نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلفون
جامعة
المستخلص
نقاط رئيسية
أولاً: مقتضى الأصل الأوّلیّ فی استخدام أسلحة الدمار الشامل
ثانیاً: الأصول الرادعة عن استخدام أسلحة الدمار الشامل
ثالثاً: حرمة تسمیم المناطق المأهولة للعدو
رابعاً: حرمة استعمال الأسلحة الحارقة
خامساً: قاعدة حرمة الاغتیال
سادساً: قاعدة حرمة الاعتداء
الكلمات الرئيسية
حرمة استخدام أسلحة الدمار الشامل -دراسة فقهیّة استدلالیّة مقارنة-
الدکتور محمد رحمانی؛ الدکتورة نفیسة زروندی[1]
خلاصة:
إنّ العنف الأشدّ فی الحروب یحصل نتیجة استخدام أسلحة الدمار الشامل، ومن جملتها الأسلحة غیر التقلیدیّة؛ کالأسلحة النوویة والجرثومیّة والکیمیائیّة. ومن هنا، فإنّ الهیئات المسؤولة عن الصلح العالمیّ تحارب صنع هذه الأسلحة وحیازتها واستعمالها.
تأتی هذه المقالة فی سیاق بیان حرمة استعمال مثل هذه الأسلحة من منظار الفقه الإسلامیّ المقارن؛ بالاستناد فی دلیلیّتها إلى الأدلة الأربعة: الکتاب والسنّة والعقل والإجماع، وطبقاً لمقتضى الأصل الأوّلیّ، وحرمة تسمیم المناطق المأهولة للعدو، وحرمة استعمال الأسلحة الحارقة، وحرمة الاغتیال، وقاعدة الاعتداء.
مصطلحات مفتاحیّة:
الشرع، الفقه، أسلحة الدمار الشامل، المذاهب الفقهیّة، القرآن، السنّة، العقل، الإجماع...
مقدّمة:
لا شکّ فی أنّ الدفاع عن المدنیّین، ولزوم التمییز بینهم وبین القوّات العسکریّة یُعدّ من الأصول الأرکان لحقوق الإنسان فی الإسلام والحقوق الدولیة؛ ومن المصادیق الواضحة والمتّفق علیها: النساء، الأطفال، کبار السنّ، المرضى، جماعات الإمداد الطبّیّ، العبَّاد، العلماء، الأسرى، اللاجئون، البیئة، والحیوانات، وغیرها.
ویرجع العنف الذی یطال المجتمعات الإنسانیّة فی أشدّ صوره ومظاهره إلى استخدام الأسلحة الحربیّة التی لا تتنافى مع کرامة الإنسان وأصول العدالة فقط؛ وإنّما تکشف عن روح متوحّشة وصفات خبیثة. ومن هنا، فإنّ استخدام أسلحة الدمار الشامل غیر التقلیدیّة -کالنوویّة والجرثومیّة والکیمیائیّة- ممنوع وغیر جائز، ویمکن إثبات هذا الأصل الفقهی المتین من خلال زوایا عدّة وبتقریبات متعدّدة؛ استناداً إلى الأدلّة الأربعة.
وقد جاءت هذه المقالة بصدد دراسة الأسس الفقهیّة لهذه الدعوى من منظار الآیات والروایات والعقل والإجماع وفتاوى فقهاء المذاهب الإسلامیّة.
ولمّا کان البحث الفقهیّ المرتبط بحرمة استخدام الأسلحة العسکریّة غیر التقلیدیّة -لجهة إنتاجها وحیازتها واستخدامها- کثیر التشعّب، ویحتاج بحث کلّ منها إلى مقالة مستقلّة؛ فإنّنا سنکتفی فی هذه المقالة ببحث حکم استخدام الأسلحة النوویّة والجرثومیّة والکیمیائیّة.
أولاً: مقتضى الأصل الأوّلی فی استخدام أسلحة الدمار الشامل:
یطرح فی الأبحاث العلمیة والفقهیة -عادةً- بحث بعنوان "مقتضى الأصل الأوّلیّ"، وذلک کی یلجأ الفقیه إلى مقتضى ذلک الأصل عندما یعجز عن بیان حکم المسألة من خلال الأدلّة اللفظیّة.
ومقتضى الأصل الأوّلیّ فی هذه المسألة هو حرمة استعمال أیّ سلاح یؤدّی إلى الأذى والألم وقتل الناس، بل حتى الحیوانات، أو یؤدّی إلى تخریب البیئة. وأمّا الموارد التی خرجت عن مقتضى هذا الأصل، من خلال الدلیل الذی دلّ على جوازها، فمنها: الدفاع عن النفس، والعرض، عزّة الإسلام والمسلمین وشرفهما؛ وهی لا تتجاوز حدّ الضرورة.
وعلیه، فلو افترضنا عدم وجود الأدلّة اللفظیة التی سوف نتعرّض إلى دراستها -مثل الروایة النبویّة، وعموم آیة الاعتداء، وأمثالهما- والتی تدلّ على حرمة استعمال الأسلحة الجرثومیّة وغیر التقلیدیة، وشکّکنا فی الجواز والحرمة؛ فإنّ مقتضى الأصل الأوّلیّ هو الحرمة.
والأدلّة التی تثبت هذا الأصل کثیرة؛ من جملتها:
1. عموم الآیات الدالّة على حرمة القتل أو إطلاقها؛ منها قوله -تعالى-: {من قتل نفساً بغیر نفس أو فساد فی الأرض فکأنّما قتل الناس جمیعاً}[2]، {وإذا تولى سعى فی الأرض لیفسد فیها ویهلک الحرث والنسل والله لا یحب الفساد}[3]، {فإن اعتزلوکم فلم یقاتلوکم وألقوا إلیکم السلم فما جعل الله لکم علیهم سبیلاً}[4]، {ولا تقتلوا النفس التی حرّم الله إلا بالحق}[5]، {فمن اعتدى علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدى علیکم واتقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتقین}[6].
2. عموم الروایات الواردة عن المعصومین (عله) أو إطلاقها، وخاصّة تلک الواردة عن رسول الله (ص) والإمام علیّ (ع)، والتی تنهى المحاربین المسلمین عن قتل الأشخاص غیر المحاربین، وعن تخریب البیوت والمزارع، وقتل الحیوانات... منها ما ورد عن الإمام علیّ (ع): "وأشعر قلبک الرحمة للرعیة... ولا تکن علیهم سبعاً ضاریاً تغتنم أکلهم؛ فإنّهم صنفان: إمّا أخ لک فی الدین، أو نظیر لک فی الخلق"[7].
فضلاً عن عموم کثیر من الآیات والروایات الأخرى أو إطلاقها، والتی تدلّ على حرمة أنفس الناس وأموالهم؛ بل على حرمة نفس کلّ ذی نفس، حتى النفس النباتیة فی الحیوانات والنباتات.
وبناءً على ما تقدّم، یمکن استنتاج أنّ الأصل الأوّلی هو حرمة الاعتداء والتعدّی وقتل الآخرین -حتى غیر المسلمین- أو إیذاؤهم. وقد خرجت بعض الموارد الخاصّة من تحت هذا العموم أو الإطلاق من خلال التخصیص أو التقیید.
وإذا شککنا فی خروج مورد معیّن بالتخصیص أو التقیید -کأن نشکّ مثلاً فی جواز استعمال أسلحة الدمار الشامل فی الحروب وعدم جواز ذلک- فإنّ المرجع هو عموم الأدلّة الأوّلیّة أو إطلاقها.
ثانیاً: الأصول الرادعة عن استخدام أسلحة الدمار الشامل:
یوجد بعض الأصول الرادعة عن استخدام أسلحة الدمار الشامل، وهی مقتنصة ومستخلصة من الآیات والروایات وسیرة رسول الله (ص) والأئمّة (عله)، فیما یرجع بعضها إلى أسلوب استخدام الأسلحة، ومن جملتها الأسلحة العسکریة غیر التقلیدیة. ثمّ إنّ لکلّ واحدٍ من هذه الأصول المطروحة أساساً قرآنیّاً وروائیّاً، وهی مقبولة عند الفقهاء. وأبرز هذه الأصول:
إنّ کلّ واحد من هذه الأصول المأخوذة من الآیات والروایات والسیرة العملیّة لرسول الله (ص) والأئمّة الأطهار (عله) فی میادین الحرب، یمکن الاستدلال به لتوضیح الأسس الفقهیّة لحرمة استعمال الأسلحة العسکریّة غیر التقلیدیّة؛ کالنوویّة والجرثومیّة.
ثالثاً: حرمة تسمیم المناطق المأهولة للعدو:
من الواضح أنّ أیّاً من الأسلحة الکیمیائیّة والجرثومیّة والسمّیّة والنوویّة لم یکن له أثر فی عصر رسول الله (ص) والأئمّة (عله) حتى یتبیّن موقفهم من استعمالها؛ ولکن کان فی ذلک الزمان نماذج مصغّرة تشبه من جهات عدّة الأسلحة غیر التقلیدیّة الموجودة فی العصر الحالیّ؛ ولذا، یمکن تعمیم حکمها للأسلحة غیر التقلیدیّة فی العصر الحالیّ. ومن جملة ذلک تسمیم المناطق المسکونة، وإحراق الأشجار والمزارع والبیوت، وإرسال الماء فی وجه العدوّ لإغراقه، و...
وقد أخذ رسول الله (ص) والأئمّة (عله) -بنحوٍ ما- موقفاً تجاه کلٍّ من هذه الأمور، ومنعوا من اللجوء إلى أمثال هذه الأسلحة. وباعتبار أنّ تسمیم المناطق المسکونة له مشابهة أکثر مع الأسلحة غیر المتعارفة؛ فإنّنا سنرکز البحث على هذه المسألة.
1. الروایات الواردة فی حرمة تسمیم المناطق المسکونة:
وردت روایة فی النصوص الدینیة عن رسول الله (ص) تدلّ على حرمة تسمیم مکان سکن العدو؛ منها:
ما رواه السکونیّ، عن جعفر، عن أبیه، عن علیّ (ع): "إنّ النبی (ص) نهى أن یلقى السُّم فی بلاد المشرکین"[8].
أ. البحث السندی: استشکل بعضهم فی سند هذه الروایة؛ باعتبار وقوع السکونیّ فیها. ولکنّ جواب الإشکال هو أنّ أغلب الرجالیّین -ویکاد یکون مورد اتّفاقهم- یقبلون روایات السکونیّ، والشاهد على ذلک أنّ الشخصیّة الرجالیّة المعروفة بتشدّدها فی التوثیقات، وهو آیة الله الخوئیّ، یعبّر عن هذه الروایة بمعتبرة السکونیّ، وقد أفتى طبقاً لهذه الروایة، مضافاً إلى أنّ کثیراً من الفقهاء القدامى والمعاصرین قد أفتوا -أیضاً- طبقاً لهذه الروایة. وبناءً على هذا، فهذه الروایة لا تحتاج إلى زیادة بحث فی سندها؛ إذ لا إشکال سندیّاً فیها.
ب. البحث الدلالی: إنّ المنع والنهی فی هذه الروایات، وإنْ ورد فی السمّ، لکنّ ملاک النهی لا یختصّ بالسمّ؛ لأنّ النهی عن استعمال السمّ لیس نهیاً تعبّدیّاً حتى لا یمکن التعدّی عنه؛ بل یشمل جمیع أنواع أسلحة الدمار الشامل، لأنّه لا فرق فی تسمیم الماء أو الهواء أو الأرض بین فعل ذلک من خلال السُّم أو من خلال استعمال الأسلحة غیر التقلیدیّة، بل إنّ استعمال الأسلحة غیر التقلیدیة أکثر وحشیّة بمراتب. وبناءً على ذلک، فإذا ورد على لسان رسول الله (ص) المبارک کلمة السّم، فإنّ عنوان السّم لا موضوعیّة له قطعاً، بل هو إشارة إلى کلّ سلاح یؤدّی إلى قتل الأبریاء خارج ساحات القتال، أعمّ من الناس والحیوانات، أو یؤدّی إلى وقوع أضرار بالمزارع والبیئة.
ویمکن إقامة الشواهد والقرائن على هذا أیضاً، ومن جملتها:
- الأولویة القطعیة؛ لأنّه إذا کان استعمال السمّ مع ضرره لمنطقة محدودة فقط محرّماً؛ فمن باب أولى تحریم استعمال القنبلة النوویة والسلاح الکیمیائیّ.
- لم یرد فی الروایة لفظ الماء أو الأرض أو الهواء، بل إنّه (ص) منع بنحو مطلق من إلقاء السّم فی بلاد المشرکین (العدوّ)؛ فهو یشمل -إذاً- الأسلحة التی تسمّم الأرض والهواء والماء...
- لیس لهذه الأحکام -کما أشرنا إلى ذلک- بُعد تعبّدیّ حتى یقتصر هذا الحکم على السّم ولا نتمکّن من إلغاء الخصوصیّة، بل هی من الأحکام التوصّلیّة. ولذا، یمکن إلغاء خصوصیّتها والتعدّی منها إلى جمیع أسلحة الدمار الشامل التی تفعل فعل السّم، بل تؤدّی إلى الهلاک بنحو أشدّ منه.
- سوف نبحث بعد ذلک بعض الآیات والروایات، ومن جملتها آیة الاعتداء التی تمنع توسیع دائرة الحرب إلى غیر المقاتلین. ولا فرق فی ذلک بین تسمیم تلک المناطق أو استعمال الأسلحة النوویّة وغیر التقلیدیّة.
وبالنتیجة: إنّ إطلاق هذه المعتبرة وأمثالها یدلّ على حرمة استعمال السّم فی المناطق الحربیّة. ولا شکّ فی أنّ السمّ لا خصوصیّة له، ویمکن إلغاء خصوصیّته وتعمیم ذلک إلى جمیع أسلحة الدمار الشامل.
2. آراء الفقهاء:
لقد حرم کثیر من الفقهاء إلقاء السمّ فی المناطق الحربیّة وغیر الحربیّة؛ استناداً منهم إلى هذه الروایة وأمثالها ممّا ورد فی کلمات الأئمّة (عله). ونشیر إلى بعض الموارد مثالاً على ذلک:
- یقول الشیخ الطوسیّ فی کتاب النهایة -الذی یُتعامَل مع عباراته فیها معاملة الروایات؛ لأنّ بناء الشیخ فی هذا الکتاب کان على الإفتاء طبقاً لمتن الروایات؛ ولذلک فقد جعل الفقهاء بعد الشیخ عین عبارات الشیخ متناً لفتاواهم- : "فإنّه لا یجوز أن یلقى فی بلادهم السّم"[9].
- یقول ابن إدریس: "یجوز قتال الکفار بسائر أنواع القتل وأسبابه؛ إلا بتفریق الساکن، ورمیهم بالنیران، وإلقاء سمّ فی بلادهم؛ فإنّه لا یجوز أن یلقى السّم فی بلادهم"[10].
- یقول ابن زهرة: "فإنّه لا یجوز أن یلقى فی دیارهم إلقاء السّم، ولا یقاتل فی أشهر الحرام فی من یرى لها حرمة من الکفّار؛ إلا أن یبدؤوا فیها بالقتال"[11].
- یقول المحقّق الثانی (الکرکیّ): "یحرم إلقاء السّم إن أمکن الفتح بدونه"[12].
- یقول الشهید الأوّل: "ولا یجوز إلقاء السمّ على الأصح"[13].
- یقول الشهید الثانی فی المسالک: "إلقاء السمّ لو أدّى إلى قتل نفس محترمة حرام لذلک"[14].
- یقول العلامة الحلّیّ فی الإرشاد: "وتجوز المحاربة بأصنافهم؛ إلا السمّ، ولو اضطر إلیه جاز"[15].
- ویتقدم آیة الله محمد الصدر خطوة إلى الأمام، فهو مضافاً إلى حرمة تسمیم مناطق المشرکین وبلادهم؛ یصرّح بأنّ السّم -وإنْ ورد فی روایة السکونیّ بعنوانه- ممّا لا شکّ فی عدم موضوعیته، فهو یشمل من جهة الملاک کلّ سلاح غیر تقلیدیّ[16].
- یقول آیة الله الخوئی: "لا یجوز إلقاء السمّ فی بلاد المشرکین؛ لنهی النبی (ص) فی معتبرة السکونیّ عن أبی عبد الله (ع) قال: قال أمیر المؤمنین (ع): نهى رسول الله (ص) أن یلقى السّم فی بلاد المشرکین"[17].
- ینسِب صاحب الجواهر -فی ذیل کلام المحقّق الحلّی، حیث قال: "یحرم إلقاء السّم"- الحرمة إلى کثیر من الفقهاء، ومن جملتهم الشیخ فی النهایة، وابن زهرة فی غنیة النزوع، وابن إدریس فی السرائر، والعلامة فی المختصر النافع والتبصرة والإرشاد، والشهید الأوّل فی الدروس، والمحقّق الثانی فی جامع المقاصد، ویسند ذلک إلى هذه الروایة النبویّة، ثمّ یقول إنّ ابن إدریس قد اختار المنع والحرمة لهذا الخبر فقط. ثمّ ذکر عدّة من الفقهاء الذین أفتوا بالکراهة، ولیس بالحرمة؛ استناداً إلى هذه الروایة. وذکر أنّ دلیل هؤلاء الفقهاء على الکراهة هو وجود السکونیّ فی سند هذه الروایة. ثمّ قال فی ردّه على هؤلاء الفقهاء إنّ روایة السکونیّ مقبولة من جهة علم الرجال، وإنّ ثمّة إجماعاً على العمل طبق روایات السکونی. وبالتالی، فإنّ سند الروایة تامّ، وعلى هذا، فإنّ الکراهة لیست صحیحة، وإنّما لا بدّ من الإفتاء بالحرمة. ثمّ یطرح موضوعاً آخر حول قول بعض الفقهاء إنّ إلقاء السمّ فی البلاد المأهولة حرام؛ فیما إذا أدّى إلى قتل غیر المقاتلین، وإنّه لا یحرم فیما إذا کان مؤدّیاً إلى قتل المحاربین فی ساحة المعرکة فقط؛ لأنّ النصر یتوقّف على ذلک. ثمّ یقول فی مقام الإشکال على هذا الرأی، وإثبات عدم جواز تسمیم المناطق بغرض قتل العدو؛ وإن توقّف النصر على ذلک: "إنّ الروایة مطلقة، وهی تدلّ على الحرمة حتى فی صورة توقّف النصر على إلقاء السمّ فی البلاد. وعلى هذا، فلا یجوز قتل العدوّ من خلال إلقاء السمّ فی المناطق الحربیّة؛ حتى وإنْ توقّف النصر فی ساحة المعرکة على ذلک"[18]. ومن الواضح مدى تقدّم هذا الرأی وتفوّقه لصاحب الجواهر، الفقیه الشیعیّ، بمراتب على القوانین الدولیّة تجاه المنع من استعمال أسلحة الدمار الشامل.
وبالنتیجة: طبقاً لهذه الروایة المعتبرة وفتاوى الفقهاء المتقدّمین واستفتاء المراجع المعاصرین؛ یحرم استعمال الأسلحة العسکریّة غیر التقلیدیّة، لأنّها مصداق لتسمیم المناطق الحربیّة.
رابعاً: حرمة استعمال الأسلحة الحارقة:
من جملة الموارد التی تمّ المنع عنها فی الروایات هو استعمال الأسلحة الحارقة. ویمکن اعتبار مثل هذه الروایات دلیلاً -أیضاً- على حرمة استعمال الأسلحة غیر التقلیدیّة؛ لأنّ مصادیق أمثال هذه الأسلحة کانت بدائیّةً جدّاً فی عصر رسول الله (ص) والأئمّة (عله)، ولکنّ مصداقها فی العصر الحاضر متطوّر؛ وبناءً على هذا، فإنّ الروایات تشمل کلّ أداة حارقة، وإنْ کانت بسبب أداة نوویة، وذلک بالتقریب نفسه الذی ذکرناه فی موضوع إلقاء السّم.
1. الروایات الواردة فی حرمة استعمال الأسلحة الحارقة:
وردت روایات عدّة فی مجال حرمة استعمال الأسلحة الحارقة، ومن جملتها:
أ. ما روی عن أبی عبد الله (ع)، قال: "إنّ النبی (ص) کان إذا بعث أمیراً له على سریّة أمره بتقوى الله -عزّ وجلّ- فی خاصّة نفسه، ثمّ فی أصحابه عامّة، ثمّ یقول: اغز بسم الله وفی سبیل الله، قاتلوا من کفر بالله، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا ولیداً ولا متبتّلاً فی شاهق، ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوا بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً"[19].
ب. ما رواه عبد الله بن مسعود عن أبیه قال: قال رسول الله (ص): "لا تُعذّبوا بالنار، لا یُعذِّب بالنار إلا ربُّها"[20].
2. آراء الفقهاء فی استعمال الأسلحة الحارقة:
صرح کثیر من فقهاء المسلمین -استناداً إلى مثل هذه الروایات- بحرمة استعمال الأسلحة الحارقة فی ساحة الحرب. ولا شکّ فی أنّ قسماً من أسلحة الدمار الشامل والنوویة تعدّ نوعاً من الأسلحة الحارقة، ومن هنا، فإنّها تکون مشمولة لهذه الآراء الفقهیّة. ومن جملة ذلک یمکن الإشارة إلى الأقوال الآتیة:
- حرّم المحقّق الحلی، فی شرائع الإسلام، استعمال أیّ نوع من الأسلحة الحارقة.
- حرّم المحقّق الثانی -أیضاً- استعمال الأسلحة الحارقة، وإحراق الأشجار والمحصولات الزراعیة والحیوانات والناس الأبریاء فی ساحة الحرب[21].
- یُعدّ ابن إدریس من الفقهاء الذین صرّحوا بعدم جواز استعمال الأسلحة الحارقة مع العدو، حیث قال: "یجوز قتال الکفار ... إلا رمیهم بالنیران"[22].
وبالنتیجة: یمکن الاستنتاج -استناداً إلى الروایات وفتاوى الفقهاء- بأنّه یحرم استعمال الأسلحة غیر التقلیدیة فی الحرب؛ لأنّها مصداق للأسلحة الحارقة.
خامساً: قاعدة حرمة الاغتیال:
من جملة الأدلّة التی یمکن دلالتها على حرمة استعمال أسلحة الدمار الشامل هی الروایات الدالّة على حرمة اغتیال الأشخاص وقتلهم خارج ساحة القتال.
ومن الواضح أنّ استعمال أسلحة الدمار الشامل یُعدّ نوعاً من الاغتیال المتطوّر، وأنّ الاغتیال یصدق بعدد الأشخاص المقتولین. وبناءً على هذا، فإنّ الأدلة نفسها التی تدلّ على حرمة اغتیال شخص واحد تدلّ على حرمة استعمال الأسلحة غیر التقلیدیة أیضاً.
أمّا الروایات الدالّة على حرمة الاغتیال فهی متعدّدة، ومن جملتها النبویّ المعروف: "الإیمان قید الفتک، المؤمن لا یفتک"[23].
وقد وردت هذه الروایة فی المصادر الشیعیّة والسنّیّة، ومن جملة ذلک فی مقتل أبی مخنف، وتاریخ الطبریّ، وتنزیه الأنبیاء.
وکان المنهج والسیرة العملیّة لرسول الله (ص) والأئمّة المعصومین (عله) وتلامذة مدرستهم -أیضاً- على هذا النحو. ومن جملة ذلک موقف مسلم فی مدینة الکوفة؛ فعندما جاء عبید الله بن زیاد لعیادة شریک بن أبی الأعور، وهو من شیعة أبی عبد الله (ع) ومحبّیه، وکان مقیماً فی دار هانی بن عروة، وکان شریک قد اتّفق مع مسلم على أن یتخفّى مسلم وراء الستار، وعندما یأتی عبید الله بن زیاد، یعطی شریک الإشارة لمسلم بقوله: "اسقنی شربة من الماء" لیخرج ویقتل عبید الله بن زیاد ویریحهم من هذا الخبیث. وأثناء وجود عبید الله بن زیاد، تکلّم شریک بهذه الجملة، ولکنّ مسلماً لم یخرج، فکرّر شریک الجملة ثانیة، ولم یخرج مسلم أیضاً. ثمّ قال شریک شعراً إنّ الصید یفرّ من القفص، ولکنّ مسلماً لم یلجأ إلى الاغتیال. وفهم عبید الله الأمر وقام فارّاً. وعندما سأل شریک مسلماً عن سبب عدم قتله لعبید الله، أجابه مسلم بأنّ ذلک لروایة عن رسول الله (ص): "الإیمان قید الفتک، والمؤمن لا یفتک"[24].
وتوجد فی التاریخ موارد أخرى تدلّ على أنّ السیرة العملیّة للأئمّة (عله) کانت فی الاجتناب عن أیّ عمل فیه اغتیال أو استغفال.
وبالنتیجة: نستنتج من حرمة الاغتیال فی الإسلام حرمة استعمال أسلحة کأسلحة الدمار الشامل التی تقتل الناس بشکل أعمى.
سادساً: قاعدة حرمة الاعتداء:
یعتبر الاعتداء أحد عناوین الفقه الإسلامیّ؛ وهو یشتمل على أحکام تکلیفیّة ووضعیّة کثیرة. ومن جملة تلک الأحکام الحرمة التکلیفیّة لتجاوز الحدّ فی استعمال الأسلحة غیر التقلیدیّة فی الحرب.
ومن هنا، فإنّ استعمال أسلحة الدمار الشامل یُعدّ من المصادیق البارزة للاعتداء قطعاً. ویمکن -بالاستناد إلى الآیات والروایات الدالّة على حرمة الاعتداء فی ساحة الحرب مع العدو- الإفتاء بنحو الجزم والقطع بحرمة استعمال أسلحة الدمار الشامل؛ کما استنتج ذلک کثیر من مفسّری الشیعة والسنّة.
1. الآیات الواردة فی حرمة الاعتداء:
أ. دلالة الآیات:
إنّ الآیات الدالة على حرمة الاعتداء والمنع عنه -بالاستفادة من الأدوات الحربیّة کثیرة- منها: {وقاتلوا فی سبیل الله الذین یقاتلونکم ولا تعتدوا إن الله لا یحب المعتدین}[25].
وتُعدّ هذه الآیة من أهمّ الآیات المرتبطة بحرمة استعمال أسلحة الدمار الشامل، حیث یمکن استفادة مجموعة من الأصول والقواعد فی ما یرتبط بالحرب مع العدوّ من هذه الآیة، ومن جملة ذلک:
- أصل التناسب فی الأسلحة الحربیّة.
- أصل التفکیک بین العدو المقاتل وغیر المقاتل؛ أمثال: الأطفال، النساء، الشیوخ، المرضى، الجرحى، قوات الإسعاف، وأمثالهم. وکذلک الحیوانات، الأشجار، المزروعات، والبیئة بشکل عامّ. وطبقاً لهذه الآیة، فإنّ استعمال أیّ سلاح یکون مصداقاً للتعدّی والتجاوز عن الحدّ یعتبر حراماً. کما یحرم -أیضاً- توسعة الحرب من ساحة المعرکة إلى غیره؛ بما یؤّدی إلى الأذى والإیذاء، حتى لو کان إیذاءً للحیوانات والنباتات والبیئة؛ لأنّ النهی فی "لا تعتدوا" مطلق، وهو یشمل کلّ اعتداء؛ حتى على البیئة.
ب. آراء المفسّرین:
استنتج کثیرٌ من مفسّری العالم الإسلامیّ، سواء الشیعة أم السنّة، أموراً أخرى من الآیة مضافاً إلى ما تقدّم، وبملاحظة عدم التمکّن من التتبّع التامّ فی هذه المقالة، فإنّنا نکتفی بالإشارة إلى بعض الموارد:
- یعتقد العلامة الطباطبائی أنّ حرمة توسعة الحرب وقتل غیر المقاتلین من العدوّ، لیس من باب التخصیص، بل إنّ النساء والأطفال والشیوخ خارجون تخصّصاً. ویقول فی مقام بیان مصادیق "لا تعتدوا": إنّ الحرب قبل الدعوة إلى الحقّ حرام؛ لأنّها مصداق للاعتداء[26].
- ویرى آیة الله مکارم الشیرازی أنّه یستفاد من هذه الآیة -مضافاً إلى حرمة توسعة الحرب إلى غیر المقاتلین- عدم جواز الاعتداء على المزارع والنباتات والمزروعات، وکذلک عدم جواز استعمال المواد السمّیّة لتسمیم میاه شرب العدوّ، أی إنّ الحرب الکیمیائیّة والجرثومیّة حرام[27].
- ویشیر المقدّس الأردبیلی فی ذیل الآیة إلى أنّ من جملة مصادیق الاعتداء المحرم الشروعُ فی الحرب قبل شروع العدو فیها، وکذلک قتل الکافر المعاهد، ودعوة العدو إلى الحقّ وقتله بشکل غیر مناسب[28].
استفاد مفسّرو أهل السنّة -مثل مفسّری الشیعة- حرمة استعمال أسلحة الدمار الشامل من عنوان الاعتداء فی الآیة 190 من سورة البقرة. ومن أمثلة ذلک ما ذهب إلیه الدکتور وهبة الزحیلیّ (وهو من مفکّری أهل السنة) فی "التفسیر المنیر" فی مقام بیان مصادیق الاعتداء المحرم؛ حیث ذکر أنّ الشروع فی الحرب، وقتل المسلمین، ومقاتلة غیر المقاتلین -أمثال: الأطفال والنساء والشیوخ- وتخریب البیوت، وقطع الأشجار، وإحراق المزروعات، وکذلک التعدّی فی هذه الموارد هو مورد کراهة الله وغضبه[29].
2. الروایات الواردة فی حرمة الاعتداء:
توجد روایات کثیرة عند الفریقین تدلّ -کآیة الاعتداء- على حرمة توسعة الحرب من ساحة المعرکة إلى المناطق غیر الحربیّة، والتعدّی على غیر المحاربین أو البیئة. ولا فرق فی ذلک بین الأسلحة التقلیدیّة وغیر التقلیدیّة.
أ. الروایات من طریق أهل البیت (عله):
إنّ الروایات المنقولة من طریق أهل البیت (عله) فی هذا المجال کثیرة، وهی على عدّة أصناف. وسنکتفی بطائفة منها تمتاز بجامعیّتها:
- ما رواه محمد بن یعقوب عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عُمَیر عن معاویة بن عمّار، قال أظنّه عن أبی حمزة الثمالیّ عن أبی عبد الله (ع) قال: "کان رسول الله (ص) إذا أراد أن یبعث سریة دعاهم فأجلسهم بین یدیه، ثم یقول: "سیروا بسم الله وبالله وفی سبیل الله وعلى ملة رسول الله (ص) لا تغلوا، ولا تُمَثِّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شیخاً فانیاً ولا صبیّاً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إلیها...""[30].
- ما رواه جعفر بن محمد عن أبیه عن آبائه عن علیّ (ع): "إنّ رسول الله (ص) إذا بعث جیشاً أو سریة أوصى صاحبها بتقوى الله فی خاصّة نفسه وبمن معه من المسلمین خیراً وقال: "اغزوا بسم الله وفی سبیل الله وعلى ملّة رسول الله، ولا تقاتلوا القوم حتى تحتجّوا علیهم... ولا تقتلوا ولیداً ولا شیخاً کبیراً ولا امرأة -یعنی إذا لم یقاتلوکم- ولا تمثّلوا، ولا تغلّوا، ولا تغدروا""[31].
- ما رواه علی بن إبراهیم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبی عبد الله (ع) قال: "إنّ النبی (ص) کان إذا أراد أن یبعث أمیراً على سریّة أمره بتقوى الله -عزّ وجلّ- فی خاصّة نفسه، ثمّ أصحابه عامّة، ثمّ یقول: "اغزوا بسم الله وفی سبیل الله قاتلوا من کفر بالله، ولا تغدروا، ولا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا ولیداً""[32].
ب. روایات عن طریق أهل السنّة:
والروایات من طریق أهل السنّة کثیرة، ومنها للمثال:
- عن خالد بن الفزر حدثنی أنس بن مالک أنّ رسول الله (ص) قال: "انطلقوا باسم الله وعلی ملّة رسول الله، لا تقتلوا شیخاً فانیاً ولا طفلاً ولا صغیراً ولا امرأة، ولا تغلّوا، وضمّوا غنائمکم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله یحب المحسنین"[33].
- أخرج ابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم عن ابن عباس فی قوله {ولا تعتدوا} یقول: "لا تقتلوا النساء والصبیان ولا الشیخ الکبیر ولا من ألقى السلم وکفّ یده، فإن فعلتم فقد اعتدیتم"[34].
- عن سلیمان بن بریدة عن أبیه قال کان رسول الله (ص) إذا أمّر أمیراً على جیش أو سریّة أوصاه فی خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمین خیراً، ثمّ قال: "اغزوا بسم الله فی سبیل الله، قاتلوا من کفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا ولیداً. وإذا لقیت عدوک من المشرکین، فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال"[35].
- عن سلیمان بن بریدة عن أبیه قال: کان رسول الله (ص) إذا بعث أمیراً على جیش أوصاه فی خاصّة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمین خیراً، فقال: "اغزوا بسم الله وفی سبیل الله، قاتلوا من کفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا ولیداً"[36].
3. الآراء الفقهیّة فی حرمة الاعتداء:
أ. آراء فقهاء الشیعة:
صرّح فقهاء الشیعة -استناداً إلى آیة الاعتداء وروایات کثیرة- بحرمة استعمال الآلات الحربیّة التی تؤدّی إلى قتل جماعیّ. وسوف نکتفی بالإشارة إلى بعض الموارد لکلماتهم، وهی:
- "ولا یجوز قتال النساء، فإنْ قاتلن المسلمین وعاونّ أزواجهنّ ورجالهنّ، أمسک علیهنّ، فإنْ اضطروا إلى قتلهنّ، جاز حینئذ قتلهنّ، ولم یکن به بأس"[37].
- "ولا یجوز قتل النساء وإن قتلن مع أهلهن، إلا أن یدعو إلى قتلهن ضرورة، وإن دعت ذلک ضرورة لم یکن به بأس"[38].
- "لا یجوز قتل صبیان المشرکین إجماعاً ولا نسائهم والمجانین منهم. روى الجمهور عن یونس بن مالک أنّ النبی (ص) قال: "انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (ص)، لا تقتلوا شیخاً کبیراً فانیاً ولا صغیراً ولا امرأة". ومن طریق الخاصّة ما رواه الشیخ فی الحسن عن أبی حمزة الثمالی عن أبی عبد الله (ع) قال: "کان رسول الله (ص) إذا أراد أن یبعث سریة دعاهم فأجلسهم بین یدیه ثم یقول لهم: "سیروا باسم الله وبالله وفی سبیل الله وعلى ملّة رسول الله (ص)، لا تغلوا، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شیخاً فانیاً ولا صبیّاً ولا امرأة، وأیّما رجل من أدنى المسلمین أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشرکین فهو جار حتى أن یسمع کلام الله، فإن تبعکم فأخوکم فی دینکم، وإن أبى، فاستعینوا بالله علیه، وابلغوا به مأمنه، ولأنّهم لیسوا من أهل المحاربة، فلا ینبغی قتلهم"[39].
- "لا یجوز قتل المجانین ولا الصبیان ولا النساء منهم وإن أعنّ، إلا مع الحاجة"[40].
- "ولا یجوز قتل المجانین والصبیان والنساء وإن أعنّ، ولو تترّسوا کفّ عنهم إلا مع الضرورة"[41].
- "ولا یجوز قتل المجانین ولا الصبیان ولا النساء منهم ولو عاونّهم (بتشدید النون)؛ إلا مع الاضطرار بلا خلاف أجده فی شیء من ذلک، بل فی المنتهى الإجماع علیه فی النساء والصبیان، بل وعلى قتل النساء مع الضرورة، مضافاً إلى ما سمعته من خبرَیْ جمیل والثمالیّ وغیرهما؛ بل فی روایة الجمهور عن أنس بن مالک أنّ النبی (ص) قال: انطلقوا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (ص)، ولا تقتلوا شیخاً فانیاً ولا صغیراً ولا امرأة"[42].
- "النهی عن قتل من لا یقاتل ولا یعین فی الحرب على المسلمین: نهى رسول الله (ص) عن قتل من لا یقاتل فی مکة، ونهى عن قتل النساء والصبیان والشیوخ الذین لا یقاتلون ولا یعینون المقاتلین ولو بالتدبیر والفکر. کما نهى عن قتل العصفاء والوصفاء والرهبان والمقعد وأصحاب الصوامع الذین لا تدخل لهم فی حرب المسلمین بأی نحو"[43].
ب. آراء فقهاء أهل السنّة:
أفتى فقهاء أهل السنة، مثل فقهاء الشیعة، بحرمة استعمال أسلحة الدمار الشامل، وحرمة أیّ عمل یؤدّی إلى توسعة دائرة الحرب إلى المناطق غیر الحربیة، وإلى التعدّی على غیر المحاربین والبیئة؛ من قبیل: الحیوانات والمزارع والأشجار وتخریب البیوت، وذلک استناداً إلى الآیات والروایات. ونشیر هنا إلى بعض هذه الموارد من کلماتهم، وهی:
- فقهاء الحنفیة:
- فقهاء الشافعیّة:
- فقهاء الحنابلة:
- فقهاء المالکیّة:
- فقهاء الظاهریّة:
خاتمة:
نستنتج ممّا تقدّم من مقتضى الأصل الأوّلیّ، والأصول الرادعة؛ من قبیل: حرمة تسمیم المناطق المأهولة للعدوّ، وحرمة استعمال الآلات الحارقة، وحرمة الاغتیال، وحرمة التعدّی؛ على نحو النتیجة القطعیّة والمسلّمة؛ حرمة استعمال الأسلحة غیر التقلیدیّة النوویّة والجرثومیّة والکیمیائیّة بأنواعها المختلفة، وهو ما علیه اتّفاق، بل تسالم مذاهب فقهاء المسلمین، سواء فقهاء الإمامیّة أم المالکیّة أم الحنفیّة أم الشافعیّة أم الحنابلة أم الظاهریّة.
[1] باحثان فی الفکر الإسلامی، من إیران.
[2] سورة المائدة، الآیة 32.
[3] سورة البقرة، الآیة 205.
[4] سورة النساء، الآیة 90.
[5] سورة الأنعام، الآیة 151.
[6] سورة البقرة، الآیة 194.
[7] الشریف الرضیّ، محمد بن الحسین العلویّ: نهج البلاغة (الجامع لخطب أمیر المؤمنین الإمام علیّ بن أبی طالب (ع) ورسائله وحکمه)، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر، 1412هـ.ق./ 1370هـ.ش.، الخطبة53، ج3، ص84.
[8] الطوسی، محمد بن الحسن: تهذیب الأحکام، ط4، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1407هـ.ق، ج6، ص143.
[9] الطوسی، محمد بن الحسن: النهایة فی مجرد الفقه والفتاوی، ط2، بیروت، دار الکتاب العربی، 1400هـ.ق، ص51.
[10] محمد بن منصور، الحلـی (ابـن إدریـس): السرائر الحاوی لتحریر الفتاوی، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسـة النشـر الإسـلامی التـابعة لجـماعة المدرسین، 1410هـ.ق، ج2، ص7.
[11] الحلبیّ، حمزة بن علی (ابن زهرة ): غنیة النزوع إلى علمی الأصول والفروع، لا ط، قم المقدّسة، مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، 1404هـ.ق، ص201.
[12] الکرکیّ، علی بن الحسین: جامع المقاصد فی شرح القواعد، ط2، قم المقدّسة، مؤسسة آل البیت (ع) لإحیاء التراث، 1414هـ.ق، ج3، ص385.
[13] الجزینیّ، محمد بن مکی (الشهید الأوّل): الـدروس الشرعـیة فی فقـه الإمامـیة، ط2، قم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجامعة المدرسین، 1417هـ.ق، ج2، ص32.
[14] الجبعیّ، زید الدین علی بن أحمد (الشهید الثانی): مسالک الأفهام إلى تنقیح شرائع الإسلام، ط1، قم المقدّسة، مؤسسة المعارف الإسلامیة، 1413هـ.ق، ج3، ص24.
[15] الحلّیّ، الحسن بن یوسف (الحلی): إرشاد الأذهان إلى أحکام الإیمان، تحقیق: فارس حسون، ط1، قم المقدّسة، مؤسسة النشر الإسلامی، ج1، ص344.
[16] انظر: الصدر، محمد صادق: ما وراء الفقه، تحقیق: جعفر هادی الدجیلی، ط1، بیروت، دار الأضواء، 1420هـ.ق، ج2، ص384.
[17] الخوئی، أبو القاسم: منهاج الصالحین، ط28، قم المقدّسة، نشر مدینة العلم، 1410هـ.ق، ج1، ص371.
[18] انظر: النجفیّ، محمد حسن: جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام، تحقیق: عباس القوچانی؛ محمد الآخوندی، ط3، طهران، دار الکتب الإسلامیّة، 1362هـ.ش، ج21، ص67.
[19] الحر العاملی، وسائل الشیعة، م.س.، ج6، ص43.
[20] الکوفی، ابن أبی شیبة: المصنف، تحقیق: سعید اللحام، ط1، بیروت، دار الفکر، 1409هـ.ق./ 1989م، ج7، ص658.
[21] انظر: الحلی، جعفر بن محمد (المحقّق الأوّل): شرائع الإسلام فی مسائل الحلال والحرام، تحقیق: عبد الحسین محمد علی بقال، ط1، قم المقدّسة، مؤسسة المعارف الإسلامیة، 1412هـ.ق، ج1، ص236.
[22] م.ن.، ج1، ص385.
[23] الأزدی، لوط بن یحیى (أبو مخنف): مقتل الحسین، تحقیق: محمد هادی یوسفی غروی، ترجمة: علی الکرمی، ط2، مؤسسة دار الکتب، 1999م، ص165.
[24] م.ن.
[25] سورة البقرة، الآیة190.
[26] انظر: الطباطبائی، محمد حسین: المیزان فی تفسیر القرآن، لا ط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامی، لا ت، ج2، ص61.
[27] انظر: الشیرازی، ناصر مکارم: تفسیر نمونه (الأمثل)، لا ط، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1975م، ج2، ص19.
[28] انظر: الأردبیلیّ، أحمد بن محمّد: زبدة البیان فی أحکام القرآن، تحقیق: محمد الباقر البهبودی، لا ط، طهران، مکتبة مرتضوی، لا ت، ص306.
[29] انظر: الزحیلیّ، وهبة بن مصطفی: التفسیر المنیـر فی العقیدة والشریعـة والمنهج، لا ط، بیروت، دار الفکر المعاصر، 1418هـ.ق، ج2، ص179.
[30] الطوسی، تهذیب الأحکام فی شرح المقنعة، م.س، ج6، ص138-139.
[31] التمیمی المغربی، نعمان بن محمد: دعائم الإسلام دعائم الإسلام وذکر الحلال والحرام والقضایا والأحکام، لا ط، بیروت، المکتب الإسلامی، ج1، ص369.
[32] الکلینی، محمد بن یعقوب: الکافی، ط4، طهران، دار الکتب الإسلامیّة، 1407هـ.ق.، ج5، ص29.
[33] البیهقی، أحمد بن الحسین: السنن الکبری، لا ط، بیروت، دار الفکر، لا ت، ج9، ص90؛ الکوفی، المصنف، م.س، ج7، ص654؛ ابن عبد البر، یوسف بن عبد الله: الاستذکار، تحقیق: سالم محمد عطا؛ محمد علی معرض، ط1، بیروت، دار الکتب العلمیة، 2000م، ج5، ص32-33.
[34] السیوطی، جلال الدین: الدر المنثور فی التفسیر بالمأثور، لا ط، بیروت، مکتبة الثقافة، ج1، ص205.
[35] ابن حنبل، أحمد: مسند أحمد، لا ط، بیروت، دار صادر، لا ت، ج9، ص49؛ الهیثمی، نور الدین علی بن أبی بکر: مجمع الزوائد، لا.ط.، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1408هـ.ق/ 1988م، ج5، ص256؛ الکوفیّ، المصنّف، م.س، ج7، ص644؛ البیهقی، السنن الکبری، م.س، ج6، ص520؛ النسائی، أحمد بن شعیب: سنن النسائی، تحقیق: عبد الغفار سلیمان البنداری؛ کسروی حسن، ط1، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1411هـ.ق، ج5، ص172، 241.
[36] الترمذیّ، محمد بن عیسی: سنن الترمذیّ، تحقیق: عبدالرحمن محمد عثمانی، ط3، بیروت، دار الفکر، 1403هـ.ق، ج2، ص431.
[37] الطوسیّ، النهایة فی مجرد الفقه والفتاوی، م.س، ص292.
[38] الطرابلسیّ، عبد العزیز بن البراج: المهذّب، إعداد: مؤسّسة سیّد الشهداء العلمیّة، إشـراف: جعفر السبحانی، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ، 1406هـ.ق، ج1، ص303.
[39] الحلّیّ، الحسن بن یوسف (العلامة): منتهى المطلب فی تحقیق المذهب، تحقیق: حسین پیشنمـاز أحـرابی، ط1، لا م، مطبعة الحاج أحمد آغا ومحمود آغا، 1343هـ.ق.، ص911.
[40] الحلّیّ، الحسن بن یوسف: قواعد الأحکام فی معرفة الحلال و الحرام، ط1، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامی، 1413هـ.ق.، ج1، ص486.
[41] الحلّیّ، الحسن بن یوسف: تلخیص المرام فی معرفة الأحکام، تحقیق: هادی القبیسی، ط1، قم المقدّسة، مکتب الإعلام الإسلامی، 1421هـ.ق.، ص80.
[42] النجفیّ، جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام، م.س، ج21، ص73.
[43] أحمـدی میانـجی، علی: الأسیـر فی الإسـلام، ط1، قم المقدّسة، مؤسّسـة النشر الإسلامی، 1411هـ.ق، ص91.
[44] الموصلی الحنفی، عبد الله بن محمود: الاختیار لتعلیل المختار، تعلیق: عبد اللطیف محمد عبد الرحمن، ط1، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1419هـ.ق، ج4، ص128.
[45] الشوکانی، محمد: فتح القدیر الجامع بین فنی الروایة والدرایة من علم التفسیر، لا ط، بیروت، دار ابن حزم، 1421هـ.ق، ج12، ص412.
[46] السرخسی، محمد بن أحمد: شرح السیر الکبیر، لا ط، القاهرة، شرکـة الإعـلانات الشرقیة، 1971م، ج1، ص449-450.
[47] النووی، محیی الدین:المجموع، لا ط، بیروت، دار الفکر، لا ت، ج19، ص295.
[48] الشافعی، محمد بن إدریس: الأم، ط2، بیروت، دار الفکر، 1403هـ.ق، ج4، ص252-254.
[49] الشربینی، محمد بن أحمد: مغنی المحتاج، بیروت، دار إحیاء التراث العربی، 1958م، ج45، ص222-223.
[50] النووی، محیی الدین: شرح صحیح مسلم، لا ط، بیروت، دار الکتاب العربی، 1407هـ.ق/ 1987م، ج12، ص48.
[52] ابن قدامة، عبدالرحمن: الشرح الکبیر، لا ط، بیروت، دار الکتاب العربی، لا ت، ج10، ص400.
[53] ابن قدامة، عبد الله: الکافی فی فقه ابن حنبل، تحقیق: علی أصغر مروارید، لا ط، لا م، دار التراب، ج4، ص122.
[54] آبی الأزهریّ، صالح عبد السمیع: الثمر الدانی فی تقریب المعانی، لا ط، بیروت، المکتبة الثقافیة، لا ت، ص414.
[55] القرافیّ، أحمد بن إدریس: الذخیرة، تحقیق: محمد حجّی، لا ط، بیروت، دار المغرب، 1994م، ج3، ص397-398.
[56] ابن حزم، علی بن أحمد:المحلّى، لا ط، بیروت، دار الفکر، لا ت، ج7، ص296.