نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلفون
جامعة
المستخلص
نقاط رئيسية
أولاً: منابع البحث الأصولیّ
ثانیاً: تاریخ تدوین آیات أصول الفقه
ثالثاً: المسار التاریخیّ للاستدلال بالآیات القرآنیَّة فی الکتب الأصولیَّة
رابعاً: منهجیَّات البحث الأصولیّ فی آیات القرآن
خامساً: دور القرآن الکریم فی تأصیل القواعد الأصولیَّة: "أصل البراءة" أنموذجاً
الكلمات الرئيسية
حضور القرآن الکریم فی البحث الأصولیّ -قراءة فی آفاق تطویر علم أصول الفقه بالاستناد إلى القرآن-
الدکتور رضا حق بناه؛ الدکتور نقی زادة[1]
خلاصة:
یُعدّ علم الأصول من المعارف الإسلامیّة الرصینة التی نشأت وترعرعت فی کنف النصّ الدینی، واستمدّت منه حجّیّتها واعتبارها فی عملیّة فهم النصوص الدینیّة، من خلال الآیات القرآنیّة التی تؤصّل لذلک العلم.
وتشیر الدراسات المنجزة فی هذا الحقل إلى عدم وجود دراسةٍ شاملةٍ وجامعةٍ عن تلک الآیات، على الرغم من أهمّیّة معرفتها وجمعها وتحلیلها، فضلاً عن أنّ مسار الاستفادة من الآیات الأصولیّة فی التاریخ الإسلامیّ لم یتّخذ منحىً تصاعدیٍّا!
وتتناول هذه المقالة تاریخ استفادة علماء الأصول من القرآن الکریم فی مقام الاستدلال والاستناد، وتسعى إلى التأکید على تذلیل کلّ العقبات التی تحول دونَ کثافة الحضور القرآنیّ فی علم الأصول، من خلال تقدیم إحصاءات تقریبیّة عن استناد مشهور الأصولیّین إلى القرآن الکریم على طول تاریخ علم الأصول، لیُصار إلى ترسیخ ذلک الحضور بصیاغة إستراتیجیّاتٍ بنیویّةٍ تطویریّة لعلم الأصول. ثمّ تقدّم المقالة مقاربة لنجاعة التوجیهات القرآنیّة فی أصالة البراءة؛ بوصفها أنموذجاً من الأصول المبحوثة فی علم أصول الفقه، والمستدلّ على حجّیّتها وحدود إجرائها وتطبیقها من خلال الآیات القرآنیة.
مصطلحات مفتاحیّة:
القرآن الکریم، السنّة الشریفة، علم الأصول، الاستنباط، الاجتهاد، الدلیل، أصالة البراءة...
مقدّمة:
أصول الفقه هو علمٌ استدلالی مُمَنهَجٌ من العلوم التی نشأت فی کنف النصّ الدینیّ لخدمة فهم النصّ الدینیّ؛ حیث وجد المسلمون أنفسهم مکلَّفین باستخراج برنامجٍ دینیٍّ، نظریٍّ وعملیٍّ، من ثنایا القرآن والسّنّة بأسلوبٍ علمیٍّ قائمٍ على تعالیم القرآن وأحادیث الرسول الأکرم (ص) وأهل البیت (عله)، عبرَ تأطیر الأصول وإرجاع الفروع إلیها.
وقد وضع أئمّة أهل البیت (عله) على رأس أولویّاتهم بیان المناهج الفقهیّة وإیضاح المبانی والأسالیب الاجتهادیّة، فضلاً عن تشجیعهم لتلامذتهم على التفکّر والتعمّق فی فهم الدین؛ فقدّموا الأدوات اللّازمة فی هذا الخصوص، التی أطّرها العلماء فی علوم تعنى بفهم النصّ الدینی، ومنها علم الأصول الذی یُعَدّ من أهمّها.
ومن هذا المنطلق، قام الأصولیّون بتشیید دعائم علم أصول الفقه وتقعید بعض قواعده وأصوله ومسائله بالاستناد إلى القرآن الکریم، کما فی محاولاتهم الجادّة -على سبیل المثال- لإثبات حجّیّة خبر الواحد من خلال التمسّک ببعض الآیات؛ من قبیل آیة النبأ[2]، أو فی استدلالات أصولیّی أهل السّنّة بآیاتٍ من کتاب الله لإثبات حجّیّة کلٍّ من الإجماع والاستحسان والقیاس[3]، ومناقشة هذه الاستدلالات من قِبَل أصولیّی الشیعة[4]. ولا ریبَ فی أنّ تلک المناقشات - سلباً أو إیجاباً، بحدّ ذاتها - یمکنها أن تلعب دوراً مهمّاً فی دعم جهود الفقهاء على طریق مقاربتهم للقرآن وأحکامه.
فلا شکّ فی إمکانیّة استخراج أُسُس بعض القواعد الأصولیّة من الآیات القرآنیّة؛ إذ لم یکتفِ القرآن الکریم ببیان بعض المسائل الفقهیّة، بل أشار إلى عملیّة استکشاف المواضیع غیر المطروحة، حتى یتمکّن الفقهاء من استنباط الفروع فی ضوئها؛ حیث تقع على عاتق آیات القواعد[5] أو "آیات الأصول" مسؤولیّة القیام بذلک الأمر؛ فهی تبیّن القواعد والمبادئ التی تکون نتیجتها معرفة الوظیفة الفعلیّة وتشخیصها فی کلّ مورد، أی تلک التی یُطلَق علیها القواعد الأصولیّة، فهی مبادئ تصدیقیّة لعلم الفقه المتکفّل بتشخیص الوظیفة العلمیة فی کلّ موردٍ بالنظر والدلیل، وقد مُهِّدت المباحث الأصولیّة وأُسِّست لمعرفة هذه القواعد وتنقیحها[6].
وثمّة مفارقةٌ لافتةٌ تتمثّل فی إیلاء أصولیّی الإمامیّة الأقدمین، کالشیخَین الطوسیّ والمفید، اهتماماً أکبر بالآیات القرآنیّة فی ثنایا مطارحاتهم الأصولیّة؛ سعیاً إلى إعطاء مساحةٍ أوسع لکتاب الله فی حقل علم الأصول، وإنْ بقی نطاقها أضیق بالمقارنة مع حجم المطارحات الأصولیّة عند أهل السّنّة، لکنّه ظلّ أوسع بالمقارنة مع ما قدّمه أصولیّو الإمامیّة المتأخّرون؛ فقد انخفض منسوب الاستشهاد بالآیات القرآنیّة فی آثارهم کثیراً، ما یطرح التساؤل: لماذا قلّ الاهتمام بدراسة الآیات فی المصادر والمراجع الأصولیّة المتأخّرة؟
ومن هنا، لا بدّ من طرح مجموعةٍ من الأسئلة المحوریّة:
أولاً: منابع البحث الأصولی:
لم یتطرّق الأصولیّون، بشکلٍ عامٍّ، فی کتبهم الأصولیّة إلى موضوع منبع علم أصول الفقه ومصدره، لا عن غفلةٍ وعدم اهتمامٍ؛ بل لعدم الحاجة فی الماضی لتناول المواضیع المتعلّقة بتاریخ العلم وکیفیّة نشأته وسیرورة فروع العلوم، ولکنّ إلقاء نظرةٍ على المواضیع المطروحة فی علم الأصول، فضلاً عن کلام أصحاب الرأی فی هذا الحقل، یضعنا، بشکلٍ أو بآخر، أمام جذور المسائل الأصولیّة، ومصدرها العقلیّ أو الشرعیّ؟
یرى الفاضل التونیّ (من محقّقی الشیعة) حاجة المجتهد إلى تسعة علوم: "ثلاثة من العلوم الأدبیّة، وثلاثة من المعقولات، وثلاثة من المنقولات... فالأوّل من الأوّل: علم اللّغة... والأوّل من الثانی: علم الأصول"[7].
بینما یکتب الإمام الخمینیّ: "أنّ معرفة مسائل أصول الفقه الذی احتلّ فی هذه الأعصار المکانة العظمى، من أهمّ ما یتوقّف علیه رحى الاستنباط (...) أکثر مدارک هذه المسائل موجود فی الذکر الحکیم، والروایات المأثورة، والمرتکزات الفطریّة العرفیّة العقلائیّة، کما إنّ بعض مسائلها ممّا یُستدَلّ علیه من طریق العقل، کاجتماع الأمر والنهی..."[8].
وقسّم السید الخوئیّ القواعد الأصولیّة إلى أربعة أقسامٍ کلّیّةٍ؛ معتبراً بعض مباحثها عقلیّةً (کمقدّمة الواجب واجتماع الأمر والنهی والنقیضَین)، والأخرى شرعیّةً (من قبیل الأصول الشرعیّة العملیّة: الاستصحاب، البراءة والاحتیاط الشرعیَّین)[9].
وقسّم آخرون المسائل الأصولیّة إلى ثمانیة أقسامٍ، معتبرین أنّ جمیعها نابع من العلوم الأدبیّة واللّغة والعرف وحکم العقل وسیرة العقلاء، وهذا أوصلهم إلى النتیجة الآتیة: "...على الرغم من أنّ علم الأصول یندرج، من ناحیة المسائل، تحت العلوم الانتقائیّة، التی اقتبست أغلب مواضیعها -تقریباً- من العلوم الأخرى، إلا أنّه لا یمکننا ادّعاء عدم استقلالیّته (...) إذ تتمایز العلوم باختلاف أغراضها لا مسائلها؛ فقد یشترک علمان فی قسمٍ من المسائل، ولکنّ المعیار الحاکم على تلک المسائل ترتّب غرضَین ینتمی کلٌّ منهما إلى علمٍ مدوّنٍ، وهو ما ینطبق على مسائل علم الأصول غالباً؛ حیث تترتّب على کثیرٍ منها عدّة أغراضٍ، دُوِّن لکلّ واحدٍ منها علمٌ أو لعلّه سیُدوَّن، وما اندراجها فی علم الأصول إلا لوقوعها کبرویّةً فی قیاس الاستنباط، بینما یعود طرحها فی العلوم الأخرى إلى جهةٍ أخرى"[10].
وأمّا الدکتور عبد الهادی الفضلیّ، فیرى أنّ البحث الأصولیّ "یسیر وفقَ المناهج العامّة الآتیة: 1-المنهج النقلیّ: الذی یعتبر النقول الشرعیّة (نصوص الکتاب والسّنّة) هی المصدر الأساس والوحید لأصول الفقه، حتى فی مثل ما أوضحنا من بدیهیّاتٍ عقلیّةٍ کمفهوم الأولویّة. 2- المنهج العقلیّ: الذی اعتبر العقل المتمثّل فی "العقل الفطریّ" و "سیرة العقلاء"، هو المصدر المعتمد لأصول الفقه، وأنّ المنقول أو النصوص الشرعیّة جاءت تأییداً له وتأکیداً علیه، وربّما أسرفت فی الاعتماد علیه حتى فی مثل ما أشرت إلیه من الأخذ بالنظریّة المنطقیّة التی تقول: "إنّ موضوع کلّ علمٍ هو ما یُبْحَث فیه عن عوارضه الذاتیّة"، وهی –فی حقیقتها– لیست من مدرَکات العقل الفطریّ ولا ممّا تبنّاه العقلاء، إنّما هی نتیجة تفکیرٍ شخصیٍّ أخطأ فیما قصد الإصابة فیه. 3- المنهج التکاملیّ: وهو ذلک المنهج الوسط الذی حاول أن یکون بینَ بینَ، فیأخذ من العقل فی حدود ما یسمح بالرجوع إلیه، ویأخذ من النقل داخل إطار ما یراه مجالاً له"[11]. "ویقوم المنهج الثالث على أنّ عندنا کلّیّات، وهی القواعد الأصولیّة، والطریق إلى إثبات حجّیّتها هو العقل؛ وأنّ عندنا جزئیّات، وهی النصوص الشرعیّة (الآیات والروایات)، والطریق إلى معرفة معناها هو تطبیق قواعد اللغة العربیّة"[12]. وینوّه فی موضعٍ آخر إلى أنّ "مصدر أصول الفقه هو سیرة العقلاء، وإلیها ترجع کلّ المدرَکات العقلیّة التی یذکرها الأصولیّون فی أبواب الأصول، وأنّ ما ورد فی النصوص الشرعیّة (الآیات أو الروایات) فی قضایا الأصول هو إقرارٌ وإمضاءٌ للسیرة العقلائیّة"[13].
إذاً، ترجع مجموع القواعد الأصولیّة بجذورها إلى المرتکزات العقلائیّة أو العلوم الأدبیّة. وبما أنّ بعض مسائل علم الأصول طُرِحَت فی الآیات القرآنیّة، فلا یبدو أنّ کافّة الآیات تأخذ جانب التأیید البحت؛ إذ تتوافق بعض المسائل الأصولیّة مع العقل والفطرة وتؤیّدها تلک الآیات؛ کحجّیّة قول الرسول (ص) وحجّیّة الظهور القرآنیّ. وفی المقابل، یتّخذ قسمٌ آخر منها؛ کالبراءة والاحتیاط الشرعیَّین، طابعاً تعبّدیّاً[14].
کما تحظى الآیات الإمضائیّة لبناء العقلاء فی القسم الأوّل بأهمّیّةٍ بالغةٍ؛ إذ حتى لو قامت کافّة القواعد الأصولیّة على أساس المرتکزات العقلائیّة واللّغویّة والأدبیّة، واتّخذت الآیات طابعاً تأییدیّاً فحسب، فإنّ کلّاً من شمولیّة القرآن والتأکید على ما یقتضیه العقل أو بناء العقلاء ومنع البشر من الغفلة، تدفع بمجموعها؛ إلى عدم استغناء أهل البحث والتحقیق عن القرآن، بل حتى لو اکتسَت الآیات لَبوساً تأییدیّاً بحتاً، فإنّ ضرورة عدم هجر القرآن تفرض الاستناد إلیها فی علمٍ أساس؛ کعلم الأصول.
ثانیاً: تاریخ تدوین آیات أصول الفقه:
نشأ کثیرٌ من العلوم وتطوّر فی ظلّ الإسلام، لیُصار إلى تنظیمها وترتیبها بید علماء الدین، وفی هذا السیاق یمکن أن نشیر إلى علم الفقه الذی لم یقدِّمه القرآن الکریم علماً مستقلّاً، ومع ذلک انبرى الفقهاء إلى تبویبه وتنسیقه استناداً إلى القرآن، مستخرجین منه آیاتٍ بعنوان "آیات الأحکام"، حیث دوّنوا مباحث عدیدةً فیها، الأمر الذی یدفعنا إلى تطبیق القاعدة نفسها على الآیات التی تتعرّض إلى المسائل الأصولیّة من خلال جعلها شواهد ومبانی للمباحث الأصولیّة، بعد استخراجها وجمعها فی مصدرٍ واحدٍ، وهو ما لم یتحقّق حتى الآن.
ولا شکّ فی استناد أصولیّی السنّة والشیعة إلى الآیات القرآنیّة واستشهادهم بها طوالَ تاریخ علم أصول الفقه، ولکنّ السؤال الذی یطرح نفسه: هل تأثرّ الشیعة بالسنّة فی تمسّکهم بالآیات ضمنَ نطاق الأصول[15]، أم أثّروا بهم، أم اتّخذ کلٌّ منهما سبیلاً مستقلّاً عن الآخر؟ وأیٌّ من الفریقَین سبق الآخر فی الاستناد إلى الآیات؟
إنّ العثور على إشاراتٍ لبعض القواعد الأصولیّة فی کلام الأئمّة (عله) لا یمنع من الاعتراف بتأثّر أصولیّی الإمامیّة بنظرائهم من أهل السنّة فی صیاغة المباحث الأصولیّة والاستناد إلى الآیات نتیجةَ دخول الشیعة متأخّرین إلى میدان تدوین الکتب الأصولیّة بالمقارنة مع أهل السنّة. یقول الدکتور عبد الهادی الفضلیّ فی هذا السیاق: "ویلاحظ –هنا- أنّ الشریف المرتضى عندما أراد وضع کتابه الأصولیّ (الذریعة) لم یجد أمامه ما یرجع إلیه فی دراسة المادّة الأصولیّة إلا کتاب شیخه المفید، وهو مختصر جدّاً، وإلى جانبه الکتب الأصولیّة السنّیّة، وهی کثیرةٌ وکاملةٌ فی مادّتها ومتکاملةٌ فیما بینها. وهذا الواقع -بطبیعته- یفرض علیه الرجوع إلى الکتب السنّیّة من ناحیةٍ فنّیّةٍ على الأقل"[16].
وقد سبق أصحاب الأئمّة (عله) السیّد المرتضى؛ فألّفوا کتباً فی الردّ على ما استنبطه أصولیّو السنّة من القرآن؛ ومنهم: أبو سهل النوبختیّ، وإسماعیل بن علیّ؛ صاحبا کتابَی "إبطال القیاس" و"نقض اجتهاد الرأی" على الترتیب[17].
وعلى سبیل المثال، تعود أقدم الکتب، التی استندت إلى آیة النبأ لإثبات حجّیّة خبر الواحد، إلى أهل السنّة، ویبدو أنّ محمّد بن إدریس الشافعیّ (ت: 204 هـ.ق.) هو أوّل من استشهد بالآیة[18]، کما استدلّ البخاریّ (ت: 256 هـ.ق.) فی صحیحه بتلک الآیة فی بابٍ بعنوان "ما جاء فی إجازة الخبر الواحد الصدوق فی الأذان والصلاة والفرائض والأحکام"[19]، کما تمسّک بها کلٌّ من مسلم بن الحجّاج (ت: 261 هـ.ق.) فی صحیحه[20]، ومحمّد بن إدریس الرازیّ (ت: 327 هـ. ق) فی الجرح والتعدیل[21]، والجصّاص (ت: 370 هـ.ق.) فی کتابه الأصولیّ[22]، ثم استشهد أصولیّو الإمامیّة بتلک الآیة بعد تدوین الکتب الأصولیّة؛ کالشیخ المفید، والسیّد المرتضى، والشیخ الطوسیّ، والعلّامة الحلّیّ، وغیرهم، کما یمکن الإشارة إلى التمسّک بالآیة الکریمة: {وَمَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}[23] فی إثبات أصل البراءة الشرعیّة، والذی ورد لأوّل مرّةٍ فی آثار أهل السنّة، لیستدلّ بها أصولیّو الشیعة فی کتبهم فیما بعد[24].
لکن،لم ینبرِ أیّ من العلماء الشیعة أو السنّة حتى الآن إلى تألیف کتابٍ مستقلٍّ بعنوان "آیات الأصول"[25]؛ إذ اکتفى الأصولیّون بالاستشهاد بعددٍ من الآیات بمناسبة البحث عن المسائل الأصولیّة، کما أشار آخرون فی مؤلّفاتهم إلى آیاتٍ یمکن الاستدلال بها فی علم الأصول؛ فقد استعرض ابن شهر آشوب المازندرانیّ[26] (ت: 588هـ.ق.) فی کتابه "متشابهات القرآن ومختلفه" مجموعةً من الآیات ذات الصلة بأصول الفقه، ذاکراً کیفیّة دلالة الآیة على الموضوع الأصولیّ المطروح[27].
وأفرد العلّامة المجلسیّ (ت: 1111هـ.ق.) فی بحار الأنوار باباً بعنوان "ما یمکن أن یُستنبَط من الآیات والأخبار من متفرّقات مسائل أصول الفقه"[28]، استعرض فیه حوالی مئة آیة بترتیب سور القرآن، من دون تحدید المسائل الأصولیّة التی تنتمی إلیها تلک الآیات.
ثمّ جاء السیّد عبد الله شبّر (ت: 1242 هـ.ق.) لیؤلّف کتاب "الأصول الأصلیّة والقواعد الشرعیّة"، جامعاً فیه حوالی مائة بابٍ، یبدأ کلّاً منها بآیةٍ تناسب المقام برأیه (بلغ مجموعها 134 آیة)، ثمّ یستعرض عدداً من الأحادیث.
کما استعرض المرحوم آیة الله البروجردیّ فی صدر عدّة أبواب من کتابه "جامع أحادیث الشیعة" آیاتٍ دالّة على القواعد الأصولیّة[29].
ومن أحدث الدراسات فی هذا المجال الإشارات المجملة والغنیّة التی طرحها الشیخ باقر الإیروانیّ؛ إذ أفرد فی کتابه "دروس تمهیدیّة فی تفسیر آیات الأحکام" فصلاً بعنوان "مسائل أصول الفقه فی الکتاب الکریم"، استعرض فیه اثنتَی عشرة مسألةً أصولیّةً[30]، مستشهداً بأربع وأربعین آیةً قرآنیّةً[31].
ثالثاً: المسار التاریخیّ للاستدلال بالآیات القرآنیّة فی الکتب الأصولیّة:
تشیر دراسة تاریخ علم أصول الفقه الملیء بالتحوّلات إلى اتّخاذ مسار تمسّک الأصولیّین بالآیات القرآنیّة منحىً تنازلیّاً، بالمقارنة مع مستوى انتعاشه الکبیر الذی شهده خلالَ القرون الأولى؛ فقد وسّع الشیخ المفید (ت: 413 هـ.ق.)، الذی أعاد صیاغة الاجتهاد الشیعیّ[32]، نطاق التمسّک بالقرآن والاستناد إلیه فی القواعد الأصولیّة[33]، بما یمکن معه وصف أصوله بـ"قرآنیّة المحور"؛ إذ طرح مباحث الألفاظ -التی لا تختصّ بالقرآن بل تشمل السنّة أیضاً- على أساس القرآن، کما قسّم معانی القرآن إلى مجموعتَین ظاهرة وباطنة، معتبراً کلّاً من الأمر والنهی والخبر والتقریر من أنواع أصول معانی القرآن[34]، فضلاً عن انتقائه أمثلة المباحث الأصولیّة غالباً من القرآن الکریم[35].
وبعد الشیخ المفید، ساهم تلمیذاه السیّد المرتضى (ت: 436 هـ.ق.) والشیخ محمد بن الحسن الطوسیّ (ت: 460 هـ.ق.)، اللّذان یُعَدّان من أساطین علماء الشیعة الإمامیّة، فی بلوغ علم الأصول ذروة مراحل تکامله؛ إذ یُعدّ کتاب "الذریعة" للسیّد المرتضى أوّل محاولةٍ أصولیّةٍ شیعیّةٍ موسّعةٍ تناولت کافّة المباحث الأصولیّة بصورةٍ مفصّلةٍ وجامعةٍ، واستعرضت بکثرةٍ الآیات القرآنیّة التی بلغ مجموعها 154 آیة مع تمتّع القسم الأکبر منها بالبعد الاستشهادیّ[36].
واستدلّ الشیخ الطوسیّ فی کتابه "عدّة الأصول" -الذی یمثّل جهداً عظیماً نحو خلق حالة تحوّلٍ فی علم الأصول- بآیات القرآن الکریم بشکلٍ لافتٍ؛ حتى استند إلیها فی أکثر من 221 مورداً[37]، مستلهماً من أستاذه الشیخ المفید[38]، وقد تمیّز الطوسیّ بتبحّره فی مختلف العلوم؛ فهو من فحول المفسّرین والمحدّثین، فضلاً عن علوّ کعبه فی الفقه والأصول، وقد تجلّى ذلک کلّه فی أعماله المختلفة[39].
وقد تمسّک الشیخ الطوسیّ فی أغلب مباحثه الأصولیّة بآیاتٍ عدیدةٍ فی مناسباتٍ مختلفةٍ، حتى إنّ أصوله اتّخذت سبیلها من معبر القرآن؛ فقد استدلّ -على سبیل المثال- بالآیات 67-71 من سورة البقرة فی ذبح بنی إسرائیل بقرة لإثبات جواز تأخیر البیان عن وقت الحاجة[40].
واهتمّ الشیخ الطوسی بالآیات التی تحمل طابعاً استدلالیّاً واستعان بها فی عملیّة التقعید الأصولیّ[41]، وکذلک بالآیات التی تحمل طابعاً استشهادیّاً[42]، ووظّفها فی إثبات المسائل الکلامیّة بآیةٍ قرآنیّةٍ[43].
وقام من بعده المحقّق أبو القاسم جعفر بن حسن الحلّیّ (ت: 676هـ.ق.)، بتألیف کتاب "معارج الأصول" الذی ظلّ یُدَرَّس فی الحوزات العلمیّة لسنین متمادیةٍ، وقد جمع فیه کافّة المباحث الأصولیّة فی عشرة أبواب، مستدلّاً بالآیات القرآنیّة فی 104 موارد[44].
وبعد المحقّق، ألّف العلّامة حسن بن یوسف الحلّیّ (ت: 726هـ.ق.) کتباً کثیرةً فی علم الأصول، برز منها أثران؛ أحدهما "مبادئ الوصول إلى علم الأصول"؛ حیث استند إلى ما مجموعه 51 آیة لإثبات المباحث الأصولیّة[45]، وردّ أحیاناً تمسّک الآخرین بها[46]، والآخر "تهذیب الوصول إلى علم الأصول" الذی استدلّ فیه بـ132 آیة إمّا إثباتاً لمسائل کلامیّة[47]، أو دعماً لقاعدةٍ أصولیّةٍ[48]، أو شاهداً علیها[49].
وفی أعقاب تلک الحقبة، خَبَت جذوة الاستدلال بالآیات القرآنیّة؛ فلم یتجاوز عدد الآیات التی تمسّک به أصولیٌّ بارزٌ؛ کالحسن بن زین الدین (ت: 1011 هـ.ق.) فی کتابه "معالم الدین" 39 آیة قرآنیّة[50]، وذکر المیرزا القمّی 125 آیة فی کتابه "قوانین الأصول".
واستند الشیخ الأنصاریّ (ت: 1281 هـ.ق.) إلى 116 آیة فی مواضع مختلفة من "فرائد الأصول"[51]، والآیات ذات الصلة بأصالة الإباحة والحلّیّة[52]، وثمرة حجّیّة ظواهر الکتاب[53]، وأصل الصحّة[54]، واستصحاب الشرائع السابقة[55]، واختلافات القراءات[56]، وقد أثار الشیخ عدداً من التساؤلات على دلالة بعض الآیات على المدّعى، واستشهد ببضع آیاتٍ أخرى[57].
ثمّ جاء الآخوند محمد کاظم الخراسانیّ (ت: 1328 هـ.ق.) مستعیناً بما مجموعه 36 آیة فی کتابه "کفایة الأصول"؛ فقد استدلّ بآیات النفر والکتمان وسؤال أهل الذکر لإثبات حجّیّة خبر الواحد (من دون أن یعتبر دلالة أیٍّ منها تامّةً، مستشکلاً فی الاستدلال بها)[58]، وتمسّک بآیة: {فلیحذر الذین یخالفون عن أمره}[59] لإثبات دلالة الأمر على الوجوب[60]، فضلاً عن الآیات ذات البعد الاستشهادیّ[61].
وأمّا المرحوم الشیخ عبد الکریم الحائریّ (ت: 1355هـ.ق.)، فقد ناقش 28 آیة فی کتابه "درر الفوائد"[62]، بینما بحث الشیخ المظفّر (ت: 1383هـ.ق.) فی ما مجموعه 54 آیة ضمنَ کتابه "أصول الفقه"[63].
ومن العلماء المعاصرین، یُظهِر استقصاء ما ورد فی مجلّدَی کتاب "مصباح الأصول" تقریراً لأبحاث السیّد الخوئیّ أنّه استعرض حوالی 35 آیة؛ منها مجموعة ذات بعد استدلالیّ وتأصیلیّ للقواعد الأصولیّة[64]، وأخرى ذات بعدٍ استشهادیّ[65]، فیما أخضع الإمام الخمینیّ فی مجلّدَی کتابه "مناهج الوصول إلى علم الأصول" 14 آیة للدراسة.
کما کان لباقی الأصولیّین سهمٌ فی تلک المحاولات، من خلال الاستناد إلى آیاتٍ من القرآن الکریم، ولکنّ اهتمام أصولیّی الشیعة بالقرآن فی عصرنا الحاضر یکاد لا یرقى إلى ذلک المستوى من الجدّیّة اللّازمة، بل إنّ ثمّة حالاتٍ یبدو فیها أصولیّو السنّة سبّاقین فی الاستناد إلى آیات القرآن الکریم[66]؛ فعلى سبیل المثال، استدلّ السرخسیّ (ت: 490هـ.ق.) واستشهد فی أصوله بحوالی 412 آیة[67]، بینما استدلّ الغزالیّ (ت: 505هـ.ق.) بحوالی 410 آیات[68]، والشاطبیّ (ت: 790هـ.ق.) بحوالی 973 آیة[69]، والشوکانیّ (ت: 1255هـ.ق.) بحوالی 334 آیة[70]، والجصّاص (ت: 370هـ.ق.) فی أصوله بـ421 آیة[71].
وبناءً على ما تقدّم، یُشیر المسار التاریخیّ إلى خفوت بریق استناد أصولیّی الإمامیّة إلى الآیات القرآنیّة، مع الابتعاد عن العهود الأولى؛ ما یطرح السؤال الآتی: هل یمکن اعتبار مجرّد کمّیّة الآیات المستند إلیها دلیلاً على ضعف دور الآیات فی الأصول، أم لعلّ ما استند إلیه الرعیل الأوّل من الأصولیّین من آیات لم تقبله الأجیال التی أتت فیما بعد دلیلاً وأغمضت عنه؟
وفی هذا السیاق، یمکن القول: طَغَت النزعة النقلیّة على العلوم الإسلامیّة طوالَ العهود السابقة من خلال کثرة الاستناد إلى الآیات والروایات فی الأصول، ولکنّ مرور الزمان وتطوّر الاجتهاد أفرزا نموّاً لافتاً لدور العقل على حساب النقل، ما قلّل الحاجة إلى التمسّک بالآیات.
ومع ذلک کلّه، لا یمکننا إغفال حقیقة قلّة حجم الاستناد إلى الآیات وطرحها فی کتب الأصول المتأخّرة؛ إذ یکفی إجراء مقارنة بین کتابَی "الذریعة" للسیّد المرتضى و"عدّة الأصول" للشیخ الطوسیّ من جهة، مع کتابٍ لأصولیّ متاخّر؛ کـ "کفایة الأصول" لیظهر الفرق جلیّاً؛ إذ یورِد الشیخ الطوسیّ استدلالات الآخرین بخمس آیات من القرآن الکریم؛ لإثبات حجّیّة الإجماع، لیردّها جمیعاً[72]، کما طرح المحقّق الحلّیّ ثلاث آیات منها وردّها[73]، بینما لم یُشِر الآخوند الخراسانیّ إلى أیٍّ منها[74].
ویمکن الإشارة فی هذا الصدد إلى تمسّک الشافعیّ فی رسالته بتسع آیات لإثبات حجّیّة خبر الواحد[75]، کما استعرض السیّد المرتضى ثلاث آیاتٍ لإثبات حجّیّة خبر الواحد قبل أن یستشکل على الاستدلال بها[76]، وقد صرّح الشیخ الطوسیّ بذهاب بعضهم إلى وجوب العمل بخبر الواحد، مستدلّین بعددٍ من الآیات، لکنّه استشکل فی دلالتها على المطلوب[77].
وحتى فی القرون الأخیرة، نجد الشیخ الأنصاریّ یستعرض سبع آیات بحثاً ودراسةً لإثبات أصل البراءة[78]، بینما یطرح الآخوند الخراسانیّ آیةً واحدةً فحسب فی هذا الخصوص[79].
إذاً، فمجرّد انخفاض نسبة الاستناد إلى الآیات کمّیّاً لا یدلّ على ضعف دورها فی علم الأصول؛ إذ لعلّ تأرجح مستوى الاستناد إلى الآیات لدى أصولیّی الإمامیّة یعود بجذوره إلى استشراء الاتّجاه العقلیّ فی مدرسة الکلام الشیعیّ، وإهمال مکانة العقل فی الفکر السنّیّ. لکنّ إجماع الأصولیّین على اعتبار علم الأصول مقدّمةً لفهم القرآن والحدیث، یستلزم الاهتمام بالآیات القرآنیّة، فما عدا ممّا بدا حتى یقلّ الاستناد إلیها عملیّاً فی إبراز دلالة الآیات؟ لذا، لا یمکن تبریر ضعف حضور القرآن فی أصول الشیعة بسهولة؛ إذ لا یعنی ازدهار الاجتهاد العقلانیّ وتقدیم قراءة عقلیّة عن العقائد الدینیّة ومعارفها النظریّة، الاستغناء عن المصادر النقلیّة، ولا سیّما القرآن الکریم الذی یشکّل دلیلاً شاملاً فی غناه.
رابعاً: منهجیّات البحث الأصولی فی آیات القرآن:
خضع استناد أصولیّی الشیعة إلى القرآن الکریم لتحوّلاتٍ ملموسةٍ من الناحیة المنهجیّة الکیفیّة، فضلاً عن الجانب الکمّیّ.
وتقوم المنهجیّات على مبدأ تبنّی وسیلةٍ معیّنةٍ أو مصدرٍ ما فی مقاربة آیات القرآن الکریم فی سبیل تبیین معنى آیةٍ أو غایتها وبلوغ نتائج محدّدة؛ فعلى سبیل المثال، إنّ تبنّی فرضیّة دلالة القرآن على قاعدةٍ أصولیّةٍ -سواء أکانت مستقلّةً وتأسیسیّةً أم إمضائیّةً- یفرز نتیجةً مختلفةً؛ تبعاً لنوع القاعدة المفروضة، والأمر نفسه فی حال تطبیق المنهج الأصولیّ أو الأخباریّ لمقاربة الآیات؛ فالمحدّثون ذوو المؤلّفات الأصولیّة؛ کالشیخ الحرّ العاملیّ لا یمکن أن یسلکوا فی الاستدلال بالآیات نهج غیرهم من العلماء الذین رفضوا المسلک الأخباریّ، حتى المعتدل منه؛ فاختلاف استنباط المطالب الأصولیّة من الآیات القرآنیّة ظلّ رهناً باختلاف المناهج المطبّقة فی استخراج معانی القرآن وأسالیب بلوغ مقاصده، ویمکن استعراض منهجَین أساسین فی هذا الصدد؛ هما:
وکان الاختصار -أحیاناً- یقتضی ذِکْر الآیة أو الإشارة إلى دلالتها على الأکثر؛ کما فعل الشیخ حسن بن زین الدین فی کتابة "معالم الدین" والآخوند الخراسانیّ فی کتابه "کفایة الأصول".
وفی المقابل، فصّل آخرون البحث فی الآیات؛ فقد فاقت نقاشات الشیخ الأنصاریّ فی ذیل بعض الآیات ما کان متداولاً من تفاسیر فی الکتب الأصولیّة؛ حیث أسهب الحدیث عن آیة النبأ[81]، مثیراً لأربعة احتمالات فی آیة: {لا یکلّف الله نفساً إلا ما آتاها} (سورة الطلاق، الآیة 7)[82]، فضلاً عن سبره وبحثه فی بیان معنى آیة: {لا تبطلوا أعمالکم} (سورة محمد، الآیة 33)[83].
خامساً: دور القرآن الکریم فی تأصیل القواعد الأصولیّة: "أصل البراءة" أنموذجاً:
تمرّ عملیّة استنباط الحکم الشرعیّ فی الفقه الشیعیّ بمرحلتَین:
- الأولى، البحث عن دلیل الحکم الشرعیّ الواقعیّ.
- الثانیة، تحدید الوظیفة العملیّة بعد البحث وإفراغ الجهد والیأس من الدلیل.
ویُطلَق على الأدلّة التی یستخدمها المجتهد لاستنباط الأحکام الواقعیّة "الأدلّة الاجتهادیّة"، وتسمّى الأدلّة التی یُستنَد إلیها لبلوغ الأحکام الظاهریّة "الأدلّة الفقاهتیّة" أو "الأصول العملیّة"[84]، وأهمّها: أصل البراءة، أصل الاحتیاط، أصل التخییر وأصل الاستصحاب.
وفی الحالات التی یعترینا فیها الشکّ فی أصل التکلیف (الوجوب أو الحرمة)، دونَ أن نعثر على دلیلٍ فیها من بین الأدلّة المتوافرة فی أیدینا، عندئذٍ یُحکَم فی مقام العمل بأصل البراءة وعدم التکلیف؛ تخلّصاً من الشکّ والتردّد.
وفی حالة الشکّ فی الوجوب والحرمة؛ کما "لو شک فی وجوب شیء أو حرمته، ولم تنهض علیه حجّة، جاز شرعاً وعقلاً ترک الأوّل وفعل الثّانی، وکان مأموناً من عقوبة مخالفته"[85].
وفی سبیل إظهار أهمّیّة العنایة بدور القرآن فی علم الأصول بشکلٍ خاصٍّ، سنکتفی بعرض "أصل البراءة" أنموذجاً من بین مختلف المباحث والقواعد الأصولیّة.
وقد اختلف علماء الشیعة فی نطاق أصل البراءة فی ضوء أدلّتها؛ فحکم الأصولیّون بجریانها مطلقاً فی الشبهات الموضوعیّة والحکمیّة الوجوبیّة والتحریمیّة[86]، بینما اعتبر الأخباریّون، بشکلٍ عامٍّ، أصل البراءة جاریاً فی الشبهات الحکمیّة الوجوبیّة والموضوعیّة فحسب، والاحتیاط فی الباقی[87]، واستدلّ کلّ فریقٍ بأدلّةٍ من الکتاب والسنّة.
وسنستعرض فیما یأتی استدلال الأصولیّین ببعض الآیات القرآنیّة؛ حیث تمسّک الأصولیّون بعددٍ من الآیات لإثبات أصل البراءة الشرعیّة[88] فی الشبهات الحکمیّة (التحریمیّة)، ویمکن تقسیم تلک الآیات إلى ثلاث مجموعات:
- الآیات التی تحذّر من العذاب بعد البیان[89].
- الآیات التی تشترط التکلیف بالقدرة[90].
- الآیات الخاصّة بتفویض الأمر إلى الإنسان بعد البیان[91].
وسنکتفی باستعراض ثلاث آیات بنحو موجز، هی الآتیة:
1. قوله تعالى: {وَمَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (سورة الإسراء، الآیة 15)[92].
ویقوم الاستدلال بهذه الآیة، فی مقام إثبات أصل البراءة، على قبول عددٍ من الأفکار:
أ. إنّ بعث الرسول کنایةٌ عن وجود الحجّة وتوافر البیان؛ ما یعنی استحقاق العذاب بعد تبلّغ الخطاب من الشارع على الأحکام[93].
ب. إنّ موضوع الآیة بعث الرسول مصوّباً للعقوبة لا یعنی مداخلة وجوده الجسدیّ فی الثواب والعقاب؛ استیحاءً من تناسب الحکم والموضوع؛ إذ الغرض إتمام الحجّة وبیان التکلیف؛ ما یکشف مُفاد الآیة فی أنّ الله لا یعذّب عباده قبل إتمام الحجّة والبیان.
ج. یمکن أن نستشفّ من نفی وجود العذاب بلا بیان، عدم ثبوت حکمٍ فی مثل تلک الحالات، لئلّا تُعتبر مخالفتها معصیةً؛ إذ تفید الآیة أنّ سنّة الله جرت فی کافّة العصور بعدم إنزال العذاب على أحدٍ من الناس ما لم یتمّ حجّته بإرسال رسوله الظاهر، حتى لو توصّلوا إلى حسن الأفعال أو قبحها بمساعدة عقولهم، لمقتضى اللّطف الإلهیّ الذی یقتضی عدم مؤاخذة الناس على ترک ما وصلهم من تکالیف عن طریق العقل فقط، الأمر الذی یؤدّی إلى تلازم نفی العذاب مع نفی التکلیف وفقاً للآیة؛ فلو ابتُلِی مکلَّفٌ بشبهةٍ تحریمیّةٍ، فهو بمنزلة من لم یُبلَّغ بأیّ حکمٍ، لا من نوعه الأوّلیّ ولا من الثانویّ، فلا یستحقّ العذاب لارتکابها، فی تجسیدٍ لبراءة الذمّة من التکلیف.
إشکال: هل المراد من العذاب هو العذاب الأخرویّ؟
لا یمکن الاستدلال بالآیة على البراءة؛ إلا إذا کان المراد من العذاب المذکور فیها هو العذاب الأخرویّ؛ لأنّ تفسیره بالعذاب الدنیویّ یجعل من الاستدلال بالآیة على المطلوب ناقصاً، الأمر الذی دفع بعضهم إلى الاستشکال على ذلک الاستدلال بتبنّی القول بالعذاب الدنیویّ فی تفسیر الآیة بقرینة الآیات التی تتبعها، وتکرار صیغة الماضی فی العبارات؛ من قبیل "ما کنّا" و"ما کان"، فضلاً عن الإشارة إلى رفع العذاب الدنیویّ عن الأمم السابقة؛ بأنّ سنّة الله اقتضت عدم القضاء على الأمم السابقة وتعذیبها من دون إتمام الحجّة علیها؛ ما یستبعد معنى العذاب الأخرویّ المتلازم مع التکلیف[94].
وقد ذهب بعض المفسّرین المعاصرین -ومنهم العلّامة الطباطبائیّ- إلى تفسیر العذاب بعذاب الاستئصال الدنیویّ؛ حیث لم یقل -تعالى-: "ولسنا معذّبین" أو "لا نعذّب" أو "لنعذّب" بل قال: {وما کنّا معذّبین}[95] الدالّ على استمرار النفی فی الماضی الظاهر فی أنّ السنّة الإلهیّة فی الأمم الخالیة الهالکة کانت جاریةً على أن لا یعذّبهم إلا بعد أن یبعث إلیهم رسولاً ینذرهم عذاب الله. ویؤیّده -أیضاً- أنّه -تعالى- عبّر عن هذا المبعوث بالرسول دون النبیّ؛ فلم یقل "حتى نبعث نبیّاً"، والرسالة منصب خاصٌّ إلهیٌّ یستعقب الحکم الفصل فی الأمّة، إمّا بعذاب الاستئصال وإمّا بالتمتّع من الحیاة إلى أجلٍ مسمّىً؛ أمّا النبوّة، فلیست منصباً تنتج مثل تلک اللّوازم. ثمّ إنّ الآیة عند الطباطبائیّ خارجة عن الدلالة على قبح العقاب بلا بیان؛ لتقدّم البیان بالعقل والأنبیاء (عله)، بل هی ناظرة إلى رحمة الله -تعالى- بعدم إجراء سنّة التعذیب قبل إرسال الرسول، على الرغم من استحقاق العقوبة[96].
وفی معرض الردّ على ما سبق، یمکن القول:
- لا مانع أن یمتنّ الله -تعالى- برفع العذاب الأخرویّ عن الناس؛ کما العذاب الدنیویّ (لقبح العقاب -بنوعَیه الدنیویّ والأخرویّ- بلا بیان؛ إذ إنّ معیار القبح إنزال العذاب قبل إتمام الحجّة، وهو یصدق على کلا العذابَین)؛ لأنّه على الله -کما یقول الفاضل التونیّ- بیان ما یصلح الناس وما یفسد، ولا یخلو زمانٌ عن إمامٍ معصومٍ، لیعرف الناس ما یصلحهم وما یفسدهم، وإلا لم تتمّ الحجّة على العباد، یقول -تعالى-: {لِّیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَن بَیِّنَةٍ وَیَحْیَىٰ مَنْ حَیَّ عَن بَیِّنَةٍ} (الأنفال: 42)[97]، کما اعتبر أبو حیّان الأندلسیّ الآیة عامّةً تشمل کلا العذابَین[98]، مستشهداً بالآیة التی تتبعها؛ حیث یقول -تعالى-: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِکَقَرْیَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِیهَا فَفَسَقُوا فِیهَا فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِیرًا}[99]؛ فجملة "فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ" وأمثالها من الآیات: {کُلَّمَا أُلْقِیَ فِیهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ یَأْتِکُمْ نَذِیرٌ * قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِیرٌ فَکَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّـهُ مِن شَیْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِی ضَلَالٍکَبِیرٍ * وَقَالُوا لَوْ کُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا کُنَّا فِی أَصْحَابِ السَّعِیرِ}[100]، و{إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ بِالْحَقِّ بَشِیرًا وَنَذِیرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِیهَا نَذِیرٌ}[101] شواهد على التعمیم.
ویظهر من کلام الشیخ الطوسیّ میله إلى تفسیر الآیة بالعذاب الأخرویّ[102]، بینما اعتبرها الطبرسیّ عامّةً[103].
إذاً، یتمّ المطلوب بالاستدلال على الآیة؛ إذ نستشفّ منها، بقرینة الآیات التی تتبعها، أنّ شأن الربوبیّة لا ینسجم مع العقاب بلا بیان، الذی ینطبق على الشبهة التحریمیّة التی لم یصل بیانٌ حولها.
- تمسّک بعض الأصولیّین بمفهوم الأولویّة[104] بالتقریب الآتی: إذا کان العذاب الدنیویّ، الذی یُعَدّ تافهاً بالمقارنة مع نظیره الأخرویّ، بحاجةٍ إلى بیانٍ، فلا غروَ حینئذٍ فی توقّف العذاب الأخرویّ على البیان بطریقٍ أولى.
- جملة "ما کنّا" و"ما کان" منسلخةٌ عن الزمان[105]؛ فلا علاقة لصیغة الماضی فی معناها، وتدلّ تطبیقاتها القرآنیّة على استعمالها بمعنى أنّ إنزال العقاب بشخصٍ قبل البیان وإتمام الحجّة الشرعیّة لا یلیق بشأن الباری عزّ وجلّ، وهو حکمٌ جارٍ فی کافّة الأزمان والعصور ولا تستثنى منه أمّةٌ دونَ أخرى[106].
2. قوله -تعالى-: {قُل لَّا أَجِدُ فِی مَا أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلَّا أَن یَکُونَ مَیْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا}[107].
لا تحاول الآیة إثبات شیءٍ أو نفی آخر، بل تنبری للردّ على الکفّار والمشرکین والیهود ممّن حرّموا بعض الأطعمة على أنفسهم افتراءً، فیوجّه القرآن الکریم الرسول (ص) إلى مخاطبة تلک الفئة بتلک الآیة وأنّه لم یعثر فی ما أُنزِل علیه ما ابتدعوا من تحریم، واستخدام تعبیر "لا أجد" بدلَ "لا یوجَد" فی الآیة یدلّ على جواز ارتکاب فعلٍ ما بمجرّد عدم العثور علیه فی قائمة المحرّمات؛ بما یقطع الطریق على اللّجوء إلى الاحتیاط[108]؛ فالوحی هو المعیار فی إثبات حرمة الأشیاء من عدمها، لا هوى النفس والافتراء على الله؛ علماً أنّ عدم عثور الرسول (ص) على المحرّمات لا یشابه عدم عثور الآخرین؛ لأنّ إعلانه (ص) عدم العثور دلیلٌ على حکمٍ تحریمیٍّ قطعیٍّ؛ ما یقطع الطریق على أیّ نوعٍ من الشکّ والتردید فی الحرمة أو الحلّیّة، الأمر الذی یدفع إلى استنتاج افتقار المحرّمات إلى بیانٍ شرعیٍّ والحکم بالحلّیّة فی الموارد المشتبهة التی لم یُعثَر على دلیلٍ على الحرمة، وهی من المسائل الارتکازیّة[109] التی تنصّ على بقاء الأشیاء على حالتها الذاتیّة والطبیعیّة المتمثّلة بالإباحة، ما لم تَرِد فیها حرمة شرعیّة.
وتبیّن عبارة "لَّا أَجِدُ فِی مَا أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّمًا" بوضوحٍ أنّ موضوع الآیة الشبهة الحکمیّة والتحریمیّة، وتُفهَم منها حلّیّة ما لم یرد فیه وحیٌ، فضلاً عن أنّ عبارة "لا أجد" تدلّ على حلّیّة الأشیاء بعد التفحّص؛ ما یؤدّی إلى وقوع الآیة فی مقابل أدلّة الأخباریّین القائمة على الاحتیاط فی الشبهة التحریمیّة وردّها.
وذکر الشعرانیّ فی حاشیته على تفسیر مجمع البیان: "إنّ تبنّی القول بعدم نسخ الآیة: {لَّا أَجِدُ فِی مَا أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّمًا...} بالآیات التی تذکر المحرّمات الأخرى، یستلزم الحکم بإباحة وحلّیّة کلّ الأطعمة الحیوانیّة وغیرها، عدا ما ثبتت حرمته بدلیلٍ. أمّا إذا اعتبرنا الحصر فی الآیة إضافیّاً ونسبیّاً، عندئذٍ تصبح الآیة بصدد استعراض الموارد التی حرّمها الکفّار والمشرکون، الأمر الذی یستلزم الحکم بإباحة کلّ شیءٍ وحلّیّته من باب قاعدة "أصالة الإباحة" أو "أصالة البراءة" فحسب (دونَ أیّ بابٍ آخر)، وهی قاعدة تجری فی الحیوانات، ما یعنی أنّ کلّ حیوانٍ، بحکم تلک القاعدة، مباحٌ وحلالٌ ما لم یَرِد دلیلٌ یثبت الحرمة"[110].
3. قوله تعالى: {وَمَا لَکُمْ أَلَّا تَأْکُلُوا مِمَّا ذُکِرَ اسْمُ اللَّـهِ عَلَیْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَکُم مَّا حَرَّمَ عَلَیْکُمْ}[111].
ذمّ الله -تعالى- فی هذه الآیة الیهود لامتناعهم عن أکل لحوم الحیوانات المذکّاة، مع خروجها من قائمة المحرّمات التی بیّنها لهم، ما یدلّ على البراءة من الحرمة فی الشبهات التحریمیّة[112]، وتتّضح تلک الدلالة أکثر بقرینة السیاق واستمداد الآیة التی تسبقها؛ فهی ظاهرةٌ فی عدم جواز ترک العمل الذی لم یُذکَر حکمه فی قائمة المحرّمات المعروضة على الرسول (ص) من ناحیةٍ، ولم یصدر حکم بتحریمها من ناحیةٍ أخرى.
إذاً، تثبت الآیة بطلان الالتزام بوجوب الاحتیاط، فضلاً عن إثبات البراءة، کما یُستشَفّ منها عدم جواز الالتزام بترک فعلٍ لم یُذکَر فی زمرة الأحکام المذکورة تفصیلاً؛ ما یعنی بطلان وجوب الاحتیاط.
ولعلّ دلالة الآیة على البراءة أظهر من الآیة التی سبقتها؛ حیث وبّخت الیهود على تشریع تحریم ما أُحِلّ، بینما تدلّ هذه الآیة بالظهور اللّفظیّ على عدم جواز الالتزام بالاحتیاط بترک فعلٍ ما لم یرد فی قائمة الأحکام التفصیلیّة.
إنّ الآیات المتقدّمة واضحة الدلالة على البراءة فی الشبهات التحریمیّة، بل إنّ آیاتٍ مثل الآیة الأخیرة تکشف عن بطلان الالتزام بترک الموارد مشکوکة الحرمة؛ إذ قد ترتکز على التشریع.
کما تدلّ آیاتٌ أخر على البراءة من باب التمسّک بمفهوم الأولویّة؛ فعندما یفتقر العذاب الدنیویّ، الذی لا یُقارَن بنظیره الأخرویّ، إلى البیان وإرسال الرسول وإتمام الحجّة، فإنّ العذاب الأخرویّ سوف یتوقّف على البیان بطریقٍ أَولى، ما یفرض تجنّب الحرام المعلوم.
أمّا فی حالة المشتبهات التی لا یُعلَم حرمتها، فلا عقاب على المکلّف المرتکب لفعلٍ محرّمٍ فی الواقع، بعد أن یبذل جهده فی الوصول إلى حکمه ورأی الشارع فیه، من دونَ أن یعثر على دلیلٍ على الحرمة؛ لعدم وصول حرمة ذلک الفعل إلى الفعلیّة والتنجّز فی حقّه؛ بعد عدم العثور على دلیلٍ، ما یمنع صدور أمر العذاب بلا بیانٍ من طرف الحکیم.
خاتمة:
بناءً على ما تقدّم فی هذه المقالة یمکن إیجاز مجموعة من النتائج والتوصیات، أبرزها الآتیة:
[1] باحثان فی الفکر الإسلامی، من إیران.
[2] انظر: المرتضى، علی بن الحسین: الذریعة إلى علم الأصول، تصحیح وتقدیم وتعلیق: أبو القاسم الکرجیّ، طهران، جامعة طهران، 1346هـ.ش، ج2، ص56؛ الطوسیّ، محمد بن الحسن: عدّة الأصول، تحقیق: محمد رضا الأنصاریّ القمّیّ، قم المقدّسة، ستارة، 1376هـ.ش، ج1، ص111؛ التونیّ، عبدالله: الوافیة فی أصول الفقه، تحقیق: محمد حسین الرضویّ الکشمیریّ، قم المقدّسة، مجمع الفکر الإسلامیّ، 1412هـ.ق، ص162-163؛ الأنصاریّ، مرتضى: فرائد الأصول، قم المقدّسة، مجمع الفکر الإسلامیّ، 1427هـ.ق، ج1، ص65.
[3] انظر: السرخسیّ، أبو بکر: أصول السرخسیّ، تحقیق: أبو الوفاء الأفغانیّ، بیروت، دار الکتب العلمیّة، 1414هـ.ق، ج2، ص125؛ الغزالیّ، محمد: المستصفى فی علم الأصول، بیروت، دار الکتب العلمیّة، 1417هـ.ق، ج1، ص172.
[4] انظر: الطوسیّ، عدّة الأصول، م.س، ج2، ص674؛ الحکیم، محمد تقی: الأصول العامّة للفقه المقارن، قم المقدّسة، مؤسّسة آل البیت، 1979م، ص334.
[5] انظر: المصطفویّ، محمد کاظم: مئة قاعدة فقهیّة، قم المقدّسة، رابطة المدرّسین، 1417هـ.ق، ص7.
[6] انظر: الفیّاض، محمد إسحاق: محاضرات فی أصول الفقه (تقریر لأبحاث السیّد أبی القاسم الموسوی الخوئی)، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ، 1419هـ.ق، ج1، ص7.
[7] التونیّ، الوافیة فی أصول الفقه، م.س، ص250-251.
[8] الخمینیّ، روح الله: تهذیب الأصول، قم المقدّسة، دار الفکر، لا ت، ج3، ص140.
[9] انظر: الفیّاض، محاضرات فی أصول الفقه، م.س، ج1، 8؛ ج2، ص118.
[10] الکرجیّ، أبو القاسم: تاریخ الفقه والفقهاء، طهران، مطبعة سمت، 1385هـ.ق، ص312-313.
[11] الفضلیّ، عبد الهادی: دروس فی أصول فقه الإمامیّة، بیروت، 1420هـ.ق، ج1، ص56.
[12] الفضلیّ، دروس فی أصول فقه الإمامیّة، م.س، ج1، ص66.
[13] م.ن، ص119.
[14]بناءً على تقدیر عدم تمامیّة البراءة العقلیّة، وإلا قامت البراءة الشرعیّة على أساس البراءة العقلیّة نفسها، ما یجعل الآیات القرآنیّة مؤیّدةً.
[15] حیث ادّعى أصحاب المدرسة الأخباریّة عند الشیعة أنّ علم الأصول هو علم دخیل ومستعار من أهل السنّة، لا حاجة له مع وجود روایات المعصومین (عله). (انظر: الأسترآبادیّ، محمد أمین: الفوائد المدنیّة، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ، 1424هـ.ق، ص77، 104؛ البحرانیّ، یوسف: الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة، تحقیق: محمد تقی الأیروانیّ، بیروت، دار الأضواء، 1405هـ.ق، ج9، ص361-367)
[16] الفضلیّ، دروس فی أصول فقه الإمامیّة، م.س، ج1، ص66.
[17] انظر: الأمین العاملیّ، السیّد محسن: أعیان الشیعة، تحقیق: حسن الأمین، بیروت، دار التعارف، 1403هـ.ق، ج3، ص387.
[18] انظر: الشافعیّ، محمد بن إدریس: کتاب الأمّ، ط2، بیروت، دار الفکر، 1403هـ.ق، ج7، ص99.
[19] انظر: البخاریّ، محمد بن إسماعیل: صحیح البخاریّ، بیروت، دار الفکر، 1401هـ.ق، ج8، ص132.
[20] انظر: النیشابوریّ، مسلم بن الحجّاج: صحیح مسلم، بیروت، دار الفکر، لا.ت، ج1، ص6 -7.
[21] انظر: الرازیّ، محمد بن إدریس بن منذر التمیمیّ: الجرح والتعدیل، بیروت، دار إحیاء التراث العربیّ، 1420هـ.ق، ج2، ص4.
[22] انظر: الجصّاص، أبو بکر أحمد بن علی الرازیّ: الفصول فی الأصول، تحقیق: عجیل جاسم المنشی، بیروت، دار إحیاء التراث العربیّ، 1405هـ.ق، ج3، ص80.
[23] سورة الإسراء، الآیة 15.
[24] مثل: الطبریّ، محمد بن جریر: جامع البیان فی تأویل القرآن، بیروت، دار المعرفة، 1412هـ.ق، ج9، ص15؛ ج15، ص70؛ النحّاس، جعفر: معانی القرآن، تحقیق: محمد علی الصابونی، ط1، السعودیة، جامعة أم القرى، 1409هـ.ق، ج4، ص132؛ الجصّاص، أحکام القرآن، م.س، ج3، ص254. ثم تبعهم کلٌّ من المرتضى، علی بن الحسین: الأمالی، تصحیح وتعلیق: محمد بدر الدین النعسانی الحلبی، ط1، قم المقدّسة، منشورات مکتبة آیة الله العظمى المرعشی النجفی، 1325هـ.ق/ 1907م، ج1، ص3؛ الطوسیّ، محمد بن الحسن: التبیان فی تفسیر القرآن، قم المقدّسة، مکتب الإعلام الإسلامیّ، 1409هـ.ق، ج4، ص110؛ وباقی أصولیّی الإمامیّة فی التمسّک بالآیة لإثبات أصل البراءة الشرعیّة.
[25] طُبِع مؤخّراً کتاب لدى أهل السنّة بعنوان "استدلال الأصولیّین بالکتاب والسنّة على القواعد الأصولیّة" لمؤلّفه عیاض بن نامی السلمیّ، (ط1، الریاض، 1418هـ.ق.)، وقد خصّص نصف کتابه لبیان کیفیّة استدلال الأصولیّین بالآیات القرآنیّة، فیما جعل النصف الآخر لتناول الاستدلال بالروایات فی أصول الفقه.
[26] من علماء القرن السادس الهجریّ.
[27] انظر: المازندرانیّ، محمد بن علی (ابن شهر آشوب): متشابه القرآن ومختلفه، طهران، شرکة طبع کتاب المساهمة، 1328هـ.ق، ج2، ص140-157.
[28] انظر: المجلسیّ، محمد باقر: بحار الأنوار، بیروت، مؤسّسة الوفاء، 1403هـ.ق/ 1983م، ج2، باب33، ص268.
[29] منها: حجّیّة الظواهر، انظر: البروجردیّ، حسین: جامع أحادیث الشیعة، قم المقدّسة، المطبعة العلمیّة، 1399هـ.ق، ج1، ص104؛ حجّیّة سنّة الرسول (ص)، انظر: م.ن، ص120؛ حجّیّة خبر الثقة، انظر، م.ن، ص219.
[30] هی: حجّیّة خبر الواحد، حجّیّة البیّنة، حجّیّة سنّة الرسول (ص)، حجّیّة سنّة أهل البیت (ع)، سنّة الصحابیّ، القیاس، حجّیّة الإجماع، أصل البراءة، أصل الاحتیاط، عدم حجّیّة الظنّ، اشتراط القدرة فی التکلیف، رفع التکلیف بالإکراه.
[31] انظر: الأیروانیّ، باقر: دروس تمهیدیّة فی تفسیر آیات الأحکام، دار الفقه للطباعة والنشر، 1425هـ.ق، ج2، ص660-669.
[32] انظر: الأمین العاملیّ، أعیان الشیعة، م.س، ج9، ص422؛ کرجی، تاریخ الفقه والفقهاء، م.س، ص145.
[33] انظر: المفید، محمد: التذکرة بأصول الفقه، تحقیق: الشیخ مهدی نجف، بیروت، دار المفید للطباعة والنشر، 1414هـ.ق، ص29، 31، 32، 34.
[34] انظر: م.ن، ص29.
[35] استند الشیخ المفید فی کتابه "التذکرة بأصول الفقه" ذی الـ45 صفحة إلى ما مجموعه 26 آیة.
[36] انظر: المرتضى، الذریعة إلى علم الأصول، م.س، ج1، ص28، 110، 208، 299، 366.
[37] انظر: الطوسیّ، عدّة الأصول، م.س، ج2، ص767.
[38] انظر: ضمیری، محمد رضا: موسوعة أصولیّی الشیعة، قم المقدّسة، بوستان کتاب، 1384هـ.ش، ص192.
[39] انظر: الطوسیّ، عدّة الأصول، م.س، ج2، ص257-262.
[40] انظر: الطوسیّ، عدّة الأصول، م.س، ج2، ص57.
[41] انظر: م.ن، ج1، ص110؛ ج2، ص469، ص605.
[42] انظر: م.ن، ج1، ص165.
[43] انظر: م.ن، ج2، ص569-575. ومن هذه الموارد: معنى التأسّی بالرسول (ص) (انظر: م.ن، ج2، ص569)؛ تنوّع أفعال الرسول (ص) (انظر: م.ن، ج2، ص575). ویعود السبب فی ذلک إلى طرح بعض علماء تلک الحقبة بعض المسائل الکلامیّة فی علم الأصول، لیُصار إلى تشذیب علم الأصول فی العصور التالیة، وفصل المسائل الکلامیّة عنها.
[44] انظر: الحلّیّ، جعفر بن حسن (المحقّق): معارج الأصول، تحقیق: محمد حسین الرضویّ، قم المقدّسة، مؤسّسة آل البیت لإحیاء التراث، 1403هـ.ق..
[45] على سبیل المثال: دلالة صیغة الأمر على الوجوب (الحلّیّ، حسن بن یوسف بن مطهّر (العلّامة): مبادئ الوصول إلى علم الأصول، تعلیق: عبد الحسین محمد علی البقّال، بیروت، دار الأضواء، 1406هـ.ق، ص91)؛ تکلیف الکفّار بالفروع (م.ن، ص110)؛ عدم حجّیّة القیاس (م.ن، ص214)؛ عدم جواز التقلید على الرسول (ص) (م.ن، ص247)؛ حجّیّة خبر الواحد (م.ن، ص204)؛ حجّیّة إجماع العترة (ع) (م.ن، ص195).
[46] انظر: م.ن، ص110.
[47] انظر: العلّامة الحلّیّ: تهذیب الوصول إلى علم الأصول، تحقیق: سیّد محمد الکشمیریّ، لندن، مؤسّسة الإمام علی (ع)، 1421هـ.ق، ص174-175. وقد ذکر فی أحد المواضع الآتی: "الأقرب أنّه (ص) قبل النبوّة لم یکن متعبّداً بشرع أحدٍ؛ وإلا لاشتهر ولافتخر به أربابها، أمّا بعد النبوّة فالحقّ أنّه کذلک، وقوله -تعالى-: {فَبِهُداهُم اقتَدِه} (الأنعام:90)؛ أمره بالاقتداء بالهدى المشترک من التوحید وشبهه" (انظر: م.ن، ص179)؛ ویقول فی موضعٍ آخر: "الحقّ أنّه لم یکن متعبّداً بالاجتهاد، لقوله -تعالى-: {وما یَنطِقُ عن الهَوى} (النجم:30)" (انظر: م.ن، ص283).
[48] من قبیل: بطلان تأخیر البیان عن وقت الحاجة (انظر: م.ن، ص165)؛ صیغة الأمر حقیقةٌ فی الوجوب (انظر: م.ن، ص96)؛ جواز تخصیص القرآن بالقرآن (انظر: م.ن، ص147)؛ المطلق والمقیّد (انظر: م.ن، ص154)؛ حجّیّة خبر الواحد (انظر: م.ن، ص229)؛ جواز تقلید العامّیّ فی فروع الدین (انظر: م.ن، ص122).
[49] انظر: م.ن، 73، 77، 79. من نماذج ذلک: اختلاف الحقیقة والمجاز (انظر: م.ن، ص77)؛ وجود المجاز فی اللّغة (انظر: م.ن، ص79-80)؛ عدم جواز استعمال اللّفظ المشترک فی جمیع معانیه إلا على نحو المجاز، مع أنّ البعض جوّزه استناداً إلى الآیتَین: {إنَّ اللهَ وَملائکتَه یُصَلّون على النبیّ} (الأحزاب:56)، و {ألم تَرَ أنّ اللهَ یسجدُ له من فی السماواتِ والأرضِ} (الحجّ:18) (انظر: م.ن، ص73).
[50] تتمتّع بعض تلک الآیات بطابعٍ استدلالیٍّ؛ کدلالة الأمر على الوجوب، استناداً إلى الآیات: 12 من سورة الأعراف، و34 من سورة البقرة، و63 من سورة النور (انظر: العاملی، حسن بن زین الدین: معالم الدین، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ، لا ت، ص47-48)؛ مفهوم الشرط، استناداً إلى الآیتَین: 282 من سورة البقرة، و33 من سورة النور (انظر: م.ن، ص78).
[51] انظر: الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج1، ص254؛ ج4، ص165.
[52] انظر: م.ن، ج1، ص148-149، 247.
[53] انظر: م.ن، ج1، ص155.
[54] انظر: الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج3، ص345.
[55] انظر: م.ن، ج3، ص229.
[56] انظر: م.ن، ج1، ص248.
[57] انظر: م.ن، ج2، ص31، 323.
[58] انظر: الآخوند الخراسانیّ، محمد کاظم: کفایة الأصول، قم المقدّسة، مؤسّسة آل البیت، 1409هـ.ق، ص296.
[59] سورة النور، الآیة 63.
[60] انظر: م.ن، ص63.
[61] انظر: م.ن، ص62، 197، 232، 253، 339.
[62] انظر: الحائری، عبد الکریم: درر الفوائد، تعلیق: محسن الأراکی، تحقیق: محمد مؤمن القمی، ط5، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، لا ت.
[63] انظر: المظفّر، محمد رضا: أصول الفقه، قم المقدّسة، مکتب الإعلام الإسلامیّ، 1375هـ.ش.
[64] انظر: الحسینیّ البهسودیّ، محمد سرور واعظ: مصباح الأصول (تقریر أبحاث السید أبو القاسم الخوئی)، قم المقدّسة، مکتبة الداوریّ، 1417هـ.ق، ج2، ص113، 152، 183، 187، 189، 255.
[65] البهسودی، مصباح الأصول، م.س، ج2، ص21، 40، 46، 114.
[66] ذکّر السیّد محمود الشهابیّ فی هذا الموضوع منذ حوالی سبعین عاماً: "کلّما اقترب زمن تألیف الکتب الأصولیّة من عصر صدر الإسلام، کثر احتواؤها على الآیات والروایات، بینما قلّ حجم استشهادها بالآیات والروایات واستنادها بالمدارک النقلیّة وتطبیقها على فروع الأحکام مع ابتعادها عن ذلک العصر، لیتجرّد علم الأصول -بالتدریج ومع مرور الزمان- عن مادّته الأساسیّة وموارده الفقهیّة متّجهاً نحو تقویة الطابع الصناعیّ وتعمیم المطالب، وهو ما یظهر جلیّاً بمقارنة رسالة الشافعیّ مع أحد کُتُب عصرنا" (الشهابیّ، محمود: تقریرات الأصول، ط1، طهران، لا ن، 1321هـ.ش، ص27، الهامش).
[67] انظر: السرخسیّ، أصول السرخسیّ، م.س، ج1-2.
[68] انظر: الغزالیّ، المستصفى فی علم الأصول، م.س.
[69] انظر: الشاطبیّ، إبراهیم: الموافقات فی أصول الفقه (4\4)، تقدیم: بکر بن عبد الله أبو زید، تحقیق: مشهور بن حسان آل سلمان، ط1، السعودیة-الخُبر، دار ابن عفان، 1417هـ.ق/ 1997م.
[70] انظر: الشوکانیّ، محمد بن علی بن محمد: إرشاد الفحول إلى تحقیق علم الأصول، بیروت، مؤسّسة الثقافة، 1417هـ.ق/ 1999م، ص481-494.
[71] انظر: الجصاص، أحکام القرآن (3\3)، م.س.
[72] انظر: الطوسیّ، عدّة الأصول، م.س، ج2، ص605.
[73] انظر: المحقّق الحلّیّ، معارج الأصول، م.س، ص127.
[74] الخراسانیّ، کفایة الأصول، م.س، ص 209.
[75] الشافعی، محمد بن إدریس: الرسالة، بیروت، دار الکتب العلمیّة، لا ت، ص436-437.
[76] انظر: المرتضى، الذریعة إلى علم الأصول، ج2، ص407.
[77] انظر: الطوسیّ، عدّة الأصول، م.س، ج1، ص108.
[78] انظر: الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج2، ص21-26.
[79] انظر: الخراسانیّ، کفایة الأصول، م.س، ص339.
[80] انظر: الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج1، ص254، 297، 311، 351؛ الخوئیّ، محاضرات فی أصول الفقه، م.س، ج2، ص196، 255.
[81] انظر: الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج1، ص254-276.
[82] انظر: م.ن، ج2، ص21-22.
[83] انظر: م.ن، ص377.
[84] انظر: م.ن، ص14؛ الحکیم، الأصول العامّة للفقه المقارن، م.س، ص74.
[85] الخراسانیّ، کفایة الأصول، م.س، ص338. وهذا ما یعنی الحکم بالإباحة، مع لزوم الأخذ بعین الاعتبار اتّفاق کلٍّ من البراءة الشرعیّة والإباحة الواقعیّة؛ نتیجةً، واختلافهما فی أنّ الإباحة الواقعیّة تجری فی الموارد التی لا مصلحة ولا مفسدة فیها؛ إذ إنّ الإباحة بحدّ ذاتها من الأحکام الواقعیّة التکلیفیّة لا الاقتضائیّة؛ أی لا تقتضی وجوباً أو حرمةً أو استحباباً أو کراهةً، بینما مورد البراءة الشکّ فی التکلیف؛ فقد یکون لذلک الشیء المشکوک مصلحة أو مفسدة فی الواقع، ولکن بما أنّ المکلّف لا علم له بهما، فقد أذن له الشارع فی ارتکابه أو ترکه فی مقام العمل، فالبراءة تنفی التکلیف والعقاب عمّن ارتکب العمل محتمل الحرمة أو ترک العمل محتمل الوجوب (انظر: م.ن، ص338). وبمجرّد اکتشافه للحکم الواقعیّ لا مجال للبراءة، فقد ورد فی الروایة: "کلّ شیءٍ فیه حلال وحرام فهو لک حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعینه فتدعه" (الحرّ العاملیّ، محمد بن الحسن: وسائل الشیعة إلى تحصیل مسائل الشریعة، قم المقدّسة، مؤسّسة آل البیت، 1414هـ.ق، ج17، ص88)؛ کما ورد: "ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم" (م.ن، ج27، ص163). أمّا الفرق الآخر فهو أنّ الإباحة حکم واقعیّ فیما البراءة حکم ظاهریّ (انظر: الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج2، ص10). فضلاً عن أنّ الإباحة تدور بین الجواز والمنع، بینما تجری البراءة فی ثلاثة موارد: أ. الوجوب والجواز، ب. الحرمة والجواز، ج. الوجوب والحرمة. ثمّ إنّ الدلیل على أصالة الإباحة اجتهادیّ، فیما الدلیل على أصالة البراءة فقاهتیّ؛ ما یجعل أصل الإباحة حکماً واقعیّاً فی مقام الإثبات، بینما یثبت أصل البراءة الحکم الظاهریّ (انظر: م.ن، ج3، ص329).
[86] انظر: المرتضى، الذریعة إلى علم الأصول، م.س، ج2، ص101، 809؛ الطوسیّ، عدّة الأصول، م.س، ج2، ص742؛ الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج2، ص20، 148؛ الخراسانیّ، کفایة الأصول، م.س، ص338.
[87] انظر: الحرّ العاملیّ، وسائل الشیعة، م.س، ج27، ص163؛ الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج1، ص148؛ الحکیم، الأصول العامّة للفقه المقارن، م.س، ص481.
[88] اختلفت الآراء فی البراءة العقلیّة: فقبلها مشهور الأصولیّین؛ أمثال: السیّد المرتضى (انظر: رسائل الشریف المرتضى، تحقیق: أحمد الحسینیّ، قم المقدّسة، دار القرآن الکریم، 1405هـ.ق، ج2، ص101-102)؛ والمحقّق الحلّیّ (انظر: معارج الأصول، م.س، ص188)؛ الشیخ محمد علی الکاظمیّ (انظر: فوائد الأصول (تقریر أبحاث الشیخ محمد حسین النائینیّ)، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ، 1406هـ.ق، ج3، ص215)؛ السید الخوئیّ (انظر: الحسینیّ البهسودیّ، مصباح الأصول، م.س، ج2، ص254)؛ الآخوند الخراسانیّ (کفایة الأصول، ص346). ویرى بعضهم أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان أمرٌ عقلائیٌّ أمضاه الشارع (انظر: المقدسی، أحمد: أنوار الأصول (تقریر أبحاث الشیخ ناصر مکارم الشیرازی)، ط2، قم المقدّسة، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، 1428هـ.ق، ج3، ص58)؛ أمّا الشهید الصدر فقد طرح نظریّة "حقّ الطاعة" التی تؤدّی إلى إنکار البراءة العقلیّة، وبیّن أنّ مجرّد خطور احتمال حکم إلزامیّ من قبل المولى فی ذهن الإنسان، یقتضی بحکم العقل عدم التهرّب من تحمّل مسؤولیّة التکلیف بحکم حقّ المولویّة فیه والمبادرة إلى ارتکاب ذلک المحتمل؛ إذ لو لم یکتفِ المکلّف بمجرّد احتمال وجود التکلیف مع وجود ذلک التکلیف واقعاً، عندئذٍ یحکم العقل باستحقاق مثل ذلک العبد للعقاب، وما هو إلا الاحتیاط العقلیّ. ویرى الشهید الصدر أنّ أدلّة البراءة الشرعیّة (الآیات والروایات) تامّة وحاکمة على حقّ الطاعة (انظر: دروس فی علم الأصول، بیروت، دار الکتاب اللّبنانیّ، 1406هـ.ق، ج1، ص116). وقد تعرّضت نظریّة حقّ الطاعة إلى النقد من قبل آیة الله الشیخ جعفر السبحانیّ (انظر: دراسات أصولیّة، العددان 2-3، ص113)، فیما انبرى آخرون للدفاع عنها (م.ن، العددان 4-5، ص73-95). وتثبت الأدلّة القرآنیّة أعلاه البراءة الشرعیّة. أمّا البحث عن البراءة العقلیّة، فتراجَع فی مظانّها فی الکتب الأصولیّة.
[89] على سبیل المثال: سورة الإسراء، الآیة 15؛ سورة القصص، الآیة 59؛ سورة المائدة، الآیة 19؛ سورة الأنعام، الآیتان 145، 119؛ سورة البقرة، الآیة 47.
[90] على سبیل المثال: سورة الطلاق، الآیة 7.
[91] على سبیل المثال: سورة التوبة، الآیتان 115، 275؛ سورة الأنفال، الآیتان 42، 68.
[92] تمسّک الأصولیّون بهذه الآیة لإثبات البراءة؛ منهم: الشیخ الطوسیّ (انظر: عدّة الأصول، م.س، ج2، ص746)؛ والشیخ الآمدی (انظر: الآمدیّ، سیف الدین علی بن أبی علی: الإحکام فی أصول الحکام، قم المقدّسة، المکتب الإسلامیّ، 1402هـ.ق، ج1، ص91)؛ والفاضل التونی (انظر: التونیّ، الوافیة فی أصول الفقه، م.س، ص172)؛ والمحقّق العراقی (انظر: العراقیّ، علی (ضیاء الدین): نهایة الأفکار، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ، 1364هـ.ش، ج3، ص205)؛ والسید الحکیم (انظر: الحکیم، الأصول العامّة للفقه المقارن، م.س، ص290)؛ والشیخ الأنصاری (انظر: الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج2، ص22)؛ والإمام الخمینی (انظر: الخمینیّ، تهذیب الأصول، م.س، ج2، ص207). وقد ذکر المرحوم الآخوند الخراسانیّ تلک الآیة وحدَها والتی وجد أنّها أکثر الآیات ظهوراً فی دلالتها على البراءة. (انظر: الخراسانی، کفایة الأصول، م.س، ص339).
[93] انظر: التونیّ، الوافیة فی أصول الفقه، م.س، ص172؛ الخمینیّ، تهذیب الأصول، م.س، ج2، ص207.
[94] انظر: الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج2، ص23؛ الحکیم، الأصول العامّة للفقه المقارن، م.س، ص290-291؛ الخراسانیّ، کفایة الأصول، م.س، ص339؛ الخمینیّ، تهذیب الأصول، م.س، ج2، ص207؛ الخوئیّ، محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص256؛ ابن عاشور التونسیّ الشاذلیّ، محمد الطاهر: التحریر والتنویر، لا م، الدار التونسیّة للنشر، 1428هـ.ق، ج19، ص197.
[95] سورة الإسراء، الآیة 15.
[96] انظر: الطباطبائیّ، محمد حسین: المیزان فی تفسیر القرآن، ط2، بیروت، مؤسّسة الأعلمیّ، 1392هـ.ق/ 1972م، ج13، ص57-59.
[97] انظر: التونیّ، الوافیة فی أصول الفقه، م.س، ص172-173.
[98] انظر: الأندلسیّ، أبو حیّان محمد بن یوسف: البحر المحیط فی التفسیر، بیروت، دار الفکر، 1420هـ.ق، ج7، ص23.
[99] سورة الإسراء، الآیة 16.
[100] سورة الملک، الآیات 8-10.
[101] سورة فاطر، الآیة 24.
[102] انظر: الطوسیّ، محمد بن الحسن: التبیان فی تفسیر القرآن، قم المقدّسة، مکتب الإعلام الإسلامیّ، 1409هـ.ق، ج6، ص457-458.
[103] انظر: الطبرسیّ، فضل بن سهل: مجمع البیان، طهران، منشورات ناصر خسرو، 1372هـ.ش، ج6، ص623.
[104] انظر: الفیّاض، محاضرات فی أصول الفقه، م.س، ج2، ص256.
[105] یذکر السیّد الخوئیّ: "جملة (ما کان) أو (ما کنّا) وأمثالهما من هذه المادّ مستعملة فی أنّ الفعل غیر لائقٍ به -تعالى- ولا یناسبه صدوره منه -جلّ شأنه-؛ ویظهر ذلک من استقراء موارد استعمالها؛ کقوله -تعالى-: {ما کان الله لیضلّ قوماً بعد إذ هداهم}، وقوله -تعالى-: {ما کان الله لیذر المؤمنین} (...) فجملة الماضی من هذه المادّة منسلخة عن الزمان فی هذه الموارد فیکون المراد أنّ التعذیب قبل البیان لا یلیق به تعالى ولا یناسب حکمته وعدله، فلا یبقى فرقٌ بین العذاب الدنیویّ والأخرویّ" (الفیّاض، مصباح الأصول، م.س، ج2، ص256).
[106] انظر: الحکیم، الأصول العامّة للفقه المقارن، م.س، ص26؛ العراقیّ، نهایة الأفکار، م.س، ج3، ص205؛ ابن عاشور، التحریر والتنویر، م.س، ج18، ص359.
[107] سورة الأنعام، الآیة 145.
[108] انظر: الرازیّ، فخر الدین محمد بن عمر: مفاتیح الغیب، بیروت، دار إحیاء التراث العربیّ، 1420هـ.ق، ج13، ص219-224؛ الجصّاص، أحکام القرآن، م.س، ج4، ص185؛ الأردبیلیّ، أحمد: زبدة البیان، تحقیق: رضا أستادی؛ علی أکبر زمانی نجاد، طهران، مؤتمر المحقّق الأردبیلیّ؛ المکتبة الرضویّة، لا ت، 1378هـ.ش، ص627؛ الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج2، ص25؛ العراقیّ، نهایة الأفکار، م.س، ج3، ص207.
[109] یرى بعضهم أنّ هذه الآیة تنبّه إلى وجود إباحة الأشیاء فی الأذهان حتى قبل الشرع. (انظر: التونیّ، الوافیة فی أصول الفقه، م.س، ص186؛ الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج2، ص26).
[110] الشعرانیّ، أبو الحسن: دراسات العلّامة الشعرانیّ القرآنیّة فی تفاسیر مجمع البیان وروح البیان ومنهج الصادقین، قم المقدّسة، بوستان کتاب، 1385هـ.ش، ج1، ص528-529.
[111] سورة الأنعام، الآیة 119.
[112] انظر: الأنصاریّ، فرائد الأصول، م.س، ج2، ص26؛ العراقیّ، نهایة الأفکار، ج3، ص208؛ الأردبیلیّ، زبدة البیان، م.س، ص776-785.