهم من ناحیة أخرى.

 [12] انظر: خسرو شاهی؛ دانش بجوه، فلسفة الحقوق، م.س، ص85-86.

[13]  انظر: م.ن، ص88.

[14]  سورة الحجرات، الآیة 12.

 [15] الکلینی، محمد بن یعقوب: الکافی، تصحیح: علی أکبر غفاری، ط5، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1363هـ.ش، ج5، کتاب النکاح، باب کراهیة الرهبانیة... ح1، ص494.

 [16] انظر: خسرو شاهی؛ دانش بجوه، فلسفة الحقوق، م.س.، ص87-95.

[17]  انظر: عمید زنجانی، عباس علی: حقوق الأقلیات، ط4، طهران، مکتب نشر الثقافة الاسلامیة، 1367هـ.ش، ص6-7.

[18]  سورة آل عمران، الآیة 64.

[19]  سورة النساء، الآیة 94.

[20]  سورة النساء، الآیة 75.

[21]  إبراهیمی، محمد؛ وآخرون: الإسلام والحقوق الدولیة العامّة، ط1، طهران، مکتب تعاون الحوزة والجامعة، منشورات سمت، 1372هـ.ش، ص19- 51.

[22]  الشریف الرضی، نهج البلاغة، م.س.، ج4، الحکمة 437، ص102.

[23]  سورة البقرة، الآیة 279.

[24]  سورة الممتحنة، الآیة 8.

[25]  البلاذری، أحمد بن یحیى بن جابر: فتوح البلدان، نشر وإلحاق وفهرسة: صلاح الدین المنجد، لا ط، القاهرة، مکتبة النهضة المصریة؛ مطبعة لجنة البیان العربی، 1956م، ج1، ص78.

[26]  سورة المعارج، الآیتان 24-25.

[27]  انظر: إبراهیمی؛ وآخرون، الإسلام والحقوق الدولیة العامّة، م.س.، ص121-126.

[28]  انظر: الحمیری، ابن هشام: السیرة النبویة، تحقیق وضبط وتعلیق: محمد محیی الدین عبد الحمید، القاهرة، مکتبة محمد علی صبیح وأولاده؛ مطبعة المدنی، 1383هـ.ق/ 1963م، ج2، ص348-351.

[29]  انظر: سورة المؤمنون، الآیة 52.

[30]  وردت فی الوثیقة أسماء قبائل عدیدة بصورة مستقلّة؛ طبقاً للعرف القبلیّ، وقد تحاشینا عن ذکرها مراعاةً للاختصار.

 [31] انظر: سورة النساء، الآیة 109.

[32]  انظر: م.ن.

[33]  انظر: سورة الاسراء، الآیة 33.

[34]  انظر: سورة التوبة، الآیة 12.

[35]  انظر: سورة التوبة، الآیة 4.

 [36] الطبرسی، الفضل بن الحسن: مجمع البیان، تحقیق: مجموعة من العلماء والمحقّقین، ط1، بیروت، مؤسّسة الأعلمی، 1415هـ.ق/ 1995م، ج2، ص310.

 [37] انظر: إبراهیمی، محمد وآخرون، الإسلام والحقوق الدولیة العامّة، م.س.، ص19-51؛ الحسینی، عبد الله: المباهلة، ط2، طهران، مکتبة النجاح، 1982م، ص29-93؛ الطهطاوی، محمد عزّت: المیزان فی مقارنة الأدیان حقائق ووثائق، ط1، دمشق، دار القلم، 1993م، ص382-385.

[38] حدّد المنتصرون فی الحرب العالمیة الأولى مصیر المنهزمین فی مؤتمرات الصلح، وقد انبثقت عنهم معاهدات؛ مثل: "فرسای" مع ألمانیا، و"سان جرمان" مع النمسا، و"نویلی" مع بلغاریا، و"تریان" مع المجر، وکلّ من "سور" و"لوزان" مع ترکیا، ولکنّ معاهدة "فرسای" حظیت بأهمّیّة خاصّة لما تضمّنته من تفاصیل وبنود سیادیّة واقتصادیّة وعسکریّة وقوى بحریّة وغرامات وضمانات تنفیذ.

[39]  على سبیل المثال، یمکن الإشارة إلى معاهدة "لوکارنو" بین کل من إنجلترا وألمانیا وفرنسا وإیطالیا وبلجیکا، ومعاهدة "بریان-جلوک" باقتراح من فرنسا، وشارکت فیها أکثر من 60 دولة.

[40]  الشریف الرضی، نهج البلاغة، م.س، ج1، الخطبة1، ص23.

[41]  سورة الحدید، الآیة 25.

[42]  انظر: الطباطبائی، محمد حسین: المیزان فی تفسیر القرآن، ط1، بیروت، مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات، 1971م، ج4، ص231.

[43]  انظر: م.ن.، ج4، ص231.

[44]  سورة ص، الآیة 26.

[45]  انظر: سورة البقرة، الآیات 191-194.

[46]  سورة المائدة، الآیة 8.

[47]  انظر: الطبرسی، مجمع البیان، م.س، ج3، ص291-292.

[48]  المجلسی، محمد باقر: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، ط2، بیروت، مؤسسة الوفاء، 1983م، ج75، ص83.

[49]  الآمدی، عبد الواحد بن محمد التمیمی: غرر الحکم ودرر الکلم، ط2، قم المقدّسة، 1410هـ.ق، ص224.

[50]  انظر: الشریف الرضی، نهج البلاغة، شرح وضبط وتخریج: صبحی الصالح، ط1، قم المقدّسة، 1414هـ.ق؛ الحکمة235، ص510.

 [51] ابن بابویه، محمد بن علی (الصدوق): عیون أخبار الرضا (ع)، ط1، طهران، 1378هـ.ق، ج2، ص15.

[52]  الشریف الرضیّ، نهج البلاغة، م.س.، ج1، الخطبة27، ص69.

[53]  الحرّ العاملیّ، محمد بن الحسن: وسائل الشیعة الى تحصیل مسائل الشریعة، تحقیق: عبد الرحیم الربّانیّ الشیرازیّ، ط2، بیروت، دار إحیاء التراث العربیّ، 1991م، ج15، ص66.

 [54] انظر: سورة الممتحنة، الآیتان 10-11.

 [55] سورة الفتح، الآیة 29.

[56]  سورة البقرة،الآیة 279.

 [57] سورة الحجرات، الآیة 13.

[58]  سورة الزمر، الآیة 9.

 [59] انظر: فهیمی، عزیز الله: دراسة تطبیقیّة لإرث الأقلّیّات الدینیّة فی حقوق الإسلام وإیران، ط1، قم المقدّسة، منشورات إشراق، 1381هـ.ش،  ص51- 55.

[60]  الشیرازی، ناصر مکارم: سر النجاح والموفقیة، إعداد: مسعود مکارم، ط1، قم المقدّسة، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، 1431هـ.ق، ص68.

[61]  روح الله، الخمینی: صحیفة النور، لا ط، طهران، مرکز التوثیق الثقافی للثورة الاسلامیة، لا ت، ج4، ص84.

[62]  م.ن، ج4، ص31

[63]  سورة الحج، الآیة 41.

 [64] سورة البقرة، الآیة 177.

[65] معتمد، موریس: "الوفاق الوطنی من وجهة نظر نائب الیهود فی المجلس"، مجلة أفق بینا، شهریة، العدد18، 1381هـ.ش/ 2002م.

[66]  جریصاتی، سلیم: "دستور الجمهوریة الإسلامیة فی إیران وحقوق الأقلیات"، مجلة الحیاة الطیبة، السنة15، العدد25، ربیع2012م، ص415.

سورة الممتحنة، الآیة 8.
[1]  سورة الممتحنة، الآیة 9.
 [1] الشیرازی، ناصر مکارم: نفحات القرآن، ط1، قم المقدّسة، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، 1426هـ.ق، ج10، ص308.
 [1] البلاذری، أحمد بن یحیى بن جابر: فتوح البلدان، القاهرة، مکتبة النهضة المصریة، 1379هـ.ق، ص167.
[1]  الشریف الرضی، محمد بن الحسین العلویّ: نهج البلاغة (الجامع لخطب أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب (ع) ورسائله وحکمه)، شرح: محمد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر، 1370 هـ.ش/ 1412 هـ. ق، ج3، الخطبة53، ص84.
[1]  م.ن.، ج1، الخطبة27، ص69.
[1]  انظر: خسرو شاهی، قدرة الله؛ دانش بجوه، مصطفى: فلسفة الحقوق، ط4، قم المقدّسة، مؤسسة الإمام الخمینی للتعلیم والدراسات، 1379هـ.ش، ص83-84.
[1]  سورة آل عمران، الآیتان 49 -50
[1]  انظر: سورة آل عمران، الآیتان 49-50؛ سورة الأنعام، الآیة 46.
 [1] کروح العنصریة والفوقیة لدى الیهود من جهة، وغلبة المسیحیین ودعم الإمبراطوریات وقوى السلطة لهم من ناحیة أخرى.
 [1] انظر: خسرو شاهی؛ دانش بجوه، فلسفة الحقوق، م.س، ص85-86.
[1]  انظر: م.ن، ص88.
[1]  سورة الحجرات، الآیة 12.
 [1] الکلینی، محمد بن یعقوب: الکافی، تصحیح: علی أکبر غفاری، ط5، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1363هـ.ش، ج5، کتاب النکاح، باب کراهیة الرهبانیة... ح1، ص494.
 [1] انظر: خسرو شاهی؛ دانش بجوه، فلسفة الحقوق، م.س.، ص87-95.
[1]  انظر: عمید زنجانی، عباس علی: حقوق الأقلیات، ط4، طهران، مکتب نشر الثقافة الاسلامیة، 1367هـ.ش، ص6-7.
[1]  سورة آل عمران، الآیة 64.
[1]  سورة النساء، الآیة 94.
[1]  سورة النساء، الآیة 75.
[1]  إبراهیمی، محمد؛ وآخرون: الإسلام والحقوق الدولیة العامّة، ط1، طهران، مکتب تعاون الحوزة والجامعة، منشورات سمت، 1372هـ.ش، ص19- 51.
[1]  الشریف الرضی، نهج البلاغة، م.س.، ج4، الحکمة 437، ص102.
[1]  سورة البقرة، الآیة 279.
[1]  سورة الممتحنة، الآیة 8.
[1]  البلاذری، أحمد بن یحیى بن جابر: فتوح البلدان، نشر وإلحاق وفهرسة: صلاح الدین المنجد، لا ط، القاهرة، مکتبة النهضة المصریة؛ مطبعة لجنة البیان العربی، 1956م، ج1، ص78.
[1]  سورة المعارج، الآیتان 24-25.
[1]  انظر: إبراهیمی؛ وآخرون، الإسلام والحقوق الدولیة العامّة، م.س.، ص121-126.
[1]  انظر: الحمیری، ابن هشام: السیرة النبویة، تحقیق وضبط وتعلیق: محمد محیی الدین عبد الحمید، القاهرة، مکتبة محمد علی صبیح وأولاده؛ مطبعة المدنی، 1383هـ.ق/ 1963م، ج2، ص348-351.
[1]  انظر: سورة المؤمنون، الآیة 52.
[1]  وردت فی الوثیقة أسماء قبائل عدیدة بصورة مستقلّة؛ طبقاً للعرف القبلیّ، وقد تحاشینا عن ذکرها مراعاةً للاختصار.
 [1] انظر: سورة النساء، الآیة 109.
[1]  انظر: م.ن.
[1]  انظر: سورة الاسراء، الآیة 33.
[1]  انظر: سورة التوبة، الآیة 12.
[1]  انظر: سورة التوبة، الآیة 4.
 [1] الطبرسی، الفضل بن الحسن: مجمع البیان، تحقیق: مجموعة من العلماء والمحقّقین، ط1، بیروت، مؤسّسة الأعلمی، 1415هـ.ق/ 1995م، ج2، ص310.
 [1] انظر: إبراهیمی، محمد وآخرون، الإسلام والحقوق الدولیة العامّة، م.س.، ص19-51؛ الحسینی، عبد الله: المباهلة، ط2، طهران، مکتبة النجاح، 1982م، ص29-93؛ الطهطاوی، محمد عزّت: المیزان فی مقارنة الأدیان حقائق ووثائق، ط1، دمشق، دار القلم، 1993م، ص382-385.
[1] حدّد المنتصرون فی الحرب العالمیة الأولى مصیر المنهزمین فی مؤتمرات الصلح، وقد انبثقت عنهم معاهدات؛ مثل: "فرسای" مع ألمانیا، و"سان جرمان" مع النمسا، و"نویلی" مع بلغاریا، و"تریان" مع المجر، وکلّ من "سور" و"لوزان" مع ترکیا، ولکنّ معاهدة "فرسای" حظیت بأهمّیّة خاصّة لما تضمّنته من تفاصیل وبنود سیادیّة واقتصادیّة وعسکریّة وقوى بحریّة وغرامات وضمانات تنفیذ.
[1]  على سبیل المثال، یمکن الإشارة إلى معاهدة "لوکارنو" بین کل من إنجلترا وألمانیا وفرنسا وإیطالیا وبلجیکا، ومعاهدة "بریان-جلوک" باقتراح من فرنسا، وشارکت فیها أکثر من 60 دولة.
[1]  الشریف الرضی، نهج البلاغة، م.س، ج1، الخطبة1، ص23.
[1]  سورة الحدید، الآیة 25.
[1]  انظر: الطباطبائی، محمد حسین: المیزان فی تفسیر القرآن، ط1، بیروت، مؤسّسة الأعلمی للمطبوعات، 1971م، ج4، ص231.
[1]  انظر: م.ن.، ج4، ص231.
[1]  سورة ص، الآیة 26.
[1]  انظر: سورة البقرة، الآیات 191-194.
[1]  سورة المائدة، الآیة 8.
[1]  انظر: الطبرسی، مجمع البیان، م.س، ج3، ص291-292.
[1]  المجلسی، محمد باقر: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، ط2، بیروت، مؤسسة الوفاء، 1983م، ج75، ص83.
[1]  الآمدی، عبد الواحد بن محمد التمیمی: غرر الحکم ودرر الکلم، ط2، قم المقدّسة، 1410هـ.ق، ص224.
[1]  انظر: الشریف الرضی، نهج البلاغة، شرح وضبط وتخریج: صبحی الصالح، ط1، قم المقدّسة، 1414هـ.ق؛ الحکمة235، ص510.
 [1] ابن بابویه، محمد بن علی (الصدوق): عیون أخبار الرضا (ع)، ط1، طهران، 1378هـ.ق، ج2، ص15.
[1]  الشریف الرضیّ، نهج البلاغة، م.س.، ج1، الخطبة27، ص69.
[1]  الحرّ العاملیّ، محمد بن الحسن: وسائل الشیعة الى تحصیل مسائل الشریعة، تحقیق: عبد الرحیم الربّانیّ الشیرازیّ، ط2، بیروت، دار إحیاء التراث العربیّ، 1991م، ج15، ص66.
 [1] انظر: سورة الممتحنة، الآیتان 10-11.
 [1] سورة الفتح، الآیة 29.
[1]  سورة البقرة،الآیة 279.
 [1] سورة الحجرات، الآیة 13.
[1]  سورة الزمر، الآیة 9.
 [1] انظر: فهیمی، عزیز الله: دراسة تطبیقیّة لإرث الأقلّیّات الدینیّة فی حقوق الإسلام وإیران، ط1، قم المقدّسة، منشورات إشراق، 1381هـ.ش،  ص51- 55.
[1]  الشیرازی، ناصر مکارم: سر النجاح والموفقیة، إعداد: مسعود مکارم، ط1، قم المقدّسة، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، 1431هـ.ق، ص68.
[1]  روح الله، الخمینی: صحیفة النور، لا ط، طهران، مرکز التوثیق الثقافی للثورة الاسلامیة، لا ت، ج4، ص84.
[1]  م.ن، ج4، ص31
[1]  سورة الحج، الآیة 41.
 [1] سورة البقرة، الآیة 177.
[1] معتمد، موریس: "الوفاق الوطنی من وجهة نظر نائب الیهود فی المجلس"، مجلة أفق بینا، شهریة، العدد18، 1381هـ.ش/ 2002م.
[1]  جریصاتی، سلیم: "دستور الجمهوریة الإسلامیة فی إیران وحقوق الأقلیات"، مجلة الحیاة الطیبة، السنة15، العدد25، ربیع2012م، ص415.