نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
جامعة
المستخلص
نقاط رئيسية
أولاً: تحدید المنهج الاستقرائیّ
ثانیاً: میادین استخدام الاستقراء فی الدراسات الفقهیَّة
ثالثاً: تحدید مشکلة البحث أو تحریر محلّ النزاع
رابعاً: الآراء فی حجِّیَّة الاستقراء
خامساً: محاولة ترمیم حجیّة الدلیل الاستقرائیّ الناقص
سادساً: تقویم نظریَّة حجِّیَّة الاستقراء الظنّیّ المستفاد من الأدلَّة اللفظیَّة
الكلمات الرئيسية
دور المنهج الاستقرائیّ فی إنتاج قضایا علم الفقه -قراءة فی الحجّیّة الأصولیّة-
الشیخ سامر توفیق عجمی[1]
خلاصة:
یُعدّ المنطق الاستقرائیّ أحد المناهج العامّة للتفکیر البشریّ فی إنتاج المعرفة، وقد مرّ بمراحل متعدّدة بدءاً من أرسطو، ولیس انتهاء بالأفکار الجدیدة التی قدّمها فلاسفة العلم فی الغرب، ومن الطبیعیّ أن یُطرح أمام الباحث الإسلامی سؤالٌ عن مدى إمکانیة استخدام المنهج الاستقرائیّ فی إنتاج قضایا علم الفقه.
وقد یکون الجواب سالباً، خصوصاً مع وجود تصریحات لعلماء أصول الفقه تدَّعی بداهة عدم فائدة الاستقراء فی الاستدلال الفقهیّ، ولکنْ عند تتبّع تاریخ علم الفقه یعثر الباحث على استخدام الفقهاء لمنطق الاستقراء فی دوائر متعدّدة، ونجد اتّجاهاً یمنح الدلیل الاستقرائیّ الحجّیّة والمشروعیّة، لیس فقط انطلاقاً من دلیل الانسداد المفید لحجّیّة مطلق الظنّ، وإنّما نلمس اتّجاهاً لتنشیط حضور المنطق الاستقرائیّ فی الفقه عند المدرسة الأصولیّة، ومنحه الحجّیّة بتوسیط قاعدة إلغاء خصوصیّة الموارد، أو استکشاف علّة الحکم، أو الاستظهار اللفظیّ المتعلّق بالکتاب والسنّة.
هذا التصویر -على مستوى الفرضیّة- لإمکانیّة استخدام المنطق الاستقرائیّ فی عملیة الاستدلال الفقهی وتولید المعرفة بالحکم الشرعیّ، یضع الأصولی أمام مسؤولیّة دراسة حجیة المنهج الاستقرائیّ فی إنتاج قضایا علم الفقه، لإثبات هذه الفرضیّة أو نفیها؛ لأنّ البحث عن مناهج علم الفقه خارج عن مسائله، والذی یتکفّل به هو علم أصول الفقه، ومع ذلک نلاحظ غیاب درس الاستقراء عن أبحاث علم أصول الفقه، خصوصاً على مستوى البحث الخارج.
المصطلحات المفتاحیة:
دلیل استقرائیّ، استقراء تامّ، استقراء ناقص، منهج، حکم شرعیّ، أصول الفقه، استدلال فقهیّ، حجّیّة، قانون عامّ، ظنّ، علم، ظهور، أدلّة لفظیّة...
مقدّمة:
عندما قام أرسطو طالیس (384-322 ق.م) بتدوین القوانین العامة لمناهج التفکیر البشری، -لعلّه- لم یکن یتوقّع أنّ أطروحته عن المناهج الثلاثة (التمثیل، الاستقراء، القیاس) ستقطع مسافة زمنیّة تتجاوز ألفین وثلاثمئة عام. وقد استفاد المسلمون -ولا یزالون- من مناهج أرسطو فی علومهم المختلفة، ومنها علم الفِقه -بمعنى معرفة الأحکام الشرعیة بواسطة الدلیل-، حیث نلاحظ حضور التمثیل (القیاس الفقهی) بشکل قوی فی فقه أهل السنة[2]. ونلمس هذا الاتّجاه نسبیّاً عند فقهاء الشیعة فی موارد العلّة المنصوصة وموارد أخرى ملحقة به؛ کتنقیح المناط. یقول الشهید الثانی: "وأمّا التمثیل الذی یسمّى "القیاس" فهو استدلال بحالِ جزئیّ على جزئیّ آخَرَ، فإنْ کانت العلَّة منصوصةً أو ظاهرة، فالاستدلال به بدیهیّ، کالاستدلال بالشکل الأوّل، وإلا فالعمل به مردود"[3].
کما استُخدِم القیاس المنطقیّ فی علم الفقه بنحو یجعل من الممکن عدّ عملیة الاستدلال الفقهیّ الیوم قیاسیّة بامتیاز، وهذا ما یظهر بوضوح من التعریف المشهور لعلم الأصول فی بعض المدارس الأصولیّة المعاصرة، بأنّه "العلم بالکبریات التی لو انضمّت إلیها صغریاتها یستنتج منها حکم فرعیّ کلّیّ"[4].
أما المنهج الاستقرائیّ، الذی أسّس أرسطو بذوره الأولى، فقد تطوّر حدیثاً بشکل ملحوظ[5]؛ بسبب الأفکار الجدیدة التی قدّمها فلاسفة العلم فی الغرب (کفرنسیس بیکون[6]، دیفید هیوم، جون ستیوارت میل، براتراند رسل، وکارل بوبر[7]، وغیرهم...)، بنحو یمکن فیه تصنیف الاستقراء الأرسطیّ بأنّه مرحلة الطفولة من المراحل النمائیّة للفکر الاستقرائیّ[8]، وکان لتوظیف المنطق الاستقرائیّ فی فهم الطبیعة وإدخاله إلى میادین علوم النفس والاجتماع والتربیة والاقتصاد وغیرها الأثر البارز فی تغییر معالم الحضارة الإنسانیّة[9]. وفی هذا السیاق، قدّم السیّد محمد باقر الصدر کتابه "الأسس المنطقیّة للاستقراء"، والذی اعتبره کشفاً جدیداً فی نظریة المعرفة استطاع أن یملأ فراغاً کبیراً فی هذا الحقل لم یستطع الفکر الفلسفیّ أن یملأه خلال ألفی سنة[10].
ویضع تطوّر أطروحة الاستقراء الباحث الإسلامی أمام تحدٍّ منهجیّ، لجهة دور المنطق الاستقرائیّ فی إنتاج المعارف بصیغتها الإسلامیّة، ومنها علم الفقه.
ویتأکّد البحث عن الاستقراء الفقهی عندما نقرأ موقفاً سلبیاً منه فی بعض الکتب الدراسیة، مثلاً یلخّص لنا الشیخ محمد رضا المظفر فی نصٍّ له موقفه من مناهج التفکیر الأرسطی الثلاثة بقوله: "إنّ العلم بالحکم الشرعی کسائر العلوم لا بدّ له من علة؛ لاستحالة وجود الممکن بلا علّة. وعلّة العلم التصدیقیّ لا بدّ من أن تکون من أحد أنواع الحجّة الثلاثة: القیاس، أو الاستقراء، أو التمثیل. ولیس الاستقراء ممّا یثبت به الحکم الشرعی وهو واضح. والتمثیل لیس بحجّةٍ عندنا؛ لأنّه هو القیاس المصطلح علیه عند الأصولیین الذی هو لیس من مذهبنا[11]، فیتعیّن أن تکون العلّة للعلم بالحکم الشرعیّ هی خصوص القیاس باصطلاح المناطقة"[12].
أولاً: تحدید المنهج الاستقرائیّ:
الاستقراء عبارة عن انتقال العقل من العلم بمجموعة قضایا مخصوصة إلى تحصیل العلم بقضیّة محصورة کلّیّة، وبعبارة أخرى: هو کلّ استدلال یقوم على أساس تعداد الأفراد للوصول إلى قانون عامّ. فمثلاً یقوم الباحث برصد عشرات المرضى ویلاحظ اقتران إعطائهم دواء (أ) دائماً بشفائهم من المرض (ب)، فیصدر حکماً عاماً بأنّ کلّ حبّة من دواء (أ) تشفی من المرض (ب)...
وإن تتبّع الباحث جمیع الأفراد والعیّنات بنحو تام (مسح شامل)، یخرج بقانون عام یفید العلم بالنتیجة؛ لأنّها مساویة للمقدّمات التی انطلقت منها. وإن تتبّع بشکل ناقص بعض الأفراد والجزئیات ثمّ انتقل منها إلى إعطاء قاعدة کلّیّة ونتیجة عامّة، فیصطلح علیه "الاستقراء الناقص"[13]، وذکر المنطق الأرسطیّ أنّه یفید الظنّ بالنتیجة.
والاستقراء بهذا المعنى المنطقیّ والعلمیّ هو عینه المقصود بالدلیل الاستقرائیّ فی الفقه، بلحاظ تطبیقه فی میدان المادّة الفقهیّة[14].
ثانیاً: میادین استخدام الاستقراء فی الدراسات الفقهیّة:
إنّ القیام بعملیّة تتبّع لکتابات الفقهاء تُظهِر أنّهم اعتمدوا على الاستقراء فی دوائر متعدّدة. نطرح بعض النماذج مثالاً لا حصراً:
- دور الاستقراء فی معرفة أجزاء العبادات والمعاملات وشرائطها ومبطلاتها و...: یقول المحقّق الکرکیّ: "رافع العقد إما الطلاق، أو الموت، أو تجدّد ملة أو نحلة، أو الفسخ بتجدّد الملک أو العتق، أو بالعیب أو التدلیس، بالاستقراء"[15]. وکذلک ذکروا عشرات النماذج فی أبواب الصلاة والإرث والصوم والخمس...[16].
- دور الاستقراء فی تشخیص موضوعات الأحکام؛ مثلاً: أثناء بحث العلامة الحلی عن میراث الخنثى، استقرب کون نبات اللحیة علامة على الذکورة، والحبل والحیض وتفلّک الثدی علامة على الأنوثة، وعلّق ابنه فخر المحقّقین فی بیان وجه الأقربیّة أنّ هذه الأشیاء قد دلّ علیها بالاستقراء[17]. وکذلک علّق السیّد عمید الدین الأعرج[18].
- دور الاستقراء فی مباحث الألفاظ، مثل: استخراج القواعد اللغویة الکلّیّة[19]، وتشخیص الفقیه لمعانی المفردات لغةً[20]، واستفادة الظهور العرفیّ من الاستقراء[21]، واستفادة تعمیم اللفظ لغیر الموارد المتبادرة من الإطلاق بسبب الاستقراء[22]...
- اعتبار الاستقراء من الشواهد والمؤیّدات لبعض الفتاوى والأفهام الفقهیّة، فعند بحث الشیخ الجواهریّ عن وطء الشبهة وتنزیله منزلة النکاح الصحیح، قال: "وإن کان لا بأس بتأییده بما ذکر من الاستقراء..."[23]. وغیرها موارد عدیدة[24].
- الاستقراء هو طریق الحصول على الاستفاضة[25] فی أخبار الآحاد أو التواتر المعنویّ أو اللفظیّ للروایات.
- الاستقراء هو طریق تتبّع فتاوى العلماء ورصدها[26] لمعرفة الشهرة الفتوائیّة، أو الإجماع... ویتجلّى المنطق الاستقرائیّ فی هذه القضایا -کالتواتر والشهرة والإجماع- بوضوح ضمن الدراسات التی قدّمها الشهید الصدر[27].
- الاستقراء من أهمّ طرق وصول المجتهد إلى القول الفقهیّ باللازم من خلال استقراء مجموع الفتاوى؛ مثلاً: یقول الشیخ علی کاشف الغطاء فی ثبوت الولایة العامّة للفقیه: "... ولعلّه بحسب الاستقراء یحصل للإنسان الجزم بالفتوى بها حتى من المنکرین لها فی مطاوی کلماتهم"[28].
- للاستقراء دور مهمٌّ فی تمییز الأسماء المشتبهة للرجال الواقعین فی سلسلة أسانید الروایات، وغیرها من قواعد علم الرجال[29].
ثالثاً: تحدید مشکلة البحث أو تحریر محلّ النزاع:
تؤکّد جمیع النماذج المتقدّمة استفادة الفقهاء من المنهج الاستقرائیّ فی دراساتهم الفقهیّة، لکن لیست هذه هی النقطة المحوریّة فی المقالة؛ بل هی الجواب عن السؤال الآتی: هل یمکن عدّ الاستقراء أحد الأدلّة فی إنتاج قضایا علم الفقه؟ وکی یتّضح الجواب نحتاج إلى التمهید ببعض المقدّمات.
1. ما هو المنهج؟
عرّف المناطقة العلم بأنه مجموعة قضایا متناسبة تدور على محور واحد لتحقیق غرض معین. وتبنّى علماء أصول الفقه هذا التعریف[30]، مع تعدیل من قبل بعضهم؛ بعدم لزوم المحور الواحد فی العلم.
والنقطة الرئیسة فی هذا التعریف هی معنى القضیة، التی تتشکّل من عملیة إسناد المحمول إلى الموضوع وربطه به، بنحو یحصل الاعتقاد بأنّ الموضوع من مصادیق المحمول، وهو معنى التصدیق. مثل: الفاعل مرفوع فی علم النحو، والوجود أصیل فی علم الفلسفة، والنبیّ معصوم فی علم الکلام، والماء طاهر فی علم الفقه...
وتحصیل العلم بثبوت المحمول للموضوع على قسمین: الأول: أن یکون مستغنیاً عن إقامة الدلیل، ویطلق على القضیة بهذا اللحاظ اسم "القضیّة البدیهیّة"؛ کقانون التناقض، وقانون السببیة العام... والثانی: أن یکون تحصیل العلم بثبوت المحمول للموضوع مفتقراً إلى سبب خارجی یکون هو علّة التصدیق بمضمون القضیة، ویصطلح علیه الدلیل، ویطلق على القضیة بهذا اللحاظ اسم "القضیّة النظریّة".
والعلوم تبحث عن إثبات محمولات القضایا النظریة لموضوعاتها بواسطة إجراء عملیة استدلالیة، فتتکوّن بسبب ذلک قضایا العلم، وهذه العملیة الاستدلالیة یصطلح علیها اسم "المنهج"[31].
وعلیه، یکون المنهج الفقهی عبارة عن: الدلیل الذی یعتمده المجتهد فی عملیة الاستدلال الفقهی؛ لإثبات محمولات القضایا الفقهیة لموضوعاتها.
2. ما هو محمول القضیة الفقهیة؟
حدّد بعض الفقهاء موضوع علم الفقه بأنّه فعل المکلف[32]، واعترض بعضهم علیه بأنّه غیر جامع لموضوعات کثیر من المسائل الفقهیة التی یکون فیها الموضوع من الأعیان لا الأفعال؛ مثل: الدم نجس، والماء طاهر... وسواء اعتقدنا بوجود موضوع واحد لعلم الفقه أو لا[33]، تبقى النقطة المرکزیة عند الفقهاء هی أنّ محمول المسألة الفقهیة هو الحکم الشرعی؛ فالسید الخوئی على الرغم من عدّه أنّ جامعیّة قضایا علم الفقه هی بلحاظ الغرض[34]، یعتقد أنّ البحث فیه یدور حول إثبات محمولات المسائل المترتّبة على موضوعاتها[35]، مصرّحاً بأنّ محمولات جمیع القضایا الفقهیة هی الأحکام التکلیفیّة أو الوضعیّة[36].
نعم، یعتقد الشهید الصدر أنّ موضوع علم الفقه هو الحکم الشرعی، ویعتبر أنّ القضایا الفقهیّة المدوّنة هی من قبیل عکس الحمل؛ کما هو الحال فی مسائل الفلسفة الأولى[37]، لکنّ هذا الاعتبار مجرّد تبدیل شکلی للتخریج الفنّیّ للابدّیّة وجود موضوع لکلّ علم حتى الفقه، بجعل الجامع بین محمولات مسائل علم الفقه هو الموضوع[38]، وهذا لا یلغی أنّ الحکم الشرعیّ هو المراد إثباته، سواء اعتبرناه محمولاً أم موضوعاً، کما هو الشأن فی الفلسفة التی تتکفّل إثبات الموجودیّة على نحو الهَلِیَّة البسیطة.
وانطلاقاً مما تقدّم، نعید طرح السؤال الآتی: هل یمکن توظیف المنهج الاستقرائیّ فی إنتاج القضایا الفقهیّة؛ بإثبات الحکم الشرعیّ؛ بوصفه محمولاً لموضوعاتها؟
3. خروج الدلیل الاستقرائی غیر المباشر عن دائرة البحث:
إنّ الاستقراء المقصود بالبحث هنا، هو الذی یلعب دوراً مباشراً فی إثبات الحکم الشرعی، بمعنى أن تکون نتیجة الاستقراء بنفسها حکماً شرعیّاً. واصطلح علیه الشهید الصدر اسم "الدلیل الاستقرائی المباشر"، أما إذا کان الاستدلال "بالاستقراء لا على الحکم مباشرة؛ بل على وجود دلیل لفظیّ یدلّ بدوره على الحکم الشرعیّ"[39]، فهذا خارج عن دائرة البحث.
4. ما هو الدلیل الاستقرائی المباشر؟
إنّ علم الفقه من العلوم الاعتباریة، فلا تکون محمولات قضایاه واقعیة تکوینیّة، ووظیفةُ الشرع الکشفَ عنها؛ بل هی محمولات جعلیة أنشأها الشارع أو أمضاها فی وعاء الاعتبار[40]، وبما أنّ التشریع الحقیقیّ بید الله -تعالى-، یصبح ملاک صدق القضیّة الفقهیّة أو کذبها کامناً فی مدى مطابقتها للوح الواقع التشریعی، الواصل بالکتاب والسنّة[41].
وبناءً علیه، فإنّ الدائرة التی سیتحرّک فیها منهج الاستقراء الفقهیّ هی تتبّع موارد مخصوصة من مدالیل النصوص الدینیّة -القرآن والسنّة- واستنتاج قاعدة عامّة -حکم شرعی- من تلک الموارد المستقرأة[42].
یقول السیّد محمد باقر الصدر: "من ألوان الدلیل الاستقرائیّ أن ندرس عدداً کبیراً من الأحکام الشرعیّة، فنجد أنّها تشترک جمیعاً فی اتّجاه واحد، فنکتشف قاعدة عامّة فی التشریع الإسلامیّ عن طریقها... وبتجمّع تلک القرائن یقوى فی نفس الفقیه احتمال القاعدة العامّة ووثوقه بها"[43].
5. هل استخدم الفقهاء الدلیل الاستقرائی بهذا المعنى فی علم الفقه؟
إذا تتبّعنا نصوص الفقهاء، نجد أنّهم فعلاً قاموا بتطبیق المنطق الاستقرائیّ فی عملیّة إنتاج القضایا الفقهیّة استدلالیّاً، وسنعرض بعض النماذج التی تظهر ذلک بشکل واضح:
- قاعدة کلّ ذی عمل مؤتمن على عمله: حیث أفاد صاحب الجواهر "أنّ الاستقراء وتتبّع الأخبار یشهدان بأنّ کلّ ذی عمل مؤتمن على عمله..."[44]، وقال: "إنّ اللبیب الذی تتبّع أحادیثنا بعین الاعتبار والاختبار یقطع بأنّه یستفاد منها أنّ کل ذی عمل مؤتمن على عمله ما لم یظهر خلافه، وإن شئت أن تعلم کل ما علمنا فانظر إلى الأحادیث الواردة فی القصّارین والجزّارین وحدیث تطهیر الجاریة ثوب سیّدها، والحدیث الصریح فی أنّ الحجّام مؤتمنٌ فی تطهیر موضع الحجامة..."[45].
- قاعدة حمل أفعال المسلمین وأقوالهم على الصحّة: قال المحقّق النراقی: "...مما یمکن أن یستدلّ به على القاعدة المذکورة أیضاً: الاستقراء، فإنّ تتبّع أحکام جزئیات الأفعال من عبادات الناس ومعاملاتهم، وأعمالهم، وأقوالهم، وطهاراتهم، ومناکحاتهم، ومواریثهم، وشهاداتهم یعطی أنّ الحمل على الصدق والصحّة قاعدة کلیة من الشارع ثابتة"[46].
- قاعدة حجّیة الاستصحاب: حیث ذکر الشیخ مرتضى الأنصاریّ الاستقراء دلیلاً علیها، فی قوله: "إنّا تتبّعنا موارد الشک فی بقاء الحکم السابق المشکوک من جهة الرافع، فلم نجد من أوّل الفقه إلى آخره مورداً إلا حکم الشارع فیه بالبقاء؛ إلا مع أمارة توجب الظن بالخلاف... والإنصاف أنّ هذا الاستقراء یکاد یفید القطع"[47]. واستند قبله إلى هذا الدلیل -أیضاً- الوحید البهبهانی[48].
- قاعدة أصالة احترام مال الغیر: یقول السید عبد الأعلى السبزواری: "أصالة احترام مال الناس التی هی من أهم الأصول النظامیّة العقلائیّة... إنّما اصطادها الفقهاء من الاستقراء فی ما ورد من المعصومین (عله) فی موارد شتى"[49].
- قاعدة کلّ ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، وکذلک قاعدة کلّ عقد لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده[50]: فقد ذکر فقهاء عدّة أنّ مأخذهما "هو الاستقراء المحصّل من التتبّع فی کلمات الشرع أو المتشرّعة الکاشفة عنه فی باب المعاملات، کما هو المأخذ فی أکثر قواعد باب المعاملات"[51].
- قاعدة اشتراک المکلّفین فی الأحکام: بمعنى أنّه إذا ثبت حکم شرعی لأحد، فالقاعدة تقتضی اشتراک سائر المکلّفین معه فی ذلک الحکم، سواء کانوا ذکوراً أو إناثاً. وقد اعتبروا الاستقراء من أهمّ أدلّة القاعدة، بتقریب أنّا نجد أنّ أکثر التکالیف مشترکة بین المکلّفین کافّة...[52]
- قاعدة معذوریة الجاهل: حیث استدلّ الشیخ یوسف البحرانی علیها بالدلیل الاستقرائی، قائلاً: "...مما یدلّ على القول الآخر أخبار مستفیضة متفرقة فی جزئیات الأحکام"[53]، وعدّ الشهید الصدر هذه المحاولة شاهداً على إثبات قاعدة عامّة عن طریق الدلیل الاستقرائی[54].
- مسألة رعایة تقدیم الوقت عند تعارض سقوط أحد الأجزاء والشرائط مع الآخر: حیث صرّح فقهاء عدّة "بأنّها مستفادة من الاستقراء فی الأخبار الواردة فی خصوص موارد جزئیة؛ کسقوط جملة من الأرکان فی صلاة الخسوف، والمطاردة، والاستقبال، والاستقرار، والساتر، وإباحة المکان، وشرائط ما یصحّ السجود علیه، والقیام، والطهارة، والسورة عند ضیق الوقت مع إمکان إدراک الصلوة بجمیع أرکانها وشرائطها بعد الوقت... فیستفاد من مجموع هذه الموارد أنّ ملاحظة الوقت فی نظر الشارع أهمّ من غیره"[55].
- قیام إشارة العاجز عن التکلّم مقام لفظه: فقد نسب الأشتیانی إلى أستاذه الشیخ مرتضى الأنصاری الاستناد إلى دلیل الاستقراء فی ذلک؛ بتتبّع العقود، والإیقاعات، والعبادات القولیة؛ کالتکبیر، والتلبیة، والقراءة، وغیرها، حیث اکتفى الشارع من الأخرس فی جمیعها بالإشارة المفهمة، ونزّلها منزلة الکلام والقول[56].
- قاعدة العمل فی الثروات الطبیعیة أساس الملکیّة: قال الشهید الصدر إنّنا إذا لاحظنا: "مثلاً أنّ العمل فی إحیاء الأرض ینتج مِلکیَّتها، والعمل فی إحیاء المعدن ینتج ملکیته، والعمل فی حیازة الماء ینتج ملکیته، والعمل فی اصطیاد الطائر ینتج ملکیته، فنستدلّ باستقراء هذه الحالات على قاعدة عامّة فی الاقتصاد الإسلامیّ، وهی أنّ العمل فی الثروات الطبیعیّة أساس للملکیّة"[57].
- عموم ولایة الأب والجدّ على الطفل[58]: حیث قام الفقهاء بتطبیق المنهج الاستقرائیّ لاستخراج هذه القاعدة من خلال تتبّع النصوص الروائیّة الواردة فی بیان حقّ الأب فی التصرّف ببعض شؤون أطفاله[59] والمتفرّقة فی أبواب فقهیّة عدّة... قال الخوانساری فی هذا السیاق: "ولایة الأب والجدّ للأب بالنسبة إلى الصغیر، فلا إشکال ولا خلاف فی ولایتهما فی الجملة، ویدلّ علیه ما ورد فی الأبواب المتفرّقة"[60].
رابعاً: الآراء فی حجّیّة الاستقراء:
انطلاقاً مما تقدّم، یصبح البحث الأصولیّ عن حجّیّة[61] الدلیل الاستقرائیّ أمراً ضروریّاً، وقبل طرح الآراء نشیر إلى نقطة تُعدّ موضع اتّفاق عند الأصولیّین، وهی حجّیّة الاستقراء التامّ المفید للعلم بالنتیجة؛ لاندراجه ضمن صغریات کبرى حجّیّة العلم، من خلال تألیف قیاس منطقیّ: کلّ استقراء تامّ علم [یفید العلم]، وکلّ علم حجّة؛ وبالنتیجة: کلّ استقراء تامّ حجّة، وبما أنّ حجّیّة العلم ذاتیّة مع غضّ النظر عن أسبابه الموجبة له[62]، فلا یمکن سلب المشروعیّة الاستدلالیة عن المنهج الاستقرائیّ العلمیّ.
نعم، وقع البحث فی وجود الاستقراء التامّ فی الفقه أو لا، وقد أنکر بعض الفقهاء حصوله. یقول المحقّق القمّی فی الاستقراء التامّ إنّه "یفید الیقین ولا ریب فی حجّیّته، لکنّه ممّا لا یکاد یوجد فی الأحکام الشرعیّة"[63]. واعتبر بعضهم -منهم الشیخ جعفر السبحانی- أنّ الاستقراء التام لا فائدة منه فی عملیة الاستدلال الفقهیّ؛ لذا لا یصنّف ضمن أدلّة الفقه، "لأنّ المستقرئ یصل إلى النتیجة فی ضمن الاستقراء، فلا تبقى حاجة إلى الاستدلال به على المدّعى. وبعبارة أُخرى: الاستقراء الکامل علوم جزئیّة تفصیلیّة تُصَبُّ فی قالب قضیّة کلّیّة عند الانتهاء من الاستقراء، دون أن یکون هناک مجهول یُستدلّ به على المعلوم"[64].
وهذا الوجه قریب؛ لأنّ غرض تأسیس قانون عامّ بالاستقراء هو معرفة أحکام جزئیّاته، والمفروض أنّ هذا القانون العامّ قد حصل بعد معرفة أحکام جزئیّاته؛ لأنّه ناتج رصدها وتتبّعها جمیعاً، فلا یفید معرفة جدیدة بالنسبة إلى أیّ جزئیّ متضمَّن فیه.
وأمّا الاستقراء الناقص، فیوجد رأیان فیه، هما:
1. القول بحجّیّة الاستقراء الناقص:
یعتقد بعض الأصولیّین بحجّیّة الاستقراء الناقص المفید للظنّ، لاندراجه ضمن کبرى أصل حجّیّة مطلق الظنون، انطلاقاً من تمامیّة مقدّمات دلیل الانسداد[65]، فکلّ ظنّ حجّة، والدلیل الاستقرائیّ ظنیّ؛ فهو حجّة، إلا إذا دلّ دلیل خاصّ على استثناء مورد ما والنهی عنه؛ کالقیاس الفقهی[66]. قال السید محمد بن علی الطباطبائی (ابن صاحب ریاض المسائل): "قد یستفاد من القائلین بأصالة حجّیّة الظنّ، حجّیّة الاستقراء، لأنّه ممّا لم یقم دلیل على عدم حجّیّته"[67].
وهذا الإلزام للمعتقدین بحجّیّة مطلق الظن لیس من باب لازم قولهم فقط، بل صرّح عدیدٌ منهم بذلک، ومنهم السید الطباطبائی المذکور آنفاً، قال: "الأصل فی الاستقراء الحجّة؛ لکونه مفیداً للظنّ، والأصل فیه الحجّیّة؛ کما بیّناه فی المفاتیح"[68].
2. القول بعدم حجّیّة الاستقراء الناقص:
ینطلق القائلون بعدم حجّیّة الاستقراء الناقص المفید للظنّ من قاعدة "کلّ ما لیس بعلم لیس حجّة ذاتاً"؛ إلا بتوسط الدلیل العلمی، وبما أنّه لم یقم أیّ دلیل قطعیّ على حجّیّة مطلق الظنّ، تبقى المناهج الظنّیّة تحت دائرة اللاحجّیّة؛ لأنّ الأصل هو عدم الحجّیّة فی کلّ مشکوک الحجّیّة، حتى یخرجها إلى میدان الحجّیّة وجود دلیل علمیّ خاصّ، کما فی خبر الواحد والظهور العرفی... ولم یعثر الأصولیّون بعد الفحص فی الأدلّة والحجج الفوقانیّة -الکتاب والسنّة[69]- على ما یفید حجّیّة الاستقراء الناقص، وبهذا یتبیّن أنّ الخلاف فی حجّیّة الدلیل الاستقرائیّ مبنائیّ لا بنائیّ.
ویلخّص هذا الاتجاه -الذی هو مشهور المدرسة الأصولیة[70]- السید محمد باقر الصدر بقوله: "موقفنا من الاستقراء یتلخّص فی التمییز بین القطعیّ منه وغیره، فإذا کان قطعیاً؛ أی أدّى إلى القطع بالحکم الشرعیّ فهو حجّة؛ لأنّه یصبح دلیلاً قطعیّاً، ویستمدّ حجّیّته من حجّیّة القطع، وإذا لم یکن قطعیّاً فلا حجّیّة فیه، مهما کانت قوّة الاحتمال الناجمة عنه؛ لأنّنا عرفنا سابقاً أنّ کلّ دلیل غیر قطعیّ لیس حجّة ما لم یحکم الشارع بحجّیّته، والشارع لم یحکم بحجّیّة الاستقراء الذی لا یؤدّی إلى العلم"[71].
خامساً: محاولة ترمیم الدلیل الاستقرائی الناقص:
هل یمکن أن یوصل الاستقراء الناقص إلى تحصیل العلم بالحکم الشرعیّ، وبالتالی یکون حجة أصولیّة؟ اتّضح الجواب فی الجملة من القواعد والمسائل الفقهیة التی تمّ طرحها سابقاً، حیث ظهر وقوعه ولیس إمکانه فقط، لکن یبقى السؤال: ما هی النکتة الفنّیّة التی تجعل الفقیه ینتقل من موارد خاصّة إلى التعمیم؟ وقد ذُکِرَت مقاربات عدّة لترمیم الدلیل الاستقرائیّ الناقص، أبرزها:
1. قاعدة إلغاء خصوصیّة الموارد:
ذکر بعض الفقهاء فی هذا الصدد أنّ الفقیه إذا تتبّع أفراداً کثیرة من الأحکام الشرعیّة الواردة فی الروایات من دون أن یعثر على أفراد مخالفة، یحصل عنده نتیجة تراکم الاحتمالات من الموارد الموافقة الاطمئنان أو العلم العادی بقانون عامّ یشمل الموارد الأخرى المشابهة؛ بتوسّط قاعدة إلغاء الخصوصیّة؛ بمعنى أنّ خصوصیّة بعض الموارد لا تقیّد عموم الوارد، ففی المثال المذکور سابقاً عن عموم ولایة الأب على الطفل المستخرجة من تتبّع الروایات المتفرّقة بالدلیل الاستقرائی، صرّح السید محمد سعید الحکیم بأنّه بعد "إلغاء خصوصیّة موارد هذه النصوص [یصبح] فهم عموم ولایة الأب من مجموعها ]قریباً[ جدّاً"[72].
وفی تعلیق للمیرزا فتّاح الشهیدیّ على عبارة للشیخ الأنصاریّ فی المکاسب "...وقد یعارض النبوی بقاعدة الملازمة بین النماء والدرک المستفادة من النصّ والاستقراء"[73]، قال: "وأمّا الاستقراء فلعلّ مراده منه استقراء النّصوص المتفرّقة الخاصّة فی الموارد الجزئیّة؛ منها: قوله (ع) فی روایة إسحاق بن عمّار الواردة فی رهن العبد... ولعلّ المتتبّع یعثر على أزید من ذلک، وهذه الرّوایات - بعد إلغاء خصوصیّات الموارد، کما فی سائر الاستقراءات- یستفاد منها قاعدة کلَّیّة جاریة فی جمیع الموارد"[74].
یقول السید عبد الحسین اللاری فی صحّة قاعدة الإمکان فی مسألة الحیض: "...ومرجعه إلى الاستدلال بالاستقراء فی النصوص الواردة فی أبواب الحیض، واستفادة القاعدة الکلّیّة من ملاحظة ورود الحکم فیها بالحیضة فی الموارد الجزئیّة من دون ظنّ صفة ولا أمارة أخرى، على وجه یشرف الفقیه على القطع أو الظنّ المعتبر؛ باستناد الحکم فیها إلى مجرّد الإمکان وعدم مدخلیّة خصوصیّة الموارد فی الحکم الوارد..."[75].
2. قاعدة استکشاف علّة الحکم:
ذکر بعض الفقهاء واسطة أخرى لاستخراج القانون العامّ من الروایات فی ضوء المنطق الاستقرائیّ؛ وهی استشکاف علّة الحکم الشرعیّ من الروح المقاصدیّة للروایات، ومعرفة علّة الحکم تمکّن الفقیه من تسریة الحکم على باقی الموارد التی تتوافر فیها العلّة؛ لأنّ المعلول یدور وجوداً وعدماً مدار تحقّق علّته[76].
وقد یُشکَل، بأنّ استکشاف العلّة الحصریّة للتشریع بالاستقراء، غیر ممکن؛ لأنّ العقل البشریّ لا یحیط على نحو الموجبة الکلّیّة بالمصالح والمفاسد الواقعیّة -والمزاحمات والموانع- التی هی العلل والملاکات للأحکام الشرعیّة[77].
ولکنّ موضع النقاش هو فی استکشاف العلّة بالدلیل الاستقرائیّ المباشر من تتبّع الأدلّة اللفظیّة، وهو خارج عن سیاق هذا الکلام؛ لأنّه ینفی استقلال العقل البشریّ فی إدراک العلّة، ولا ینفی قدرة العقل على استکشاف ذلک؛ بالاستعانة باستقراء النصوص واستظهار العلّة منها حسب الفرض.
3. حجّیّة الاستقراء الناقص المفید للظنّ بضمیمة الأدّلة اللفظیّة القطعیّة:
هل یمکن تصویر کون الاستقراء الناقص الظنّی حجّة؛ بتضمینه داخل الظنون الخاصّة التی قام على حجّیّتها دلیل قطعی؟
یظهر من بعض الفقهاء الجواب بالإثبات، بواسطة إدراج الظنّ الحاصل من استقراء النصوص تحت عموم حجّیّة الأدلّة اللفظیّة الظنّیّة الحاصلة من الکتاب والسنّة، وجعله فرداً منها؛ بمعنى أنّه یمکن للفقیه أن یستفید من استقراء عدّة نصوص نتیجة عامّة تکون ولیدة الظهور اللفظیّ للأدلّة المستقرَأَة.
ولأهمّیّة المسألة وحسّاسیّتها، نعرض عدداً من کلمات الفقهاء فی هذا السیاق:
- أثناء بحث الشیخ الجواهریّ عن أنّ کلّ ما یقع فی البئر فیه نزح مقدّر؛ مستنداً إلى الدلیل الاستقرائیّ، عقّب قائلاً: "...ودعوى أنّ الاستقراء إنْ لم یفد العلم فلا حجّة فیه، لکونه قیاساً وإفادتُه العلم ممنوعة؛ یدفعها: أنّا نمنع عدم حجّیّته على التقدیر الأوّل، إذ الظاهر حجّیّة مثله، لاستفادته من الأدلّة، بل کثیر من القواعد الشرعیّة مبناها على ذلک"[78].
- یقول الشیخ محمد حسین (صاحب الفصول): "...الاستقراء، وهو أنّا تتبّعنا الموارد التی یجتمع فیها احتمال الوجوب والحرمة؛ کالعبادة أیام الاستظهار، والطهارة بالإناء المشتبه، فوجدنا أنّ الشارع قد غلَّب فیها جهة الحرمة على جهة الوجوب، وذلک یورث العلم أو الظنّ بتغلیب جهتها فی سائر الموارد. وهذا الوجه ضعیف؛ لأنّ الاستقراء المذکور -على تقدیر تسلیمه- لا یفید العلم، ولا دلیل على حجّیّة الظنّ المستفاد منه؛ إلا أن یرجع إلى الظنّ فی دلالة اللفظ"[79].
- یقول المیرزا محمد حسن الآشتیانی: "... الوجه فیما أفاده [الشیخ الأنصاری] أنّ الاستقراء التامّ غیر حاصل؛ کما هو ظاهر، والنّاقص غیر مفید جزماً؛ لعدم رجوعه إلى الظنّ اللَّفظیّ على تقدیر تسلیم الاستقراء؛ إلا على القول بحجّیّة الظنّ المطلق؛ نظراً إلى رجوع الظنّ إلى الظنّ بالحکم الشرعیّ الکلّیّ الظاهریّ. نعم لو حصل من مجموع ما ورد فی الباب -بانضمام بعضها مع بعض؛ من جهة تراکم الاحتمالات المستندة إلى اللفظ- الظنّ بالحکم دخل فی الظنّ اللفظی"[80].
- یقول السید علی القزوینی: "... وأمّا بالنسبة إلى الاستقراء حیثما أفاد الظنّ: فلأنّ ملاحظة ثبوت الحکم فی مورد الغالب بدلیله من آیة کتابیّة أو روایة نبویّة أو إمامیّة مع عدم وجود فرد مخالف فی الحکم توجب الظنّ بکون هذا الحکم الثابت من لوازم الکلّیّ الجامع للأفراد الغالبة والفرد المشکوک فیه صنفاً أو نوعاً أو جنساً، ویلزم منه الظنّ بثبوته للفرد المشکوک فیه؛ لکونه ملزوماً للکلّیّ، فیکون ملزوماً للازمه المذکور، وهذا الظنّ -کما ترى- مستند فی حصوله إلى دلیل الحکم فی الأفراد الغالبة؛ وهو لا یخلو من کونه کتاباً أو سنّة، ولو ظنّیّة"[81].
- یقول الملا حبیب الله الکاشانی فی قاعدة أهمّیّة الوقت على باقی الأجزاء والشرائط المستفادة من استقراء الروایات: "...یستفاد من مجموع هذه الموارد أنّ ملاحظة الوقت فی نظر الشارع أهمّ من غیره، فلو لم یحصل العلم، فلا أقلّ من الظنّ القریب منه. وهذا الظنّ لیس بأضعف من سائر الظنون المستفادة من الأخبار، فهو فی الحقیقة من الظنون الخبریّة المبرهن على حجّیّتها"[1].
- ویقول السید عبد الحسین اللاری فی تتمّة نصّ جرى نقل بعضه فی الفقرات السابقة: "...وعلى ذلک، فلا یتمّ الاستدلال على الکلّیّة بمجرّد هذا الاستقراء الناقص؛ وإن أفاد الظنّ بالکلّیّة، إلا أنْ یقال بعموم حجّیّة الظنّ المستفاد من ظواهر الألفاظ، ولو استُنْبِطَ من مجموع مدالیل مرکَّبة منضمّة بعضها إلى بعض..."[82].
سادساً: تقویم نظریّة حجّیّة الاستقراء الظنّیّ المستفاد من الأدلّة اللفظیّة:
الواضح من النظریّة السابقة کونها فی مقام إرادة إثبات أنّ استقراء مدلولات عدد من النصوص التشریعیّة الجزئیّة الواردة فی أبواب متفرّقة، وملاحظة تجمّعها وتمحورها على نقطة مشترکة -کما لو کان مدلول النصّ الأوّل یفید أنّ الأب له ولایة على الطفل فی مورد النکاح، ومدلول النصّ الثانی یفید أنّ الأب له ولایة على الطفل فی مورد مختلف؛ وهو مال الطفل، ومدلول نصّ ثالث فی کفایة قبض الأب عن طفله فی الهبة والصدقة، ومدلول نصّ رابع فی حقّ الأب تعلیم طفله الصنائع التی یختارها... وغیرها من مدلولات النصوص الوارد کلّ منها فی مورد خاصّ، ولکنّها جمیعاً متمحورة على نقطة مشترکة -مع عدم وجود نصوص أخرى مخالفة ومعارضة، یجعل الفقیه -بضمّ بعض مدلولات الأدلّة اللفظیّة المختلفة إلى بعضها الآخر وترکیبها فی إطار واحد- یستکشف قانوناً عامّاً مُفَاده: عموم ولایة الأب على الطفل، فیشمل الموارد غیر المستقرَأَة -أیضاً-، بنحوٍ یکون هذا القانون العامّ مستنداً إلى ظهور الدلیل اللفظیّ؛ أی الکتاب أو السنّة، وتکون تلک الدلالة الالتزامیّة الظنّیّة الناشئة من مجموع الأدلّة اللفظیّة مشمولةً لعموم أدلّة حجّیّة الظنّ الخاصّ؛ لأنّها من صغریات کبرى کلّ ظهور حجّة.
وبعبارة أخرى: إنّ مرجعیّة القانون الاستقرائیّ العامّ للقضیّة الفقهیّة المستخرَجة إلى الظنّ فی دلالة اللفظ؛ بتوسّط انضمام بعض المدلولات فی الموارد الجزئیّة إلى بعض؛ من جهة تراکم الاحتمالات المستندة إلى اللفظ، فتدخل فی الظنّ اللفظیّ القرآنیّ والروائیّ، وهو لا یخلو من کونه کتاباً أو سنّة، فیکون على حدّ سائر الظنون المستفادة من النصوص المبرهن على حجّیّتها.
وهذا الفهم للدلیل الاستقرائیّ ینقلنا للبحث عن تحقیق ما هو موضوع الحکم بأنّ الظهور حجّة؟
ویمکن القول: إنّ اللغة هی وعاء الفکر، والأداة التعبیریّة التی یُوصِل المتکلم من خلالها أغراضه إلى السامع، وهذه الأداة تتحرّک عادة فی دائرة الضوابط العامّة للنظام اللغویّ الذی ینتسب إلیه المتکلّم والسامع، وبما أنّ لغة الوحی الإسلامیّ والنصّ الدینیّ هی اللغة العربیّة، فإنّ الطریقة التی یعتمدها المشرّع فی التعبیر عن مراداته وأغراضه إمّا أن تکون خاضعة للنظام اللغویّ العامّ للعرب وعرفهم الألسنیّ، أو أن یبتدع طریقة جدیدة فی ذلک، ولو کان له أسلوب خاصّ على خلاف المتعارف لأعلَم الناس به وبیّنه لهم حتى یتّبعوه، ولکنْ لم یُنقَل عن أحد أنّ المشرّع اعتمد طریقة خاصّة خالف فیها سیرة العرف اللغویّ العربیّ أو ابتدع أسلوباً لنفسه فی إیصال أغراضه التشریعیّة إلى المخاطَبین بالوحی، بحیث تجاوز فیها الأسالیب المألوفة عند العرب. والخلاصة أنّ الشارع مضى على تلک الطریقة العقلائیّة لأهل اللغة العربیّة فی التعبیر عن مراداتهم، وأمضاها[83].
وکما إنّ أداة التعبیر والإعلام عن المراد ینبغی أن تقع ضمن النظام اللغویّ العامّ للتفهیم، فإنّ وسیلة التعرّف على المراد وفهمه ینبغی أن تسیر فی ضوء الأسالیب المعتمدة عند أهل اللغة؛ لاستکشاف مقصود المتکلّم من مجموع ألفاظه؛ لأنّ العلاقة بینهما على نحو وجهَیْ عملة واحدة، فإنّ المخاطِب لا یلقی کلامه إلا لیفهمه المخاطَب، وکما یلقیه فی ضوء أداة التعبیر لإیصال المراد، یلقیه فی ضوء أداة الفهم فی تلقّی المراد ووصوله، وإلا لکان ناقضاً لغرضه وهدفه؛ وهو لا یصدر من المتکلّم الحکیم.
وبالتالی، فإنّ الظهور الذی یعدّ موضوع الحجّیّة، لیس مطلق استکشاف المعنى من النصّ من قبل القارئ، ولو على نحو ذاتیّ یأنس به ذهنه؛ بل هو خصوص الظهور الموضوعیّ[84] الکاشف عن المراد الجدّیّ للمشرِّع فی ضوء المیزان العامّ للمخاطبات والمحاورات العرفیّة، والمعنى المنکشف من الدلیل اللفظیّ الشرعیّ إنّما یمکن اتّخاذه أساساً لاستکشاف المراد الجدّیّ للمتکلّم ومقصوده من الکلام على نحو ظنّیّ، فیما إذا کان حاصلاً فی ضوء الأسالیب المعتمدة عند أهل اللغة فی استکشاف مراد المتکلّم من مجموع ألفاظه، وبالتالی یقع البحث فی تشخیص أنّ القانون العامّ المستخرَج بتوسّط استعمال الدلیل الاستقرائیّ لمدلولات الأدلّة اللفظیّة هل هو من جملة الطرق المعتمدة فی النظام اللغویّ العامّ لأهل اللغة العربیّة أم لا؟ وبمعنى آخر: هل یمکن للمشرِّع أن یلقی کلامه إلى المخاطَبین بتوقّع استخراجه بتوسّط الدلیل الاستقرائیّ؟ وهل یعتبر هذا الإلقاء والتعبیر عن المراد بتوسّط ذلک من ضمن الأسالیب العرفیّة التی یعتمدها النظام اللغویّ العامّ؟
والجواب عن هذه الأسئلة هو الذی یحدّد الموقف من النتیجة المستفادة من استخدام الدلیل الاستقرائیّ فی استکشاف الحکم الشرعیّ استظهاراً من مدلولات النصوص المتفرّقة.
خاتمة:
على الرغم من استعمال الفقهاء لمنطق الاستقراء منهجاً فی إثبات عدیدٍ من القواعد والمسائل الفقهیة، فإنّه یلاحظ غیاب درسه عن مباحث علم أصول الفقه، مع أنّ هذا العلم یتعهّد ببیان حجّیّة المنهج ومشروعیّة استخدامه فی الاستدلال الفقهیّ.
والبحث عن الاستقراء عرضاً وبشکل ثانویّ فی طیّات الدرس الفقهیّ بنحو مختصر ومجتزئ ومتناثر الأجزاء هنا وهناک لا یفی بالغرض؛ خصوصاً أنّ البحث عن طریقة الاستدلال لیست من مسائل العلم نفسه؛ لأنّه لا یتعهّد بإثبات مناهج بحثه ضمن مسائله، بل یأتی الباحث إلى العلم مزوّداً بالمناهج، بنحو یکون قد بحث عنها مسبقاً فی علم آخر.
نعم، ثمّة بعض المحاولات النادرة، ولعلّ من أوائلها معالجة المحقّق الحلّی للاستقراء فی کتابه معارج الأصول، حیث قال بعد تعریف الاستقراء: "وهل مثل ذلک حجّة فی الأحکام؟ الحق أنّه لیس بحجّة؛ لأنّ موارد الأحکام مختلفة، فلا یلزم من اختصاصها ببعض الأعیان وجودها فی الباقی، [ولأنّ ثبوت الحکم فیما وجد، قد یکون مع وجوده فی الباقی][85]، وقد یکون مع فقده، ومع الاحتمال لا یجوز الحکم بأحدهما دون الآخر [و] لأنّ وجود الحکم فی فرد من أفراد النوع، لا یلزم منه وجوده فی باقی الأفراد، فکذا وجوده فیما هو أکثر من الواحد..."[86].
فما طرحه المحقّق الحلّی نقطة جدیرة بالبحث، وهی عینها ما یصطلح علیه فلاسفة العلم فی العصر الحدیث باسم مشکلة الاستقراء[87].
وقد یقال فی تعذیر الأصولی بأنّ الاستقراء "قلیل الوقوع فی المسائل الشرعیّة"[88]، وفق تعبیر الشهید الثانی، فیصبح البحث عنه قلیل الجدوى، ولکنّ الدعوى هذه غیر موفّقة؛ لسببین: أولاً: قد ظهر أنّ الاستقراء متوافر فی المباحث الفقهیّة بکثرة، کما اعترف بذلک المحقّق القمی، حیث قال فی الاستقراء الناقص: "وأمثلته فی الشرع کثیرة"[89]. وثانیاً: لأنّ الضابط الموضوعیّ للبحث عن مناهج الاستدلال الفقهیّ لیس کثرة الاستعمال فی الاستنباط أو قلّته، بل فی تصویر صلاحیّة استعمال المنهج فی الفقه. وثالثاً -نقضاً-: لا یخفى على من درس أصول الفقه ملاحظة بعض المسائل التی لا یترتّب على بحثها إلا الریاضة الذهنیّة للطالب، أو ثمرة معرفیّة، کما یقول الإمام الخمینی[90]. فلتکن هذه المسألة من باب العین بالعین.
قد یقال: إنّ الأصولیّ لا یبحث إلا عن کبریات القواعد الأصولیّة، مثل قانون "کلّ علم حجّة"، أو "کلّ ظنّ حجّة"، أمّا تشخیص أسباب حصولهما فی النفس فلیس من وظائف علم الأصول.
ولکنّ هذا الکلام فی غیر محلّه -أیضاً-؛ لأنّ الأصولی أشبع البحث فی أسباب القطع، کالتواتر والإجماع وغیرهما، وکذلک أغنى البحث عن أسباب حصول الظنّ، کخبر الواحد والقیاس والظهور اللفظی وغیرها، بل البحث عن حجّیّة الظن بحث بلحاظ السبب لا المسبَّب[91].
وقد یقال: إنّ الأصولیّ اکتفى ببحث المنطقیّ عن الاستقراء؛ بما أغناه عن دراسته! والجواب: أنّ جهة البحث المنطقیّ عن الاستقراء هی غیرها فی البحث الأصولی، فإنّ المنطقیّ یبحث عن المشروعیّة الإبستمولوجیّة للمنهج الاستقرائیّ، أمّا الأصولیّ فیبحث عن المشروعیّة الأصول-فقهیّة، أی عن الحجّیّة. وهما مجالان متغایران، فإنّ البحث عن المشروعیّة المعرفیة للمنهج هو بحث عن مدى قدرة المنهج على الکشف عن أحوال الموضوع قید الدراسة للوصول إلى الأغراض المعرفیّة، فإنّ بعض المناهج من الناحیة الإبستمولوجیّة تفید العلم؛ کالمنهج العقلیّ العملیّ فی علم الأخلاق، أو العقلیّ النظریّ فی علم الفلسفة، ولکنّ هذا لا یعنی أنّ المنهج أصبح ممتلکاً للمشروعیّة الأصولیّة، ولذا وقع البحث عن حجّیّة القطع الحاصل من المقدّمات العقلیّة، وعن قطع القطّاع، وغیرها من المسائل، فضلاً عن المناهج الظنّیّة التی تمتلک مشروعیّة إبستمولوجیّة؛ مثل: بعض مناهج الألسنیّة؛ کالهرمنیوطیقا وعلم التاریخ، ولکنّها قد لا تدخل تحت دائرة الحجّیّة الأصولیّة؛ لعدم حجّیّة مطلق الظنّ.
[1] باحث فی الفکر الإسلامیّ، من لبنان.
[2] انظر: الغزالیّ، محمد بن محمد: المستصفى فی علم الأصول، تصحیح: محمد عبد السلام عبد الشافی، بیروت، دار الکتب العلمیة، 1417هـ.ق./1996م، ص283.
[3] العاملیّ، زین الدین بن علی (الشهید الثانی): حقائق الإیمان، تحقیق: مهدی الرجائی، ط1، قم المقدسة، مکتبة آیة الله العظمة المرعشی النجفی، 1409هـ.ق، ص181.
[4] الکاظمیّ، محمد علی: فوائد الأصول (من إفادات المیزرا محمد حسین النائینی)، تحقیق: رحمت الله رحمتی الآراکی، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرسین، ج1، ص18-19.
[5] انظر: ستیس، ولتر: تاریخ الفلسفة الیونانیّة، ترجمة: مجاهد عبد المنعم مجاهد، ط1، بیروت، المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر، 1407هـ.ق./ 1987م، ص170.
[6] انظر: جهانکیری، محسن: فرنسیس بیکون آراؤه وآثاره، تعریب: عبد الرحمن العلوی، ط1، بیروت، دار الهادی، 1426هـ.ق./ 2005م، ص157 وما بعد.
[7] انظر: بوبر، کارل: منطق الکشف العلمیّ، ترجمة وتقدیم: ماهر عبد القادر محمد علی، بیروت، دار النهضة العربیّة.
[8] یمکن مقارنة بحث الاستقراء بین کتاب: منطق أرسطو، تحقیق وتقدیم: عبد الرحمن بدوی، ط1، بیروت، دار القلم؛ الکویت، وکالة المطبوعات، 1980م، ج1، ص307. وبین کتاب کارل بوبر المذکور.
[9] انظر: النشار، علی سامی: مناهج البحث عند مفکّری الإسلام واکتشاف المنهج العلمی فی العالم الإسلامی، بیروت، دار النهضة العربیة، 1404هـ.ق./ 1984م، ص348-349.
[10] انظر: الهاشمی، محمود: بحوث فی علم الأصول (تقریرات أبحاث السید محمد باقر الصدر)، ط2، قم المقدّسة، مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیة، 1417هـ.ق./ 1997م، ج4، ص130.
[11] هو المذهب الجعفری الإمامی الاثنا عشری.
[12] المظفر، محمد رضا: أصول الفقه، بیروت، ط2، مؤسّسة الأعلمیّ للمطبوعات، 1410هـ.ق./ 1990م، ج2، ص262.
[13] انظر: الصدر، محمد باقر: الأسس المنطقیة للاستقراء، بیروت، دار التعارف، ص13وما بعد.
[14] انظر: الحلی، جعفر بن الحسن: معارج الأصول، ط1، قم المقدّسة، مؤسّسة آل البیت للطباعة والنشر؛ مطبعة سید الشهداء، 1403هـ.ق، ص221.
[15] الکرکی ، علی بن الحسین: جامع المقاصد فی شرح القواعد، ط1، قم المقدّسة، تحقیق ونشر: مؤسّسة آل البیت لإحیاء التراث، 1408هـ.ق، ج13، ص89.
[16] انظر: الطباطبائی، علی: ریاض المسائل، ط1، قم المقدّسة، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، 1422هـ.ق، ج5، ص407؛ آل عصفور، حسین بن محمد: الأنوار اللوامع فی شرح مفاتیح الشرائع، تحقیق: محسن آل عصفور، قم المقدّسة، مطبعة أمیر، ج14، ص301؛ آل عصفور، حسین بن محمد: سداد العباد ورشاد العباد، ط1، قم المقدّسة، المطبعة العلمیة، 1421هـ.ق، ص90، 212.
[17] انظر: الحلی، محمد بن الحسن: إیضاح الفوائد فی شرح إشکالات القواعد، تعلیق وإشراف: حسین الموسوی الکرمانی، وآخرین، ط1، قم المقدّسة، المطبعة العلمیة، 1387هـ.ق، ج4، ص250.
[18] انظر: الأعرج، عبد المطلب بن محمد: کنز الفوائد فی حلّ مشکلات القواعد، تحقیق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین، ط1، قم المقدّسة، 1416هـ.ق، ج3، ص406.
[19] انظر: الأصفهانی، محمد تقی: هدایة المسترشدین، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین، ج1، ص429؛ الروزدری، علی: تقریرات المجدد الشیرازی، ط1، قم المقدّسة، تحقیق ونشر: مؤسّسة آل البیت لإحیاء التراث، 1414هـ.ق، ج1، ص132، 210، 336.
[20] انظر: العاملی، محمد جواد: مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلامة، تحقیق: محمد باقر الخالصی، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامی، 1430هـ.ق، ج11، ص151؛ ج21، ص584.
[21] انظر: الطباطبائی، ریاض المسائل، م.س، ج13، ص204.
[22] انظر: م.ن، ج11، ص247.
[23] النجفی، محمد حسن: جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام، تحقیق وتعلیق: عباس القوجانی، ط2، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1365هـ.ق، ج29، ص373.
[24] انظر: الأنصاری، مرتضى: کتاب الصلاة، تحقیق: لجنة تحقیق تراث الشیخ الأعظم، ط1، قم المقدّسة، نشر: اللجنة المنظّمة للمؤتمر العالمی بمناسبة الذکرى المئویة الثانیة لمیلاد الشیخ الأنصاری، 1415هـ.ق، ج1، ص476.
[25] انظر: جواهر الکلام، النجفی، م.س، ج19، ص276.
[26] انظر: م.ن، ج13، ص78.
[27] انظر: الهاشمی، بحوث فی علم الأصول، م.س، ج4، ص350، 321، 327؛ الصدر، محمد باقر: المعالم الجدیدة للأصول، ط2، طهران، مکتبة النجاح، 1395هـ.ق./ 1975م، ص165.
[28] آل کاشف الغطاء، علی بن محمد رضا: النور الساطع فی الفقه النافع، النجف الأشرف، مطبعة الآداب، 1383هـ.ق./ 1963م، ج1، ص349.
[29] انظر: العلوی العاملی، أحمد بن زین العابدین: مناهج الأخیار فی شرح الاستبصار، لا ط، قم المقدّسة، مطبعة إسماعیلیان، لا ت، ج3، ص290؛ الجزائری، نعمة الله: کشف الأسرار فی شرح الاستبصار، تحقیق: طیب الموسوی الجزائری، ط1، قم المقدّسة، مؤسسة دار الکتاب، 1413هـ.ق، ج3، ص104؛ اللاری، عبد الحسین: التعلیقة على ریاض المسائل، ط1، قم المقدّسة، مؤسسة المعارف الإسلامیة، 1418هـ.ق، ص31.
[30] انظر: العراقی، ضیاء الدین: مقالات الأصول، تحقیق: محسن العراقی ومنذر الحکیم، ط1، قم المقدّسة، مجمع الفکر الإسلامی، 1414هـ.ق، ص31 وما بعد؛ الخمینی، روح الله: مناهج الوصول إلى علم الأصول، تحقیق ونشر: مؤسّسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی، ط1، قم المقدّسة، 1415هـ.ق، ج1، ص35.
[31] انظر فی المنهج بشکل تفصیلی: عجمی، سامر توفیق: "نحو بناء المذهب التربوی (قراءة فی معالم المنهج بین المشروعیة الإبستمولوجیة والمشروعیة الأصولیة"، مجلّة دراسات وأبحاث تربویة، فصلیّة محکمة تصدر عن مرکز الأبحاث والدراسات التربویة، بیروت، العدد2، شتاء 2015م.
[32] انظر: العاملی، حسن بن زین الدین: معالم الدین وملاذ المجتهدین، تحقیق: منذر الحکیم، ط1، قم المقدّسة، مؤسّسة الفقه للطباعة والنشر، 1418هـ.ق، ج1، ص94.
[33] انظر: الفیاض، محمد إسحاق: محاضرات فی أصول الفقه (تقریر بحث السید أبو القاسم الموسوی الخوئی)، ط4، قم المقدّسة، مؤسسة أنصاریان للطباعة والنشر، 1417هـ.ق./ 1996م، ج1، ص24.
[34] انظر: م.ن.
[35] انظر: م.ن، ص32.
[36] انظر: م.ن، ص23.
[37] انظر: عبد الساتر، حسن: تمهید فی مباحث الدلیل اللفظی (تقریر أبحاث السید محمد باقر الصدر)، بیروت، الدار الإسلامیة، 1418هـ.ق./ 1998م، ج1، ص69-70.
[38] انظر: م.ن، ص71.
[39] الصدر، المعالم الجدیدة للأصول، م.س، ص165.
[40] انظر: الخمینی، روح الله الموسوی: کتاب الطهارة، لا ط، النجف الأشرف، مطبعة الآداب، 1389هـ.ق/ 1970م، ج3، ص5.
[41] انظر: الیزدی، محمد تقی مصباح: المنهج الجدید فی تعلیم الفلسفة، ترجمة: عبد المنعم الخاقانی، ط1، بیروت، دار التعارف للمطبوعات، 1990م، ج1، الدرس20.
[42] انظر: النراقی، أحمد: عوائد الأیام، ط1، قم المقدّسة، مرکز الأبحاث والدراسات الإسلامیة؛ مرکز النشر التابع لمکتب الإعلام الإسلامی، 1417هـ.ق، ص224-231.
[43] الصدر، المعالم الجدیدة للأصول، م.س، ص162.
[44] البروجردی، مرتضى: مستند العروة الوثقى (تقریر أبحاث السید أبو القاسم الخوئی فی الصلاة)، ضمن موسوعة الإمام الخوئی، ط3، مؤسسة إحیاء آثار الإمام الخوئی، 1421هـ.ق./ 2000م، ج16، ص235.
[45] النجفی، جواهر الکلام، م.س، ج5، ص286.
[46] النراقی، أحمد بن محمد مهدی: عوائد الأیام، تحقیق ونشر: مرکز الأبحاث والدراسات الإسلامیة؛ مکتب الإعلام الإسلامی، ط1، قم المقدّسة، 1417هـ.ق، ص224. وانظر: الشیرازی، ناصر مکارم: القواعد الفقهیّة، قم المقدّسة، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب 0ع)، 1380هـ.ق، ج1، ص122-123.
[47] الأنصاری، مرتضى: فرائد الأصول، تحقیق وتقدیم: عبد الله النورانی، بیروت، مؤسسة النعمان، 1411هـ.ق./ 1991م، ج3، ص55.
[48] انظر: البهبهانی، محمد باقر: الفوائد الحائریة، ط1، قم المقدّسة، مجمع الفکر الإسلامی، 1415هـ.ق، ص277.
[49] السبزواری، عبد الأعلى: مهذب الأحکام فی بیان الحلال والحرام، ط4، مطبعة الهادی، 1417هـ.ق، ج16، ص252.
[50] انظر: المصطفوی، محمد کاظم: مئة قاعدة فقهیة معنى ومدرکاً ومورداً، ط3، قم المقدّسة، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، 1417هـ.ق، ص205.
[51] اللاری، عبد الحسین: التعلیقة على المکاسب، تحقیق ونشر: اللجنة العلمیة للمؤتمر؛ مؤسسة المعارف الإسلامیة، ط1، قم المقدّسة، 1418هـ.ق، ج1، ص341.
[52] انظر: الأنصاریّ، محمد علی: الموسوعة الفقهیة المیسرة، ط1، مجمع الفکر الإسلامی، 1415هـ.ق، ج3، ص304.
[53] البحرانی، یوسف: الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة، قم المقدّسة، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، ج1، ص78.
[54] انظر: الصدر، المعالم الجدیدة للأصول، م.س، ص163-164.
[55] الکاشانیّ، حبیب الله: مستقصى مدارک القواعد ومنتهى ضوابط الفوائد، لا ط، لا م، لا ن، لا ت، ص136.
[56] انظر: الأنصاریّ، الموسوعة الفقهیة المیسرة، م.س، ج3، ص297.
[57] الصدر، المعالم الجدیدة للأصول، م.س، ص164.
[58] انظر: عجمی، نحو بناء المذهب التربوی، م.س، ص39-40.
[59] انظر: الغروی، علی: التنقیح فی شرح المکاسب –البیع- (تقریر بحث السید الخوئی)، ضمن موسوعة الإمام الخوئی، ط1، قم المقدّسة، مؤسسة إحیاء آثار الإمام الخوئی، 1425هـ.ق./ 2005م، ج37، ص136؛ الخوانساری، أحمد: جامع المدارک فی شرح المختصر النافع، تحقیق وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط2، طهران، مکتبة الصدوق، 1405هـ.ق، ج3، ص95.
[60] الخوانساری، جامع المدارک، م.س، ج3، ص95.
[61] الحجیة مصطلح أصولی نقصد به: مشروعیة اعتماد المجتهد على دلیل خاص فی عملیة الاستدلال الفقهی لاکتشاف الحکم الشرعی، لکون ذلک الدلیل مأذوناً به من قبل الله تعالى فی الاستناد إلیه، بنحو إذا استخدمه الفقیه یکون معذوراً أمام الله تعالى یوم القیامة ومأموناً من العقوبة الإلهیة، وإذا لم یستند إلیه الفقیه فی عملیة الاستدلال الفقهی یکون مسؤولاً عن ذلک ویحاسبه الله تعالى على ذلک.
[62] انظر: عجمی، سامر توفیق: حجیة العلم (قراءة على ضوء النظریة التعلیقیة وفقاً للمبانی الأصولیة للسید علی حجازی)، ط1، بیروت، دار الولاء، 1434هـ.ق./ 2013م، ص21-22.
[63] القمی، أبو القاسم بن حسن: القوانین المحکمة فی الأصول. نقلاً عن: الأنصاری، الموسوعة الفقهیة المیسّرة، م.س، ج3، ص470.
[64] موسوعة طبقات الفقهاء، إعداد: اللجنة العلمیة فی مؤسّسة الإمام الصادق(ع)، إشراف: جعفر السبحانی، ط1، قم المقدّسة، مؤسّسة الإمام الصادق (ع)؛ مطبعة اعتماد، 1418هـ.ق، ج1، ص163.
[65] انظر فی دلیل الانسداد: المظفر، أصول الفقه، م.س، ج3، ص32.
[66] انظر فی روایات النهی: الکلینی، محمد بن یعقوب: الکافی، تعلیق: علی أکبر الغفاری، ط4، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1365هـ.ش، ج1، ص58.
[67] الطباطبائی، محمد بن علی (ابن صاحب الریاض): مفاتیح الأصول، لا ط، لا م، لا ن، لا ت، ص526.
[68] الطباطبائی، محمد بن علی: المناهل، لا ط، لا م، لا ن، لا ت، ص415.
[69] انظر: عبد الساتر، تمهید فی مباحث الدلیل اللفظی، م.س، ج1، ص111.
[70] انظر: النراقی، عوائد الأیام، م.س، ص232؛ الهمدانی، رضا: مصباح الفقیه، تحقیق ونشر: المؤسّسة الجعفریة لإحیاء التراث، ط1، قم المقدّسة، مطبعة ستاره، 1417هـ.ق، ج1، ص62؛ الخمینی، روح الله: کتاب الطهارة، تحقیق ونشر: مؤسّسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی (قده)، ط2، طهران، مطبعة مؤسّسة العروج، 1427هـ.ق./ 1385هـ.ش، ج2، ص210؛ البروجردی، مستند العروة الوثقى (تقریر أبحاث السید الخوئی)، م.س، کتاب الصلاة، ج5، ص283؛ ج6، ص163؛ النجفی، محمد هادی: کتاب الطهارة (تقریر أبحاث السید محمد رضا الموسوی الکلبایکانی)، قم المقدّسة، دار القرآن الکریم، ج1، ص361؛ اللنکرانی، فاضل: تفصیل الشریعة فی شرح تحریر الوسیلة (کتاب الصلاة)، تحقیق ونشر: مرکز فقه الأئمة الأطهار، قم المقدّسة، 1422هـ.ق، ج1، ص670.
[71] الصدر، المعالم الجدیدة للأصول، م.س، ص164.
[72] الطباطبائی الحکیم، محمد سعید: مصباح المنهاج، ط2، النجف الأشرف، مؤسّسة الحکمة للثقافة الإسلامیة، 1430هـ.ق./ 2009م، کتاب التجارة، ج2، ص377.
[73] الأنصاری، مرتضى: کتاب المکاسب، تحقیق ونشر: لجنة تحقیق ونشر تراث الشیخ الأعظم (قده)، ط1، قم المقدّسة، مطبعة باقری، 1420هـ.ق، ج5، ص238.
[74] الشهیدی التبریزی، میرزا فتاح: هدایة الطالب إلى أسرار المکاسب، ط2، قم المقدّسة، مؤسسة دار الکتاب للطباعة والنشر، 1375هـ.ق، ص488.
[75] اللاری، التعلیقة على ریاض المسائل، م.س، ص147.
[76] انظر: الأنصاری، الموسوعة الفقهیة المیسرة، م.س، ج3، ص472.
[77] انظر: البهسودی، محمد سرور: مصباح الأصول (تقریر أبحاث السید أبو القاسم الخوئی)، ط5، قم المقدّسة، مکتبة الداوری، 1417هـ.ق، ج2، ص26، 55؛ الخمینی، روح الله الموسوی: کتاب البیع، تحقیق ونشر: مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی (قده)، ط1، طهران، 1421هـ.ق، ج2، ص599.
[78] النجفی، جواهر الکلام، م.س، ج1، ص268.
[79] الحائری، محمد حسین: الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، قم المقدّسة، دار إحیاء العلوم الإسلامیة، 1404هـ.ق، ص127.
[80] الآشتیانی، محمد حسن: بحر الفوائد فی شرح الفرائد، لا ط، لا م، لا ن، لا ت، ج2، ص96.
[81] القزوینی، علی الموسوی: تعلیقة على معالم الأصول، تحقیق: علی العلوی القزوینی، ط1، قم المقدّسة، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین، 1422هـ.ق، ج7، ص98.
[82] اللاری، التعلیقة على ریاض المسائل، م.س، ص146-147.
[83] انظر: الحکیم، محمد تقی: الأصول العامة للفقه المقارن، ط2، لا.م، مؤسسة آل البیت للطباعة والنشر، 1979م، ص102.
[84] انظر: الهاشمی، بحوث فی علم الأصول، م.س، ج4، ص291-292.
[85] فی النصّ الأصلی، وکذلک الموارد الأخرى التی بین معقوفتین.
[86] الحلی، معارج الأصول، م.س، ص220.
[87] انظر: بوبر، منطق الکشف العلمی، م.س، ص64؛ الصدر، الأسس المنطقیة للاستقراء، م.س.
[88] الشهید الثانی، حقائق الإیمان، م.س، ص181.
[89] القمی، القوانین المحکمة فی الأصول، م.س، ص290. نقلاً عن: الأنصاری، الموسوعة الفقهیة المیسرة، م.س، ج3، ص470.
[90] انظر: الخمینی، مناهج الوصول إلى علم الأصول، م.س، ج1، ص51.
[91] انظر: عجمی، سامر توفیق: حجّیة الظن (دراسة فی المبانی الأصولیة لتشریع الأمارات فی ضوء أبحاث العلامة السید علی حجازی)، ط1، بیروت، دار الولاء، 1436هـ.ق./ 2015م، ص49.